07 نوفمبر 2024
ليس للسوريين إلا السوريون
السنوات الخمس التي مضت على سورية هي سنوات اعتقال وقتل ودمار ونهب للثروة، وتشريد وتهجير، والخوف الذي قيل إنه انتهى عاد وتوطن في مناطق السلفية أو الجهادية أو النظام، وكذلك تمظهرت فيها كل أشكال الهوية، المناطقية والعشائرية والقومية والدينية، وطاولت كل طبقات المجتمع، وإنْ بدرجاتٍ مختلفة، وكان الفقراء والمهمشون الكتلة الأكثر تضرّراً. هذه السنوات تضرر منها كذلك الموالون للنظام والصامتون والرماديون، وبالكاد نجت أسرة سورية من كارثةٍ حلت بأحوالها أو موت حصد من أرواحها.
الاستجارة بالرمضاء الروسية أو الأميركية تبيّن أنها تفتقد أية حصافة وطنية، أو خوف على أرواح تحصد كل دقيقة، بتلك الاستجارة تمكنت تلك الدول ودولٌ إقليمية من الفتك بسورية، وتراجعت المشتركات السورية الوطنية بشكل مخيف. في هذه الفكرة، لا بد من القول: إن النظام هو المسؤول الأول عن مآلات سورية، بل ومآلات المعارضة والإتيان بـ"الدب" الدولي والإقليمي إلى كرمها.
الآن، أصبحت سورية عارية كلياً، فليس من شيء فيها خافٍ، وكل شيء فيها معلن ومعروضٌ أمام الجميع. لم يعد الانقسام العمودي بين أهل الثورة وأهل النظام كافياً لحسم المعركة ضد الطرف الآخر. وبالتالي، لا بد من العودة إلى المشتركات الأفقية السورية، وبعيداً عن السلطة والمعارضة معاً، والدول التي تعزّز من مواقف النظام أو المعارضة.
اللقاءات الدولية الخاصة بسورية، ولقاء جنيف الثالث، والذي توقف أخيراً، والحرب التي استعرت ضد الثوار بعدها، وبموافقة روسية وبكذب أميركي عن أن جبهة النصرة وحيدةٌ في حلب، كما يقول الروس، أقول إن كل هذا اللعب بالسوريين، ومنذ خمس سنوات، يفترض أن يدفع نحو مشروع وطني خاص بالسوريين. فالاتكال على العالم أجهز على سورية والسوريين.
وقبل توضيح المشروع الوطني، إن التسعير الذي يُنكل بحلب، بعد توقف المفاوضات، سينتهي بتجديد المفاوضات، وليس بالضرورة أن تصل إلى حلٍّ ما. فلدى الهيئة العليا للتفاوض شروطها، ولن تُلبى وفقاً للرؤية الروسية للحل. وهنا، قد تحاول روسيا وأميركا تشكيل وفد جديد، وربما يشقون قوى هيئة التفاوض نفسها. ولكن ذلك لن يسمح للدولتين العظميين بإنجاح عملية التفاوض، فهما تنطلقان من أن التفاوض الفعلي هو الذي ينهي كل التنظيمات الجهادية والسلفية. ومن هنا، ليس الكلام المتكرّر من روسيا، بل ومن أميركا، عن ضرورة الابتعاد عن "النصرة"، وإلا فإن جيش الإسلام وأحرار الشام تنظيمان ينضويان ضمن لائحة الإرهاب.
ليست القضية في جبهة النصرة ولا "داعش" ولا حتى جيش الإسلام أو أحرار الشام. القضية في عدم وصول توافق دولي دقيق حول كل من أفغانستان وأوكرانيا وسورية، وكذلك في مسائل معقدة بين روسيا وأميركا بشكل أساسي، ويمكن إضافة النزوع الروسي البلطجي عالمياً، ورغبة فلاديمير بوتين في إحراز موقع دولي، يشبه موقع الاتحاد السوفييتي قبل البيروسترويكا. وبخصوص الدول الإقليمية، رفض إيران تسوية سياسية تتجاوز النظام، ونحو نظامٍ ينهي تدخلها في سورية. وهذا ستليه محاصرة حزب الله والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي والطائفية في العراق. هنا، تصبح المسألة السورية ليست سورية، بل مسألة إقليمية ودولية على الأراضي السورية.
