مأزق الدعاية الإسرائيلية

11 اغسطس 2014

عمل فوتوغرافي بعدسة أرثر ديبت

+ الخط -


مع توالي الحروب الإسرائيلية على غزة، في السنوات الأخيرة، تتزعزع السطوة الإعلامية الإسرائيلية، وتخسر إسرائيل كثيراً على صعيد الرأي العام في العالم، وتضيف هذا الفشل إلى الفشل العسكري في حسم المعارك مع حركات المقاومة. هذه ليست مشكلة بسيطة بالنسبة للإسرائيليين، وقد أثارت نقاشاً متواصلاً في الأوساط الإعلامية الإسرائيلية، يسعى إلى فهم الأسباب التي أدت إلى تزايد العداء للكيان الصهيوني في العالم، وفي أوروبا تحديداً، في السنوات الأخيرة، على الرغم من ميزانيات كبيرة مخصصة داخل الكيان الصهيوني للمنظومة الدعائية التي يشارك فيها الجيش الإسرائيلي، بوحداته الإعلامية، وعدد كبير من الوزارات، بالإضافة إلى التعاون الإسرائيلي مع مجموعات كبيرة من الإعلاميين والأكاديميين والفنانين والمشاهير المؤيدين لإسرائيل في الغرب، ومجموعة من شركات العلاقات العامة هناك.

وتختلف الدعاية الإسرائيلية باختلاف الجمهور المُسْتَهْدَف، فمخاطبة الرأي العام في الغرب تستدعي إظهار استعطاف كثير، وإثارة شفقة الغرب، بتصوير الكيان الصهيوني ضحيةً لمحيط عربي عدائي. لا تتوقف المسألة عند لعب دور الضحية، فالخطاب الصهيوني في الغرب يؤكد على شبه إسرائيل بدول الغرب، باعتبارها واحة ديمقراطية، وحالة متحضرة، وسط محيط من الديكتاتوريات والتخلف والهمجية، وهي تواجه أعداء الغرب أنفسهم، والدعاية الصهيونية في الغرب أكدت في مراحل مختلفة على تشبيه أعدائها من العرب بأعداء الغرب، فوصفتهم بالنازيين، ثم حاولت استثمار الموجة الغربية ضد الشيوعية، لوصفهم بأنهم شيوعيون، وحين صار العداء الغربي ظاهراً لما يُسمى "الإرهاب الإسلامي"، بات كل من يقاوم إسرائيل، أو يرفض الاعتراف بشرعية وجودها إرهابياً.

تشبّه إسرائيل بالغرب، وتشبيه أعداء إسرائيل بأعداء الغرب (وهو أمر متسق مع اعتبار إسرائيل قاعدة متقدمة للاستعمار الغربي في المنطقة العربية)، يُتوَّج بتبرير كل الإجرام الإسرائيلي، بمنحه امتياز الدفاع عن النفس، وتحميل أعداء إسرائيل مسؤولية الإجرام الصهيوني، وتظهير صورة إنسانية لهذا الإجرام، عبر القول إنه يهدف إلى حماية "المدنيين" الإسرائيليين، وإنقاذ المدنيين في غزة من حماس. يسهل، هنا، تبرير قصف البيوت والمساجد والمدارس في غزة، فهي أماكن يستخدمها "إرهابيو حماس" لإطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين، ولاحتجاز المدنيين الفلسطينيين واتخاذهم دروعاً بشرية، ما يجعل حماس وبقية فصائل المقاومة مسؤولة عن كل القتل على الجانبين.

أما الدعاية الإسرائيلية تجاه العرب فلا تعتمد على الاستعطاف، أو الظهور بمظهر الضحية، قدر اعتمادها على إظهار القوة الإسرائيلية في مواجهة العرب، وبث روح الهزيمة واليأس لدى الجمهور العربي، وإقناعه باستحالة تغيير موازين القوى في الصراع، والتي تميل لمصلحة الصهاينة، وتالياً ضرورة الاستسلام لمنطق التعايش مع العدو وتفوقه، ضمن تسوية غير عادلة. وتحظى هذه الدعاية بترويج من إعلام الأنظمة العربية المستسلمة لمنطق التفوق الإسرائيلي، والرافضة تحمل مسؤولياتها في المواجهة، وقد تعرضت هذه الدعاية لضربة قوية في السنوات الأخيرة، مع مشاهدة الجيش الاسرائيلي وهو يُقهر مراراً في لبنان وغزة على أيدي حركات المقاومة، كما أن الإجرام الإسرائيلي المتكرر، وتواصل الاحتلال والحركة الاستيطانية، يغذّي الأجيال العربية الجديدة بما يلزم للتمسك بمنطق المواجهة مع العدو.

لم تتضرر الدعاية الموجهة إلى العرب فحسب، بل تضررت، أيضاً، الدعاية الموجهة إلى الغرب، ونشطت في أوروبا في السنوات الأخيرة دعوات لمقاطعة إسرائيل، في المجالات كافة، ونجحت حملة مقاطعة إسرائيل (BDS) في فك ارتباط شركات وبنوك أوروبية مع الكيان الصهيوني، وإقناع جماعات ومراكز بحثية حول العالم بوقف التعاون العلمي والبحثي مع الجامعات الإسرائيلية.

هذا النشاط المتزايد في أوروبا لمناهضي الاحتلال الصهيوني، تعززه زعزعة السطوة الإعلامية الإسرائيلية، بفعل مواقع التواصل الاجتماعي، فقد هيمنت الرواية الإسرائيلية على الصحف والقنوات التلفزيونية والسينما. ولكن، في وسط إعلامي غير قابل لضبط وسيطرة المال أو السلطة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، يفشل الإسرائيليون في تثبيت هيمنة دعايتهم، ويظهر الصهاينة في صورة المعتدي لا الضحية، على الرغم من اهتمامهم بنشر روايتهم، عبر وجود وحدة إعلامية خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي في الجيش، يتزعمها بيتر ليرنر (المسؤول عن مخاطبة الغرب)، فيما يتولى زميله أفيخاي أدرعي مخاطبة العرب، وتشجيع تطوع الطلاب الجامعيين في ترويج الدعاية الإسرائيلية عبر مواقع "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب".

في عدوان الجرف الصامد، تخسر إسرائيل في الحرب الإعلامية، بفعل مواقع التواصل الاجتماعي التي تتمتع باستقلالية عن تأثير المال والسلطة، وينقل من خلالها الصحفيون صور الأحداث من غزة، بالتغريد مباشرة في "تويتر"، من دون المرور على الرقابة في الإعلام التقليدي الغربي، فتظهر التغطية التلقائية أكثر مصداقية، بالإضافة إلى القدرة على نشر صور الجرائم الإسرائيلية بشكل مكثف وبكل اللغات، فحساب الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، وحده يحظى بمتابعة أكثر من مليوني شخص، وهو يغرّد دعماً لغزة، بالإضافة إلى أن التغريدات في وَسْم "غزة تحت القصف" فاقت أربعة ملايين تغريدة في أول أسبوعين من الحرب، مقارنة بأقل من 200 ألف تغريدة في وَسْم "إسرائيل تحت النار".

يستطيع الجمهور العربي تقديم شيء مفيد لغزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من أن هذا لا يعني تأدية الواجب على أكمل وجه، إلا أن الاستهانة به أمر خاطئ، فهو أحد وسائل المواجهة التي تكلف الصهاينة الكثير.

9BB38423-91E7-4D4C-B7CA-3FB5C668E3C7
بدر الإبراهيم

كاتب سعودي. صدر له كتاب "حديث الممانعة والحرية"، و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".