ليلة فيينا... التي غيرت المشهد

03 اغسطس 2015
إيرانية في شوارع طهران (Getty)
+ الخط -
في مقال بعنوان "وعود إيران"، كتب الصحافي الأميركي روبن رايت تحت عنوان فرعي: "الثورة في أزمة منتصف عمرها والاتفاق النووي". مقال موسّع من ستّة آلاف كلمة، يجول خلاله الكاتب بين أساتذة جامعات وشبّان وشابات ورجال أعمال صاعدين وأثرياء ومتنزهات وضريح الإمام الخميني. يجول ويخرج بانطباعات مبنية على "لقاءات" تعطي القارئ صورة أنّ إيران هذه الأيام تشبه الغرب، في ناسها ومنطقهم وأحلامهم وهمومهم وحسّهم النقديّ العالي.

مقال لم يكن ممكناً لو لم يكن الاتفاق النووي بين إيران والغرب ناجزاً. هو الكاتب الذي تابع المفاوضات عن قرب والمتخصّص في هذا المضمار وفي الكتابة عن الخليج والسعودية واليمن وإيران. فإيران ما قبل الثورة في معظم الإعلام الغربي كانت دولة خارجة على القانون الدولي ومارقة، وشبّانها يصوّرون في الفيديوهات والصور على أنّهم فاشيو النزعة يرفعون قبضاتهم في الهواء ويحيّون المرشد علي خامنئي التحية الهتلرية. لم يكن الغرب يرى شبّاناً يؤسّسون شركات على الإنترنت ويربحون مئات ملايين الدولارات. ولم يكن صحافيوه يرون في المدن الإيرانية مساحات للنزهة وفي النخب قدرات نقدية تصل حدّ انتقاد الثورة.

لكن فجأة في مجلة "نيويوركر"، صارت إيران مؤلّفة من شبّان Cool. أحدهم قابله الكاتب قرب ضريح مؤسّس الثورة الإيرانية الخميني. اسمه ميسم شهباني وعمره 27 عاماً، وهو يحبّ "باتمان" وإنريكي إيغليسياس وكريستوفر نولان.

والكاتب لديه صديقان من رتبة "بروفسور" في جامعة طهران. وهما جريئان إلى حدّ أن يجلسا معه في مقهى مكشوف على الرصيف ويحدّثانه عن الثورة الخمينية بحسّ نقديّ عالٍ، فيقول أحدهما له، وهو ناصر هاديان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران: "الثورة الإيرانية كانت تشبه أزمة منتصف العمر. وما هي أزمة منتصف العمر؟ حين تكتشف أنّك لا تستطيع أن تحقّق كل ما تريده، وأنّك يجب أن تتكيّف مع الحياة لتنجو".

اقرأ أيضاً: الاتفاق النووي "حرب عالمية ثالثة"

هذه هي الجملة المفتاح التي بنى الكاتب عليها عنوانه الفرعي: "الثورة في أزمة منتصف عمرها والاتفاق النووي". ويذهب المقال إلى التسويق لفكرة مفادها أنّ إيران خرجت من عقدتها الثورية، وباتت جاهزة للانخراط في المجتمع الدولي والحداثة العالمية.

يخلص الكاتب إلى أنّ إيران "تغيّرت كثيرا منذ الثورة". بعدها يذهب إلى إحصاء من دون مصدر واضح ليقول إنّ "أكثر من ثلث السكان في إيران يستخدمون الإنترنت، والشوارع مليئة بإعلانات لأحدث الهواتف الذكية". طبعاً من دون الإشارة إلى الحجب الرسمي لمواقع التواصل الاجتماعي، واضطرار الشباب إلى اللجوء إلى البروكسي لفك هذا الحجب.

هكذا هي إيران، بين ليلة نمساوية في فيينا وضحاها، باتت جميلة وحديثة وتحبّ الحياة. هو مقال يمكن أن يدرّس في كيفية إعادة تدوير الوعي حول أيّ قضية. تماماً كما هي أجواء رواية جورج أورويل "1984". في الرواية يغيّر الحاكم تاريخ البلاد حين ينتقل من التحالف مع بلد إلى التحالف مع آخر، ويعادي البلد الذي كان يحالفه. يمحو التاريخ كلّه ويجعله تاريخاً مجيداً لا يحمل ذرّة عداء، رغم أنّ العداء كان دموياً حتّى الأمس القريب.



اقرأ أيضاً: عام على سجن جايسون رضايان: أمل بالإفراج قريباً