سيتوقف التسعير، ولن تكون هناك مفاوضات، وفقاً لما يراه وفد الرياض. لم يعد اللعب الروسي لم يتوقف لحظة منذ جنيف الأول، وعلى هوامش جنيف 3. وهناك أوراق جديدة للعب، مثل مسألة إشراك حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، ومعارضة حميميم وموسكو والقاهرة، ممن رفضوا أن يكونوا ضمن وفد التفاوض. وهناك بيان فيينا، وبالتالي، هناك تعقيدات كبيرة. نضيف أن الضغط الذي واجهه وفد الرياض، ولا سيما من تركيا والسعودية، قد يجبر الوفد على العودة. على الأرض، وبعيداً عن إبادة حلب، هناك معارك وتأزم شديد بين كل من "النصرة" ومعها فصائل تؤازرها وبين جيش الإسلام بشكل رئيسي، وتظل المعركة بين أحرار الشام والنصرة مؤجلة! المهم، هنا، إن استنقاع الواقع يؤدي إلى تحكم إقليمي ودولي شديد في الداخل السوري، وتمزيق كبير للهوية السورية، وجعلها عشائر ومناطق وأقاليم تابعة للخارج، أي تلتغي عملياً الحدود الدنيا للوطنية السورية. وهذا يتجاوز تسييس هذه التشكيلات، وإلحاقها بالخارج السوري.
في هذه الوضعية المتشظية، كما سماها تقرير صادر عن سورية أخيراً، بات الأمر يتجاوز الصراع بين النظام والشعب الثائر، أي أن السوريين متضرّرون أكثر مما هو عليه وضعهم في حال استمر بلدهم لعبة بيد الخارج.
يستطيع السوريون فعل الكثير، يساعدهم في ذلك، رفض النظام والمعارضة معاً، وطبعاً رفض كل المليشيات المستقدمة من الخارج، سواء التي أنقذت النظام من سقوطه، أو التي استقدمت عبر "النصرة" أو سواها، والتي أصبحت قاتلة للسوريين الثائرين قبل سواهم، ورفض أي مشروع يخص سورية، ولا يكون السوريون هم من يقرّره، ككتابة الدستور، أو تقرير شكل الاقتصاد، وكذلك رفض كل اتفاقياتٍ وقعها النظام في ظل حربه ضد الشعب، وتحديداً مع روسيا وإيران. وقبالة ذلك رفض كل الوعود للدول المؤازرة للمعارضة، وتمكينها من نهب سورية، حالما تتشكل هيئة الحكم الانتقالية.
هنا، يتأتى سؤال دقيق: من سيقوم بهذه المهمات، ويتجاوز عقدة المعارضة والموالاة، ويتجاوز كل هذا الشحن الطائفي، وكذلك حالة الانقسام العمودية بين الطوائف والقوميات؟
ويطرح سؤال آخر: بعد خمس سنوات، هل يمكن أن تتغير الرؤية إلى المعارضة والموالاة، وتستقيم الأمور بعيداً عن النظام والمعارضة، وما فعلوه بسورية وتسليمها للخارج، وتمزيقها إرباً إرباً. الحقيقة أن هذه أساس فكرة هذا المقال. وبالتالي، هناك ضرورة لتكثيف كل الممكنات بعيداً عن التخوين الطائفي والقومي والاستجارة بالخارج، ليتمكّن السوريون من إيقاف المأساة، والتشظي الواسع الذي يتجهون إليه أكثر فأكثر.
هذه ليست مهمة معقدة فقط، بل أكثر من ذلك. ولكن، ووفق الممكن روسياً وأميركياً، لم تعد سورية لأهلها. هنا، المشكلة؛ ستكون سورية دولة تابعة بامتياز. ولنا في العراق ولبنان والصومال، ودول كثيرة، أمثلة عما جرى، وهذا ما عُمل من أجله، لتكون سورية مستقبلاً.
