مؤتمر "العرب والصين"...تحول بالموقف من إسرائيل وشكوك حول سورية

24 مايو 2016
من مؤتمر "العرب والصين" بالدوحة (العربي الجديد)
+ الخط -
انتقلت العلاقة بين العرب والصين إلى مستويات متقدمة من البحث والدراسة، كما أظهرت أعمال المؤتمر الأكاديمي "العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة"، الذي نظّمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" على مدى يومين في العاصمة القطرية الدوحة، وانتهى مساء الأحد، بمشاركة باحثين عرب وصينيين وأجانب، متخصصين في العلاقات العربية ـ الصينية.

وقد تناولت الأوراق البحثية المقدمة في المؤتمر، العلاقات العربية ـ الصينية، من الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية. وركزت الأوراق في اليوم الأول، على مسائل عامة، كـ"الاستراتيجية الصينية في الوطن العربي"، و"البعد التاريخي والثقافي في العلاقة بين الجانبين"، بالإضافة إلى مبادرة "الحزام والطريق"، التي وضعتها الحكومة الصينية كإطار لعلاقاتها مع دول المنطقة، في محاولة لإحياء "طريق الحرير" التاريخي بصيغ معاصرة.

أما جلسات اليوم الثاني والأخير، فتناولت المواقف الصينية من الصراع العربي ـ الإسرائيلي ومن الثورات العربية، وتطرّقت إلى تأثير علاقات الصين مع القوى الإقليمية الكبرى في علاقاتها مع العرب. ثم اختتم المؤتمر بجلسة نقاش عامة.

وفي الجلسة التي خُصصت لتقييم موقف الصين من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أبرز الباحث محمود محارب، الموقف المساند لحقوق الشعب الفلسطيني الذي التزمته الصين منذ اغتصاب الأرض الفلسطينية وإنشاء الكيان الصهيوني، الذي ناصبته الصين العداء، لأن القيادة الصينية الشيوعية رأت فيه حينها تجسيداً "للإمبريالية" في المنطقة.



وظلّت الصين تقاطع الكيان الصهيوني لعقودٍ قبل أن تبدأ في التعامل الدبلوماسي معه في عام 1992، وتطورت بعدها العلاقة بين الطرفين بشكل مطرد في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية، وتزايدت المبادلات التجارية بينهما لتصل في عام 2015 إلى 10 مليارات دولار.

من جهته، رأى الصحافي عزت شحرور، أن "موقف الرأي العام الصيني من القضية الفلسطينية، قد شهد تحوّلاً في السنوات القليلة الماضية، ويظهر هذا بشكل جلي في وسائل الإعلام الرسمية الصينية، ووسائل التواصل الاجتماعي". وأضاف أنه "في وقت تنشط فيه حملات مقاطعة إسرائيل، اقتصادياً وأكاديمياً وثقافياً وعسكرياً، في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، نجد النقيض في الصين، من جهة قوة العلاقات والتأييد والإعجاب بالنموذج الإسرائيلي، وارتباط ذلك بموجة من العداء للمسلمين والعرب وأسلوب خارج عن اللياقة. بل يصل الأمر إلى حدّ استخدام عبارات عنصرية ضد الفلسطينيين، حتى في اعتداءات إسرائيل عليهم".

في المقابل، أكد وكيل كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الدولية في بكين، الباحث منصور هويوشانغ، أنّ "الصين طرفٌ مهمّ في المجتمع الدولي، وأن تأديتها دوراً دولياً، لاسيما في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أصبح معياراً لتصف دول العالم الصين بأنها قوة مسؤولة". ورأى أن "الصين مرشحة لأداء دور الوسيط في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأنها طرف محايد، وليست لها نزاعات مع أيّ طرف من الأطراف". وبينما لم تكن النقاشات حول موقف الصين من الصراع العربي ـ الإسرائيلي حادة، فإن فتح ملفات السياسة الصينية تجاه ثورات الربيع العربي، كانت كذلك.

في هذا السياق، خصص المؤتمر إحدى جلساته الأحد، لمناقشة موقف الصين من الثورات العربية، من وجهة نظر أكاديمية، ومن خلال باحثين صينيين. وقدّم الباحث جن ليانغ شيانغ، المداخلة الأولى بعنوان: "السياسة الصينية تجاه العالم العربي في سياق إقليمي متغير"، وأوضح فيها أن "دول المنطقة تؤاخذ الصين على أنها تسعى لتحقيق الربح التجاري فحسب في علاقاتها معها، كما تشعر هذه الدول بالإحباط، لأنّ الصين غير قادرة على موازنة الهيمنة الأميركية في المنطقة". ورأى أن "الصين تسعى إلى تحقيق علاقات مستقرة بدول المنطقة، تتجاوز التبادل التجاري، والشؤون الاقتصادية".

