ليست موجة ثورات جديدة

21 ابريل 2019
+ الخط -
اتسع نطاق الاحتجاجات في الشارع الجزائري، منذ إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشّحه لولاية خامسة حتى لحظة تقديم استقالته، كان للجيش الأثر الأكبر في منحى تغير السياسة في الجزائر، وتزامنت الانتفاضة الجزائرية مع تحرّك الشارع السوداني الذي بدأ احتجاجاً رفع مطالب معاشية في البداية، وتوسعت رقعته، وازداد زخمه، حتى طالب بتغيير كامل للنظام القائم. لم يجد الجيش الذي كان داعماً عمر البشير بداً من الانقلاب عليه، وجرى الأمر على مرحلتين. في الأولى تسلّم عوض بن عوف رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، ثم قدم استقالته بعد يوم مخلياً مكانه لعبد الفتاح البرهان الذي بدا أكثر تشدّداً مع مجموعة الرئيس المخلوع عمر البشير وحزبه، فقد أعلن عن اعتقال عدد من رجالات البشير، وحظر لحزبه، وحرمانه من المشاركة بأي تمثيل في أي حكومة انتقالية.
لا يُعرف بعد ما هي الخطوة التالية، وما إذا كانت هذه التحرّكات ستفضي إلى تغير حقيقي في النظامين، الجزائري والسوداني. ولكن على نطاق واسع، يتم تسمية هذين التحرّكين الموجة الجديدة من الثورات في المنطقة. وفي الحقيقة لم تهدأ المنطقة بعد لتبدأ مرحلة جديدة، فالتحرّكات التي بدأت من تونس، قبل أكثر من ثماني سنوات، ما زالت تتفاعل. وعلى الرغم من الاستقرار الظاهري لبعض الحكومات في تونس ومصر، إلا أن هناك هزّات هنا وهناك، ما زالت تعمل وبقوة، مهدّدة بفترة عدم استقرار جديدة.
سبق الخروج الجماهيري العريض في الجزائر والسودان في الصيف الماضي، تحركٌ ملفتٌ في جنوب العراق، شمل عدة محافظات، ورفعت شعارات شبيهة بتلك التي رفعها متظاهرو الجزائر والسودان. كما شهد الأردن تظاهراتٍ كبيرةً، اقتربت من شخص الملك، لكنها لم تطالب بتغييره. وخرجت في إيران احتجاجاتٌ جماهيرية كبيرة، وبشكل متزامن في عدة محافظات، كانت شعاراتها واضحة ضد النظام السائد. ولم ينجُ المغرب من التذمر الشعبي، فشهدت مدينة الحسيمة تحركاً كبيراً سمي تحرّك الريف. لا يمكن فصل حركة الجماهير أخيراً في الجزائر والسودان عن سياق الامتعاض العام الذي يسود المنطقة منذ نهاية عام 2010، فالموجة نفسها مستمرة، وإن شهدت فترات خمود ظاهري، لم تلبث أن عادت بقوة، محاولةً اقتلاع الأنظمة القديمة المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الاحتجاجات مرشحة للتصاعد، لأنها في الواقع لم تُنتج أي تغيير حقيقي، فالأنظمة القديمة تحاول التقدم بأشكال متعددة. وعلى الرغم من أن ظاهرة الخروج إلى الشارع عامة، وشبه متزامنة مع بعضها، والمطالب متشابهة، إلا أن هذه التظاهرات أخذت كلّ منها شكلاً محلياً خاصّاً. وقد فشلت كل هذه التحركات في تشكيل شبكة تواصل فكرية في ما بينها، على الرغم من لافتات التعاطف التي ظهرت في التظاهرات بعضها تجاه بعض. هناك في الواقع تلمّس لتشابه الهم والمعاناة، ولكن التواصل لم يتجاوز المستوى العاطفي والإعلامي، ولم يفكر أحد في إيجاد وسيلةٍ، لتشكيل إطار جماعي واحد، يمكن أن يفضي إلى نتيجةٍ مرضيةٍ للجميع.
قد تكون الاستقطابات والقوى الإقليمية والعالمية المؤثرة أدّت دوراً جوهرياً في منع تلاقي هذه التحركات في تيار واحد وقويّ، وهذا مفهوم ضمن نظام عالمي سائد فيه، لمثل هذه القوى تأثير كبير ونافذ. وهنا يصبح القلق مبرّراً من عدم الوصول إلى الاستقرار قريباً، فالموجة الجماهيرية مستمرة، ولكنها تخضع لعوامل النظام الدولي وظروفه، وقد تشهد فترات مدّ قوية، يمكن أن تجرف شيئاً من المتعلقات الراسخة والقديمة، من دون أن تكون قادرةً على التأسيس الجديد أو إشاعة أفكار عملية قابلة للانتشار والقبول، والجزائر والسودان دولتان شملتهما الرياح التي تعصف بالمنطقة، وهما بالتأكيد ليستا آخر دولتين، وليستا دولتي الموجة الجديدة، فالموجة القديمة ذاتها ما زالت سائدة، والمناخ الذي يجبرها على الوجود ما زال قائماً.