الفكرة هنا أن يتم تجاوز كل ما تقدم، والبحث عن المشتركات السورية السورية، وبعيداً عن رواية النظام والمعارضة لوضع سورية ولمستقبلها. فهل يكون السوريُ للسوري شريكاً؟
الاستجارة بالرمضاء الروسية أو الأميركية تبيّن أنها تفتقد أية حصافة وطنية، أو خوف على أرواح تحصد كل دقيقة، بتلك الاستجارة تمكنت تلك الدول ودولٌ إقليمية من الفتك بسورية، وتراجعت المشتركات السورية الوطنية بشكل مخيف. في هذه الفكرة، لا بد من القول: إن النظام هو المسؤول الأول عن مآلات سورية، بل ومآلات المعارضة والإتيان بـ"الدب" الدولي والإقليمي إلى كرمها.
الآن، أصبحت سورية عارية كلياً، فليس من شيء فيها خافٍ، وكل شيء فيها معلن ومعروضٌ أمام الجميع. لم يعد الانقسام العمودي بين أهل الثورة وأهل النظام كافياً لحسم المعركة ضد الطرف الآخر. وبالتالي، لا بد من العودة إلى المشتركات الأفقية السورية، وبعيداً عن السلطة والمعارضة معاً، والدول التي تعزّز من مواقف النظام أو المعارضة.
اللقاءات الدولية الخاصة بسورية، ولقاء جنيف الثالث، والذي توقف أخيراً، والحرب التي استعرت ضد الثوار بعدها، وبموافقة روسية وبكذب أميركي عن أن جبهة النصرة وحيدةٌ في حلب، كما يقول الروس، أقول إن كل هذا اللعب بالسوريين، ومنذ خمس سنوات، يفترض أن يدفع نحو مشروع وطني خاص بالسوريين. فالاتكال على العالم أجهز على سورية والسوريين.
وقبل توضيح المشروع الوطني، إن التسعير الذي يُنكل بحلب، بعد توقف المفاوضات، سينتهي بتجديد المفاوضات، وليس بالضرورة أن تصل إلى حلٍّ ما. فلدى الهيئة العليا للتفاوض شروطها، ولن تُلبى وفقاً للرؤية الروسية للحل. وهنا، قد تحاول روسيا وأميركا تشكيل وفد جديد، وربما يشقون قوى هيئة التفاوض نفسها. ولكن ذلك لن يسمح للدولتين العظميين بإنجاح عملية التفاوض، فهما تنطلقان من أن التفاوض الفعلي هو الذي ينهي كل التنظيمات الجهادية والسلفية. ومن هنا، ليس الكلام المتكرّر من روسيا، بل ومن أميركا، عن ضرورة الابتعاد عن "النصرة"، وإلا فإن جيش الإسلام وأحرار الشام تنظيمان ينضويان ضمن لائحة الإرهاب.
ليست القضية في جبهة النصرة ولا "داعش" ولا حتى جيش الإسلام أو أحرار الشام. القضية في عدم وصول توافق دولي دقيق حول كل من أفغانستان وأوكرانيا وسورية، وكذلك في مسائل معقدة بين روسيا وأميركا بشكل أساسي، ويمكن إضافة النزوع الروسي البلطجي عالمياً، ورغبة فلاديمير بوتين في إحراز موقع دولي، يشبه موقع الاتحاد السوفييتي قبل البيروسترويكا. وبخصوص الدول الإقليمية، رفض إيران تسوية سياسية تتجاوز النظام، ونحو نظامٍ ينهي تدخلها في سورية. وهذا ستليه محاصرة حزب الله والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي والطائفية في العراق. هنا، تصبح المسألة السورية ليست سورية، بل مسألة إقليمية ودولية على الأراضي السورية.