من ناحيتها، ترى الباحثة أي وي جنيفير شانغ، أن "الصراع في سورية يعدّ أحد التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه الصين اليوم، في وقتٍ توسّع فيه نشاطها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والمسرح الدولي، وهي تتبوأ موقعاً فريداً يخوّلها الإعلان عن سياساتها وأهدافها بما يتعلق بالصراع السوري".

كما حاول بعض الباحثين، خلال الجلسة، تفسير الدور الصيني المتحفظ تجاه الثورات العربية، لا سيما الثورة السورية، باعتباره جزءاً من المبدأ الصيني الذي يرفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ويرفض تقسيمها أو إضعاف أنظمتها. الأمر الذي عارضه المفكر برهان غليون، والذي تحدث عن تجربته مع الصين، باعتباره أول رئيس للائتلاف السوري المعارض.

واعتبر غليون أن "المشكلة في السياسة الصينية، أنها لا تأخذ البشر بعين الاعتبار خلال مقاربتها لمصالحها الجيوبولتيكية، لكونها تتجاهل أعداد الضحايا واللاجئين والدمار في سورية، كما تفعل كل الدول الكبرى، كروسيا والولايات المتحدة وغيرها". ورأى "الأمر انعكاس للنظر إلى المنطقة، باعتبارها منطقة صراع بين قوى كبرى، يتجاهل الشعب السوري ومأساته".

واستعرض المشاركون في الجلسة الرابعة من اليوم الأخير، بعض نماذج العلاقات العربية ـ الصينية. وقدّرت الباحثة ابتسام عبد ياس، أن "السياسة الصينية تجاه العراق بعد الاحتلال الأميركي له، عام 2003، أخذت طابعاً متّصفاً بمعايشة الوضع العراقي، والدعوة إلى الجنوح للسلم وتغليب الحلّ السياسي واتخاذ إجراءات سياسية تلائم هذه المرحلة المملوءة بالتقلّبات". وخلصت الباحثة إلى أن "تحليل السلوك الصيني، يبيّن أنها غير مستعدّة للتخلّي عن علاقاتها بالولايات المتحدة والدول الغربية، ولكنها تحاول القيام بدورٍ محدود ومعارض للهيمنة الأميركية".

من جانبه، رأى الباحث محمود زكريا إبراهيم، في تحليله العلاقات المصرية ـ الصينية منذ انتهاء الحرب البادرة، أنّ "العلاقات بين البلدين حظيت بقدر كبير من الاستمرارية والثبات، منذ نشأتها في منتصف العقد الخامس من القرن العشرين. وعلى الرغم من تغيّر الأوضاع الدولية والإقليمية منذ انتهاء الحرب الباردة، فإنّ العلاقات المصرية ـ الصينية اتسمت بالتطور الإيجابي والازدهار في جميع المستويات".

وقدّمت الباحثة أسماء بن مشيرح ورقة بعنوان "استراتيجيات التغلغل الصيني في الجزائر: دراسة في الآليات والرهانات المستقبلية"، أوضحت فيها أن "الصين بدأت في منافسة الولايات المتحدة والدول الكبرى في الأقاليم ذات الأهمية الاستراتيجية، كأفريقيا عموماً، والجزائر بصفة خاصة، مستخدمة قوتها الناعمة". وحللت الباحثة توسّع الوجود الصيني في الجزائر عبر قوتها الناعمة بالحضور في مشاريع اقتصادية كبرى في البنية التحتية. ويأتي مؤتمر "العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة" ضمن سلسلة المؤتمرات الأكاديمية التي ينظمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، تحت عنوان "العرب والعالم". وهو التقليد السنوي الذي رسخه المركز أخيراً. وتم اختيار العلاقات العربية ـ الصينية، كعنوان لهذا المؤتمر، بسبب قلة دراسة التوجهات السياسية والاقتصادية الصينية نحو العالم العربي، تحديداً على المستوى الأكاديمي، لاسيما مع أداء الصين دوراً حاسماً في الاقتصاد العالمي، الدور الذي يُنظر إليه كرافعة لتغيرات سياسية أيضاً، خلال السنوات القليلة المقبلة.

المساهمون