بعد أدوارها في عروض أنتجها "مسرح الحمراء"، مثل "نواصي" و"حب في الخريف" و"نجمة" و"رهائن" و"آخر ساعة" و"غيلان"، تطلّ ليلى طوبال مرة أخرى عبر عرض مونودراما بعنوان "سلوان".
من المسرح المدرسي إلى عملها الجديد، قطعت طوبال مسافة "مسرحيّة" طويلة، لعلّ أهم ما فيها مساهمتها في تجربة "مسرح الحمراء"، الذي تحوّل إلى وعاء لمجمل إبداعاتها. كانت طوبال تنتمي إلى فرقة "المسرح العضوي"، بإدارة المخرج المسرحي عز الدين قنون، وكانت قاعة سينما "الحمراء" قد هُجرت، بعدما تأسست سنة 1922، فاتخذتها الفرقة فضاءً لأنشطتها منذ منتصف الثمانينيات، تحت مسمّى "مسرح الحمراء".
في موقعه في قلب حي شعبي، في العاصمة التونسية، نجح "مسرح الحمراء" أن يكون قريباً من الجمهور، واستمات في الحفاظ على الخيار المنهجي للمسرح العضوي، فظل يقدّم أعمالاً جادّة دعمت خصوصاً المنتج النصي للمسرح التونسي.
ولم تتوقف مساهمة "مسرح الحمراء" في حدود الإنتاج والتمثيل، بل تخطت ذلك إلى أنشطة تكوين الممثلين وتقديم الورشات المفتوحة لمسرحيين عرب وأفارقة، ومنها دوره في تأسيس "المركز العربي الأفريقي للتكوين المسرحي" سنة 2001.
لعلّ مسرحية "نواصي" تمثل واحدة من أبرز علامات مسار طوبال الفني، وهو عمل من إنتاج مشترك بين "مسرح الحمراء" و"مسرح الفوانيس" الأردني. أما مسرحية "حب في الخريف" فقوبلت باستحسان النقاد والجمهور، ونالت طوبال عليها جائزة أفضل ممثلة في "مهرجان المسرح التجريبي" في القاهرة.
يشهد عرض طوبال الجديد، "سلوان"، إقبالاً جماهيرياً لافتاً، وهو يتنقل بين فضاءات عدة، مثل "التياترو" و"مدار قرطاج". ومن المنتظر أن تنطلق قريباً سلسلة من عروضه في عدد من المدن التونسية مثل سوسة والكاف وصفاقس، ومن ثم يسافر إلى لبنان وفرنسا وكندا.
في جواب عن جدوى كتابة "سلوان"، تقول طوبال: "إن النص يندرج في إطار الراهن السياسي والاجتماعي الذي تعيشه تونس بعد الثورة". وتؤكد أن المظاهرات والاعتصامات وضريبة الدم التي دفعها الشعب التونسي، كان لها التأثير العميق على وجدانها كفنانة.
انطلقت طوبال في تأليف العمل في شهر أغسطس/ آب 2013، وكان جاهزاً للعرض سنة 2014. مرّ هذا النصّ بإرهاصات عديدة فخالطته الأبعاد السياسية، وشيء من التفكّه والإضحاك حول متناقضات اليومي وصدماته الموجعة.
وكما يبدو من عنوانه، يدعو هذا العمل إلى "نسيان الأحداث الدامية التي تعيشها البلاد". وترى طوبال "أن الشفاء من هذه الجراح لا يتم إلا بسرد الوقائع ولفظِها من الباطن قدر الإمكان". يعتمد العرض ديكوراً بسيطاً وإضاءة خافتة. وترتدي الممثلة فيه طبقات كثيفة من الملابس، وفي كل تطوّر تقتضيه السينوغرافيا تطرح عنها بعضاً من هذه الملابس.
في عرض "سلوان"، تستمر الممثلة في سرد عذاباتها بلا انقطاع، وبنبرة واحدة أقرب إلى الصرخة، لمدة ساعة ونصف. هذا النفَس الطويل والطاقة التمثيلية لدى المؤدية، لا ينظر لهما المتلقي البسيط بالعين نفسها. فهو بالكاد يشاهد مؤثرات صوتية أو مفاصل موسيقية، باستثناء دقائق معدودة، لولاها لكان العمل كله صرخة واحدة أو فاصلة جنائزية.
توضّح صاحبة العمل قائلة: "اخترت صرخة الغضب تماشياً مع متطلبات الطرح الاحتجاجي للنص"، وتضيف أن دورها لا يقوم على الوقوف مع الجمهور، بل على استدعائه إلى رحلة الحكي. "فليقبل ما يشاء وليرفض ما يشاء".
لا تبدو طوبال راضية عن أداء المسرح التونسي، بل تنتقده قائلة: "إن المنتج الركحي يعيش مأزقاً عميقاً، خصوصاً إذا لم يُعد النظر في نجاحاته، ويظل يعتبر نفسه ريادياً على المستوى العربي والأفريقي". وتضيف: "يجدر بالمسرحي أن ينظر في المرآة باستمرار، لا أن تستبد به النرجسية ويتعالى، فيُضيع صوابه وبهاءه".