ليبيون يتعايشون مع أزمة الكهرباء

20 يناير 2019
ورشة لمولّدات الكهرباء بطرابلس (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

اعتاد الليبيون التعايش مع أيّ أزمة تواجههم، ولا سيّما انقطاع التيار الكهربائي. وكما ألفوه في الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة المرتفعة، كذلك راحوا يتأقلمون معه وسط البرد القارس في فصل الشتاء. ويأتي غياب التيار كأزمة من الأزمات التي تشهدها ليبيا من جرّاء تهاوي الخدمات الأساسية في البلاد.

سالمة زويد من سكّان شارع النصر وسط العاصمة طرابلس، تشكو لـ"العربي الجديد" قائلة: "منذ أكثر من أسبوع ونحن نقضي عشر ساعات يومياً من دون كهرباء. بتنا نعيش كأننا في ستينيات القرن الماضي، وقد وفّرت الفحم اللازم للتدفئة مع حرصي على إطفائه قبل النوم، حتى لا يتسبّب في اختناق أفراد أسرتي. كذلك وفّرت الشموع ليتمكن ولداي من الدراسة على ضوئها، في حال لم تكفهم ساعات النهار". تضيف زويد: "أسكن كما كثيرون غيري في طبقات عالية من المباني، ولا قدرة لدينا لحمل عبوات البنزين كلّ تلك المسافة بهدف تشغيل مولّدات الكهرباء. وإن كان ذلك ممكناً، فالمولّدات الصغيرة لا تستطيع العمل أكثر من ستّ ساعات".

لم تعلن الشركة العامة للكهرباء كما اعتادت في السنوات الماضية، نشرات برنامج طرح الأحمال ولا أسباب تزايد ساعات انقطاع الكهرباء، بل اكتفت بأخبار نشرتها على صفحتها الرسمية حول اجتماع مسؤوليها لبحث الأزمة وحول جهودها لصيانة بعض المحطات. يقول المدير التنفيذي للشركة العامة للكهرباء علي ساسي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأعمال التخريبية التي تتعرّض لها محطات التوليد بصورة مستمرة، تجعل الشركة غير قادرة على التكهّن بعدد ساعات طرح الأحمال بالتحديد"، مؤكداً أنّ "جهود الشركة لم تتوقف لملاحقة المخرّبين وصيانة آثار التخريب". ويتحدّث ساسي عن "مشكلات إدارية ومالية وفنية متراكمة تعانيها الشركة بعيداً عن عين المواطن الذي لا يعرف عنها شيئاً. ومع كل ذلك، نقاوم ويعمل موظفو الشركة وسط البرد والحرّ على مدار السنة". ويوضح أنّ "الشركة تقاوم بأبسط الإمكانيات حتى لا يقع انهيار كامل في الشبكة، مثلما حصل في السنوات الماضية أدى لحدوث ظلام تام"، مطالباً "الجهات الحكومية بتوفير الإمكانيات العاجلة لحلّ المشكلات العالقة منذ سنوات".




ويلفت ساسي إلى أنّ "المواطنين لا يتجاوبون مع إرشادات الشركة التي تطالبهم بإطفاء بعض الأجهزة واستخدام أخرى فقط، مثل سخان واحد ومدفأة واحدة"، شارحاً أنّ "المواطن يشارك كذلك في الأزمة. ومنذ سبع سنوات لم يسدّد أيّ مواطن رسوم الكهرباء الشهرية المترتبة عليه، الأمر الذي فاقم مشكلات الشركة المالية وعقّدها، فتوقفت مداخيلها كلياً وهي تنتظر ما تجود به الحكومة عليها". ويتابع ساسي أنّ "جهود الشركة، بالإمكانيات الضعيفة التي تمتلكها، غير قادرة على مقاومة الظروف التي تسببّت في سرقة ما يزيد عن ألف سيارة تابعة لفرق الصيانة، بالإضافة إلى التعديات المتزايدة على موظفيها، في حين تتأثّر الشركة بالانقسام السياسي وتهديد العصابات لفروعها في الجنوب".

والمواطن بحسب ما يبدو، لم يعد يأبه بتصريحات المسؤولين وبما يقدّمونه من أسباب لاستمرار الأزمة. ناجي على سبيل المثال، وهو صاحب مقهى صغير في حيّ صلاح الدين في العاصمة طرابلس، يقول لـ"العربي الجديد": "لم أعد أنتظر الحلول الرسمية، وقد عمدت إلى تخزين كميّة من البنزين في صهريج للمياه إلى جانب المقهى، بهدف تشغيل مولّد كهربائي اشتريته قبل سنتَين". يضيف أنّ "الأزمة ليست مستجدة، ولا بدّ من التأقلم معها حتى لا يتعطّل مصدر رزق أسرتي".

الحلّ نفسه اعتمده سعيد النايلي، وهو صاحب مخبز على طريق الشوك في طرابلس، فقد خزّن كميّة كبيرة من الوقود في صهريج خصّصه لمخبزه. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه "الحلّ الوحيد لعلاج أزمة انقطاع الكهرباء أو الوقود. فأنا لا أستطيع انتظار الحكومة التي لا تعرف أنني أسدد بدل إيجار محلّ ورواتب عمالي".

في سياق متصل، عمد متبرعون إلى توفير كميات من الكيروسين والبنزين لمولدات مستشفيات في مدن عديدة، منها ترهونة القريبة من طرابلس التي سبق أن أمّن الأهالي مولّداً كبيراً لمستشفاها الوحيد. ويقول أبو بكر المزوغي وهو من أهالي المدينة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة بخلت حتى في توفير الدواء ورواتب الأطبّاء، فكان لزاماً علينا الالتفات إلى ما يحتاج إليه المستشفى من متطلبات ضرورية ومنها الوقود المطلوب لتشغيل المولّد".



تجدر الإشارة إلى أنّ ليبيين كثيرين، يرون أنّ أزمة الكهرباء "مفتعلة". وعلى الرغم من التوضيح الذي تقدّم به المدير التنفيذي للشركة العامّة للكهرباء علي ساسي، يشير بعضهم، سالمة زويد منهم، إلى أنّ الهدف من تلك الأزمة هو "إلهاء المواطن عن مشكلاته اليومية والإفساح في المجال أمام المتصارعين على المال والكراسيّ لتحقيق مآربهم". وتقول زويد إنّ "التركيز هو على المدن الكبيرة، فالمدن البعيدة لا تزيد ساعات انقطاع التيار الكهربائي فيها عن ثلاث ساعات، مثل مصراته التي تمتلك وزناً سياسياً وعسكرياً في البلاد".