ليبيا.. ولماذا ستنجو النساء

09 يوليو 2015
لم تستثن النساء من جرائمهم (فرانس برس)
+ الخط -
الطامع في السلطة لا يفرق بين صغير وكبير، ولا بين رجل وامرأة، إنه مستعد لفعل أي شيء؛ فهو لا يمانع في انتهاك الحرمات بأي شكل من أشكالها، سواء أكان بتشريد الناس أو قتلهم أو تهديم منازلهم عليهم أو الكذب عليهم، وتعذيبهم نفسيا وجسديا. فمهما كانت الطريقة، هو مستعد لتجربتها فقط ليصل إلى هدفه.


لم تُستثن النساء من جرائمهم، ووصلت حد انتهاك الحرمات إلى أفظع وأبشع الجرائم، فعندما دخلت تلك الكائنات الشرسة على امرأة لتطعنها طعنات عدّة، وترش بالرصاص حتى يقضى عليها في منزلها، وهي كانت تظن أنها بأمان حتى وإن هي قد فعلت وعبّرت عن رأيها يوما ما في إحدى قنوات الإعلام، هل وجب عليها أن تتوقع مثل هذا المصير وهذه القتلة الشنيعة؟! 
ولغياب العدالة، وبعد هذه الحادثة بأيام قليلة تقتل ناشطة سياسيّة أخرى؛ وهي نائبة مستقيلة من المؤتمر الليبي الوطني في مدينة درنة رميا بالرصاص أيضا، لم يعرف السبب ولا المجرم في هذه الجريمة، وكثرت الإشاعات، ولم يُبرّأ أحد، ولم تكن هناك تحقيقات، وما حدث هو أن هذه الاغتيالات استخدمت كما استخدمت الاغتيالات لضباط الجيش في السنتين ما قبل هذه.

هل على النساء أن يتقيّدن في بيوتهن ليحمين نفسهن؟ هل عليهن أن يصمتن، ويتجنبن الاختلافات وإبداء آرائهن ليشعرن بالأمان؟ ليس صحيحا.

التهديد، التهجير، الاعتداء، والقتل.. بعض مما تعرضت له النساء في بلادنا في الآونة الأخيرة، ورغم ظننا أن الحال بعد الثورة لا يمكن أن يسوء فهو في الحقيقة قد ساء.

في نهاية 2014 بدأت ثورة مسلحة جديدة، تعرف بثورة أكتوبر كما يطلق عليها، عمت فيها الفوضى وسمحت لأي كائن باستخدام السلاح للقبض وقتل المجموعات التي سميت بالخوارج، ظنا من البعض انطباق وصف الرسول محمد للخوارج عليها، ولكن لم ترحم هذه الثورة أحداً فقد سببت في تشريد عديد من العائلات التي كانت آمنة في منازلها، وقل المئات من الأبرياء المدنيين.

كانت من أوائل هذه العائلات المتضررة من ثورة أكتوبر، وما جعل مثل هذه الواقعة ترى النور هي إحدى نساء العائلة والشاهدة على المصيبة، ففي يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2014 هجمت مجموعة مسلحة مجهولة الهوية على منزل هذه العائلة في بنغازي، دون أي مقدمات أو تهديدات بالأسلحة الثقيلة والرشاشات، وقتلت كل رجال العائلة، الإخوة وأبوهم واضطرت الأخت التي رغم تعرضها لتهديدات بالسلاح لأن تحمي باقي نساء العائلة والأطفال، وبأعجوبة تمكنت بعد استمرار التهديد والمطاردة من الهرب، ونقل جثمان أحد إخوتها إلى المستشفى، قبل أن يدمّر المنزل بالكامل بالذي فيه ثمّ اضطرت لمغادرة المدينة لتحمي نفسها.

عاشت الأخت لتروي القصة، ولكن ها هي كانت في بيتها تظن أنها مطمئنة فلم ترفع صوتا ولم تقاتل أحداً ولم تنج..

وقد كان هذا أيضا حال معظم النساء اللواتي كان لهن أخ أو ابن شارك في القتال، وانخرط مع الثوار أو التشكيلات المسلحة، وحال نساء عائلات المدنيين المعارضين لبعض الأطراف، فلم تنج هذه النسوة من الاضطهاد أو إخراجهن من منازلهن بالقوة وسرقتها وتدميرها وحرقها.
لم يكن هذا هو الأسوأ فبعدها أصبحت النساء يمتن تحت الأنقاض مع أطفالهن ضحايا للقذائف العشوائية، ولم تسمع أي استنكارات، ولم تلاحظ أي مبالاة، ولم يكن أي منهن جزءا من الصراع، ورغم ذلك قتلن بدم بارد.

أكثر ما يُخشى هو أن نصل إلى تلك الحالة من البرود والتقبل لمثل هذه المآسي، عندها لا يمكننا ألا نتوقع مثلها في المستقبل، وما زال كثيرنا يتساءل عن السبب الذّي أوصلنا لمثل هذه الحال، إلا أنه وبكل تأكيد أن حياتنا تبدأ في الانتهاء في اليوم الذي نصبح فيه صامتين عن الأشياء التي تهم.

(ليبيا)
المساهمون