ليست لعبة شطرنج

16 سبتمبر 2018
تظاهرة بتونس احتجاجاً على غلاء الأسعار في يناير الماضي(Getty)
+ الخط -
من يراقب الأوضاع في تونس من بعيد ولا يقف على الجمر، يمكنه أن يستمتع بمجريات الأحداث… تقلّبات ومناورات وتحالفات تسقط وأخرى تبنى، تشكيل مشهد وهدمه وإعادة تشكيله من جديد، تصريحات من هنا تقابلها ردود من هناك، جدالات قانونية ودستورية وتأويلات يقضي التونسيون أسابيع في متابعتها.

في تونس حرب صامتة وملفّات مفتوحة بين الرئيس الباجي قائد السبسي ونجله حافظ، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، و"اتحاد الشغل" والمعارضة، وكل إكسسوارات مشهد سياسي معقّد، تضاف إليها مؤثرات مستوردة وحبكات درامية متقنة. ولو كانت مجرّد أوراق في كتاب يقرأه المتابع وهو يتلذّذ بنسائم ما تبقّى من صيف، لكانت بالفعل مصدر استمتاع وربّما تأمّل أيضاً، خصوصا بالنسبة لقارئ عربي لم يتعوّد على هذا النمط من السجال في وقائع الموت اليومي الذي يعمر الشوارع العربية في أكثر من مكان، ويتابع مذهولاً سقوط أحلام وموت شعوب وتهجير أجيال. ولكنها ليست كذلك مع الأسف، بل هي الحقيقة تمشي على رجلين في شوارع تونس، لعبة يدفع ثمنها الناس، ولكن المسؤول لا يبالي، يأخذ كامل وقته في إنضاج الظروف وإنهاك خصمه وضرب مصدر قوّته ودعائم مشروعه، غير آبه أو مكترث بما يحدث بعيداً عن ممرات القصور وغرف المكاتب الخلفية.

كلها أمور جديدة طرأت على حياة التونسيين وغيّرت مجرى أحاديثهم في المقاهي والبيوت، وهي بالتأكيد نوع جديد من الحياة جاءت به الثورة، تؤسس لسجالات من نوع مختلف، تعلّم شعباً عربياً كيف يدير شأنه ويقيّم مسؤوليه ويؤيدهم أو يعاقبهم عندما يحين وقت الصندوق القادم. ولكن في الأثناء، هناك شعب يأكل ويعمل ويتعلّم ويفكّر في أطفاله، وهي الحقيقة التي ينبغي على الحاكم أيًّا كان أن يفهمها وألا ينساها ويضعها في كل ركن من قصره، لأنهم ائتمنوه على مصائرهم وانتخبوه على أحلامهم وتطلعاتهم، وليس لتحريك بيادق أو إسقاط رخّ منافسيه في انتظار الضربة الأخيرة التي تمكّنه من الإعلان عن انتصاره كأنها مجرّد مباراة وديّة…

على الحاكم أن يتذكّر دائماً أنّها ليست مجرّد لعبة شطرنج، بل هي الشعب.

المساهمون