سيتوقف التسعير، ولن تكون هناك مفاوضات، وفقاً لما يراه وفد الرياض. لم يعد اللعب الروسي لم يتوقف لحظة منذ جنيف الأول، وعلى هوامش جنيف 3. وهناك أوراق جديدة للعب، مثل مسألة إشراك حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، ومعارضة حميميم وموسكو والقاهرة، ممن رفضوا أن يكونوا ضمن وفد التفاوض. وهناك بيان فيينا، وبالتالي، هناك تعقيدات كبيرة. نضيف أن الضغط الذي واجهه وفد الرياض، ولا سيما من تركيا والسعودية، قد يجبر الوفد على العودة. على الأرض، وبعيداً عن إبادة حلب، هناك معارك وتأزم شديد بين كل من "النصرة" ومعها فصائل تؤازرها وبين جيش الإسلام بشكل رئيسي، وتظل المعركة بين أحرار الشام والنصرة مؤجلة! المهم، هنا، إن استنقاع الواقع يؤدي إلى تحكم إقليمي ودولي شديد في الداخل السوري، وتمزيق كبير للهوية السورية، وجعلها عشائر ومناطق وأقاليم تابعة للخارج، أي تلتغي عملياً الحدود الدنيا للوطنية السورية. وهذا يتجاوز تسييس هذه التشكيلات، وإلحاقها بالخارج السوري.
في هذه الوضعية المتشظية، كما سماها تقرير صادر عن سورية أخيراً، بات الأمر يتجاوز الصراع بين النظام والشعب الثائر، أي أن السوريين متضرّرون أكثر مما هو عليه وضعهم في حال استمر بلدهم لعبة بيد الخارج.
يستطيع السوريون فعل الكثير، يساعدهم في ذلك، رفض النظام والمعارضة معاً، وطبعاً رفض كل المليشيات المستقدمة من الخارج، سواء التي أنقذت النظام من سقوطه، أو التي استقدمت عبر "النصرة" أو سواها، والتي أصبحت قاتلة للسوريين الثائرين قبل سواهم، ورفض أي مشروع يخص سورية، ولا يكون السوريون هم من يقرّره، ككتابة الدستور، أو تقرير شكل الاقتصاد، وكذلك رفض كل اتفاقياتٍ وقعها النظام في ظل حربه ضد الشعب، وتحديداً مع روسيا وإيران. وقبالة ذلك رفض كل الوعود للدول المؤازرة للمعارضة، وتمكينها من نهب سورية، حالما تتشكل هيئة الحكم الانتقالية.
هنا، يتأتى سؤال دقيق: من سيقوم بهذه المهمات، ويتجاوز عقدة المعارضة والموالاة، ويتجاوز كل هذا الشحن الطائفي، وكذلك حالة الانقسام العمودية بين الطوائف والقوميات؟
ويطرح سؤال آخر: بعد خمس سنوات، هل يمكن أن تتغير الرؤية إلى المعارضة والموالاة، وتستقيم الأمور بعيداً عن النظام والمعارضة، وما فعلوه بسورية وتسليمها للخارج، وتمزيقها إرباً إرباً. الحقيقة أن هذه أساس فكرة هذا المقال. وبالتالي، هناك ضرورة لتكثيف كل الممكنات بعيداً عن التخوين الطائفي والقومي والاستجارة بالخارج، ليتمكّن السوريون من إيقاف المأساة، والتشظي الواسع الذي يتجهون إليه أكثر فأكثر.
هذه ليست مهمة معقدة فقط، بل أكثر من ذلك. ولكن، ووفق الممكن روسياً وأميركياً، لم تعد سورية لأهلها. هنا، المشكلة؛ ستكون سورية دولة تابعة بامتياز. ولنا في العراق ولبنان والصومال، ودول كثيرة، أمثلة عما جرى، وهذا ما عُمل من أجله، لتكون سورية مستقبلاً.
الفكرة هنا أن يتم تجاوز كل ما تقدم، والبحث عن المشتركات السورية السورية، وبعيداً عن رواية النظام والمعارضة لوضع سورية ولمستقبلها. فهل يكون السوريُ للسوري شريكاً؟