اختتم "مؤتمر طلبة الدكتوراه العرب" أعماله اليوم الإثنين في الدوحة، بمشاركة 83 باحثاً وباحثة من أكثر من 40 جامعة غربية في أوروبا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية. والمؤتمر الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وفّر على مدى أيّامه الثلاثة، مساحة لطلاب الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية في مختلف تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية لتقديم أوراقٍ من مشاريع أبحاث دراستهم، وقد جرت مناقشتها مع مراجعات وملاحظات أكاديميين ومتخصصين في مختلف المجالات.
وكان المفكر العربي والمدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، قد استهل أعمال المؤتمر بكلمة ميّز فيها بين المثقف والخبير من جهة التدخل في الشأن العام، وقال إنّ المسألة محسومة لديه لصالح المثقف، فهذا الأمر في رأيه ليس ادعاءً وإنّما هو قائم على أساس العلم والمعرفة. وأكد أنّ الفرق بين المثقف والخبير ليس في العلم فحسب، ولا سيّما أنّ العلم معطى ثابت بكل أصوله وتخصصاته، ويجب أن يكون شرطاً في الحالتين، سواء أكان خبيراً في خدمة مؤسسة ما أو دولة أو حكومة أو حركة نضالية أو حزب. ومن الواجب امتلاك الأدوات العلمية اللازمة، وإنّما أيضاً بموقف المثقف العمومي عند تدخّله في الشأن العام، فموقف المثقف يجب أن يكون أخلاقياً بالضرورة.
ورأى بشارة أنّ المحرك الأساسي للضلوع في مسألة النهضة يتطلب من دون أدنى شك الأدوات العلمية اللازمة، وكذلك الموقف الأخلاقي، والاستعداد للخوض في الشأن العام وعدم الخوف، وهذا ما يقود إلى تمييز آخر وهو التمييز بين "الموضوعية" و"الحياد". وفي هذا الصدد، قال بشارة: "لكي نخوض في العلوم الاجتماعية والإنسانية أو أيّ علوم أخرى، يجب أن نتوخى الموضوعية، وهي ليست بالضرورة حياداً، بمعنى اتباع المنهج العلمي وتوخي البحث عن الحقيقة ومحاولة التدقيق في المعطيات وإبعاد أيّ تدخل في عملية الاستدلال أو الاستنتاج". أمّا الحياد بالنسبة إلى بشارة، فهو مسألة أخلاقية، إذ من الممكن أن يكون المرء موضوعياً ولكن غير محايد في القضايا التي تهمّ أمته وشعبه.
ويوضح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ هذا المؤتمر يمثّل فاتحة مؤتمرات أخرى في موضوعه، من المتوقّع أن يعقدها المركز بانتظام بهدف تطوير شبكة تفاعل بين باحثي الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية وبين نظرائهم والأساتذة في الفضاء الأكاديمي العربي، وبهدف تمكينهم من إغناء الدوريات العلمية العربية. ويُعدّ "مؤتمر طلبة الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية" المؤتمر الأكاديمي الأوّل من نوعه في المنطقة العربية، وتبرز أهميّته في أنه يؤسس لفضاء حيوي تفاعلي بين باحثي الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية، بما يسمح بالتفاعل وتبادل الخبرات في ما بينهم، ويوطد علاقاتهم بالمؤسسات البحثية والجامعية العربية وقضايا البحث العلمي. كذلك، فإنّ هذا المؤتمر الذي يُعقد للمرة الأولى في العالم العربي، أتاح لهؤلاء الطلاب التعرّف عن قرب على الأجندات البحثية العربية وساهم في تشبيك علاقات مهنية وبحثية مع الأكاديميين في جامعات المنطقة. وسوف تتيح المشاركة في المؤتمر لهؤلاء الطلبة نشر أوراقهم البحثية باللغة العربية، الأمر الذي يساهم في تعريف المجتمع الأكاديمي والجمهور العربي عموماً على هذا المنتج البحثي الذي يُنشر عادة بلغات غير عربية.
في السياق، شهدت ورش العمل في اليوم الثالث والأخير من المؤتمر، عروضاً لموضوعات عدّة في مجال الدراسات الثقافية، والاقتصاد والاقتصاد السياسي، والقانون والسياسات القضائية، واللسانيات، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والإعلام والاتصال.
وتميّزت جلسة اختصاص القانون الأولى بمعالجة مصطلح "اللجوء المؤقت" الذي طغى على الخطاب القانوني الدولي وبيان مختلف الإشكاليات المفهومية والقانونية التي يطرحها مستقبلياً. كذلك طرحت الجلسة للنقاش المسؤولية الدولية لحماية "الحق في السلام"، وحاولت المداخلات توفير توصيات قانونية وإجرائية مساعدة على ذلك. وناقشت الجلسة الأولى في مجال اللسانيات البنية النحوية للغة البابلية القديمة وكيفيات التحري عن هذه البنى من خلال استعمال البنى النحوية للعربية. وانتقلت الجلسة في جزئها الثاني إلى نقاش إشكاليات تعلمية ارتبطت باستعمال اللغة الإنكليزية بما هي لغة تعليم في المؤسسات التعليمية العربية وما يطرحه ذلك من إشكالات معرفية وتعلمية.
أمّا جلسة اختصاص علم النفس، فقد افتتحت بالنقاش حول العلاقات بين سياسات الحدود وظاهرة الانتقال إلى مناطق النزاع في العالم العربي من أجل محاولة بناء جهاز سيكولوجي نظري لفهم هذه الظواهر. وقد طرحت الجلسة الأسباب النفسية التي تدفع المراهقات إلى الانضمام إلى الحركات الجهادية ومدى فعالية البنى التحليلية السابقة لهذه الظاهرة. وناقش المؤتمر في يومه الأخير كذلك، الإشكاليات والصعوبات التي تواجه الأكاديميا العربية، وقد شاركت في النقاش مجموعة من أساتذة معهد الدوحة، في جلسة تحت عنوان "العمل في الأكاديميا العربية: التحديات والفرص" ترأستها الباحثة في المركز العربي دانا الكرد. وفي تلك الجلسة، عرض عدد من الأساتذة العرب الذين درسوا في الجامعات الغربية وعادوا إلى المنطقة العربية، خلاصة تجاربهم وخبراتهم العلمية في هذا المجال.