وأعلنت الشرطة الجزائرية قبل أسبوعين ضبط أكثر من 3 ملايين يورو مزورة في سطيف، شرقي البلاد، وألقت القبض على 6 أشخاص، وأوقف أمن ولاية الجزائر بداية الشهر الجاري أفراد عصابة حاولوا تزوير 500 مليون سنتيم بالجزائر العاصمة.
الدينار الجزائري، واليورو الأوروبي، والدولار الأميركي، وغيرها من العملات يمكن لمن أراد أن يحصل عليها "مقلدة" أن يجدها في بعض المناطق بالجزائر، والتي تدخل عبر الحدود، البرية والبحرية، حسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد".
ولم تعد ظاهرة تزوير العملات تقتصر على المواطنين فقط، فبعد تحول الجزائر إلى دولة عبور للمهاجرين الأفارقة في السنوات الأخيرة، أضحى هؤلاء مصدرا للتجارة بالعملة المزورة، بل وحتى بالوثائق الرسمية وجوازات السفر الجزائرية والأوروبية.
ويكشف مهاجر أفريقي من السنغال يدعى إبراهيم با ديوب، أن "التزوير بات أقصر الطرق للمهاجرين لكسب المال في الجزائر، خاصة بعد ارتفاع الطلب على العملات المقلدة، وزيادة عمليات الاحتيال".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أن "الأفارقة كونوا شبكات متعددة الجنسيات، بينهم جزائريون، تعرض خدماتها في تزوير العملات وجوازات السفر، وبأسعار مغرية".
ولمواجهة هذه الظاهرة، سخرت الجزائر كل الإمكانات البشرية والمادية، حيث أصبحت وحدات الشرطة والدرك (جهاز تابع للجيش الجزائري) المختصة في الجرائم المالية والاقتصادية، تركز عملها على مناطق محددة معظمها حدودية أو مشتهرة بالتجارة، وذلك للإيقاع بشبكات التزوير.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصدر بالمديرية العامة للأمن الجزائري، فإن عدد الأوراق المالية التي تم حجزها سنة 2018 فاق 60 ألف ورقة من مختلف العملات، في مقدمتها الدينار ثم اليورو الأوروبي، فالدولار الأميركي.
وحسب المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، فإن المحافظات التي تنشط فيها شبكات التزوير هي: تبسة وسوق أهراس (الحدود التونسية)، بالإضافة إلى تلمسان (الحدود مع المغرب)، ومحافظتي سطيف والبليدة المشهورتين بالحركة التجارية.
ومن غرائب شبكات تزوير العملة، ما وقع في وقت سابق بميناء الجزائر، إذ أكدت مصادر داخل الجمارك الجزائرية، لـ"العربي الجديد"، أنه تم حجز حاوية قادمة من الصين فيها قطع نقدية جزائرية مقلدة من فئة 100 و200 دينار.
وحسب المصادر نفسها، التي رفضت ذكر اسمها، فإن المستورد كشف أن القطعة الواحدة كلفتها 33 دينارا فقط، وأنه كرر عملية إدخال العملة المقلدة.
ولا يتسامح المشرع الجزائري مع مزوري العملة مهما كانت جنسياتهم، حيث أقر قانون العقوبات عقوبة "السجن المؤبد" لكل شخص ثبت تورطه سواء بتزوير أي عملة لها مقابل في السوق الرسمية، أو تورط في تسويقها أو استعمالها المباشر.
وقال المحامي فضيل جرمان لـ"العربي الجديد"، إن "المحاكم الجزائرية باتت تعالج الكثير من قضايا تزوير العملة، وفي غالب القضايا، لا يتسامح القاضي مع المتهمين، وخاصة أن العقوبة على مثل هذه الجرائم الاقتصادية جاءت صارمة ومحددة بـ(المؤبد)، وذلك حماية للاقتصاد ولمصلحة المواطنين من طرف المشرع الجزائري".
ويرجع مراقبون استفحال ظاهرة تزوير العملة المحلية (الدينار) أو العملات الأخرى، إلى انتعاش الأسواق الموازية في الجزائر، حيث يرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "السوق الموازية للعملة ولكل السلع، بالإضافة إلى الاستعمال الواسع للعملة نقدا عوض الشيكات والتعاملات البنكية، أنعش التزوير في المناطق التي يسهل تداول العملة المقلّدة فيها ويصعب تتبع مسارها".
وأضاف المتحدث نفسه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تزوير الدينار يعتبر أسهل مقارنة بالعملات الأخرى، بالنظر إلى نوعية الورق المستعمل من طرف المركزي الجزائري، وقلة علامات الأمان في الأوراق النقدية، حيث نجد خطا فضيا واحدا فقط يسهل تقليده".
ويرى نور الدين أن "أسهل وأقصر الطرق لمحاربة ظاهرة تزوير العملة يبقى في تعميم التعامل بالصكوك والشيكات البنكية، والدفع الإلكتروني، كما هو معمول به في جل دول العالم"، محذراً من الآثار السلبية الخطيرة لتزوير العملة على اقتصاد البلاد، ولا سيما في ظل التراجع الحاد لقيمة العملة المحلية بسبب طباعة النقود من قبل البنك المركزي.
ووفق مصادر مطّلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "كل الورق المستعمل من طرف شبكات التزوير يتم إدخاله من الحدود التونسية عبر دول جنوب أوروبا، أو من خلال الجنوب الجزائري عبر النيجر، أما عن الحبر، فيمكن شراؤه من الصينيين الذي يدخلونه إلى الجزائر بطرق ملتوية".
وعن تداول العملة المزورة، تؤكد المصادر أن "العملية تتم عبر عرضها للبيع، فيدفع المشتري ثلثي قيمة الورقة المزورة، وكثيرا ما يتم اللجوء إلى أسواق الماشية والسيارات المستعملة، لتحويل العملة المزورة إلى سلع، وهو الطريق الأسهل والأكثر أمانا".