بينما يقع على الشبان تدبير أمور الزواج في ليبيا، فإنّهم سعيدون الآن بمنع السلطات إقامة حفلات الزفاف
على الرغم من عدم تقيد كثير من المناطق الريفية والبعيدة عن المدن الكبرى بالإجراءات الحكومية المفروضة لمكافحة انتشار فيروس كورونا الجديد، في ليبيا، ومنها التباعد الاجتماعي، ومنع التجمعات والمناسبات الاجتماعية، فإنّ هذه الإجراءات تبدو مشجعة لكثير من الشبان، في المناطق الحضرية، للإقبال على الزواج كونها "فرصة" لتخفيف مصاريف الأفراح، كما يقول إسلام محمود، من العاصمة طرابلس.
واكتفى محمود بدعوة شقيقيه المقيمين خارج منزل العائلة إلى مراسم زواجه الذي لم يتعدّ حضوره بعض أفراد من أسرته شهدوا على عقد القران، قبل أن ترافقه والدته وشقيقته، إلى أسرة زوجته التي رافقته بمفردها لإمضاء الأيام الأولى للزواج في أحد فنادق العاصمة. يعبر محمود في حديثه إلى "العربي الجديد" عن ارتياحه الشديد بسبب اقتصاده كثيراً من المال الذي كان سينفق في حفلة زفافه، ويقول: "في حال إقامة حفل سيكون من واجبي دعوة أقارب أسرتنا وأقارب أسرة زوجتي من المناطق التي ننحدر منها كما هي العادات الاجتماعية، فيما الفرح قد يستمر ليومين وأكثر"، مشيراً الى أنّه انتهز الفرصة، فالسلطات هي التي منعت تجمعات الأفراح، لكنّها لم تقرر وقف موثقي عقود القران (المأذونين) عن عملهم.
وفي أغلب المدن الريفية والبعيدة عن المدن الكبرى تستمر حفلات الزفاف، كما يؤكد حسن بركان عضو جمعية التيسير الأهلية، لكنّه يؤكد أيضاً أنّ تلبية الدعوات تشهد تراجعاً بسبب الخوف من انتقال الوباء عبر الاختلاط والازدحام. وتقدم جمعية التيسير الأهلية، كما يقول بركان لـ"العربي الجديد" مساعدات مالية وعينية للشبان المقبلين على الزواج، لكنّه يؤكد أنّها في تراجع بعدما أدت أزمة كورونا إلى تخفيف كثير من الأعباء المادية المتصلة بالأفراح. ويشير بركان إلى أنّ بعض المناطق الريفية كانت تشهد حفلات زفاف تصل إلى أسبوع كامل، وتنفق فيها أموال طائلة، ويحضرها مدعوون من مناطق مجاورة بسبب الامتدادات القبلية، ما كان يشكل عائقاً حقيقياً أمام الشبان الراغبين في الزواج.
وقرر مختار الجعفري، من جنزور، غرب طرابلس، الإقامة في مدينة مصراته، غربي البلاد، حيث تتوفر عشرات الشقق الفندقية صحبة زوجته، بعد حفل فرح عائلي لزواجهما لم يستمر أكثر من ساعات قبل أن يغادر منزل العائلة لقضاء أيام زواجه الأولى، مؤكداً أنّه تخلص من أعباء مالية كبيرة ووفر أموال الفرح لاستئجار منزل يكوّن فيه أسرته.
وبعد شهر من إعلان ليبيا عن تسجيل أول إصابة بالفيروس، في إبريل/ نيسان الماضي، أعلنت عن حزمة من الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء، منها إغلاق المدارس والأسواق والمساجد، قبل أن توسع من دائرة الإجراءات بفرض حظر التجول الشامل والجزئي مع منع إقامة الاحتفالات المجتمعية ومنها الأفراح، وإغلاق قاعات المناسبات. وعلى العكس من المناطق الريفية، يضطر المقبل على الزواج لحجز قاعات الحفلات لاستقبال المدعوين في المدن.
ويقول الجعفري لـ"العربي الجديد" إنّ أرخص قاعة احتفالات ليوم واحد تكلف 3000 دينار ليبي (4200 دولار أميركي بسعر الصرف الرسمي و19.200 دولار في السوق الموازي)، مضيفاً أنّه "أربعة أضعاف راتبي الشهري"، ومؤكداً أنّ "قرار منع إقامة الأفراح فرصة استغلها كثير من الشبان". وينقل الجعفري عن زوجته رضاها بالتنازل عن حلم حفل زفافها وضرورة توفير تكاليفه المادية لأعباء الحياة المقبلة، مؤكداً أنّ التوافق حول شكل الأفراح الحالية بين المقبلين الجدد على الزواج مردّه تكاليف الحياة المتزايدة، بالتوازي مع ارتفاع تكاليف الأفراح سواء في المدن أو الأرياف.
من جهتها، تعتبر الاختصاصية الاجتماعية، نسرين عكريم، أنّ من المحتمل أنّ هناك أسباباً أخرى وراء الإقبال على الزواج في ظل تراجع التكاليف، من بينها مرور أشهر على شبان وشابات في عزلة منزلية أشعرتهم بضرورة وجود رفيق معهم في هذه الحياة، مشيرة إلى أنّ ظروف الانغماس في الحياة وإرهاق العمل اليومي غيبت مثل هذا الشعور الذي يبدو أنّ العزلة في المنازل أيقظته، خصوصاً أنّ الظروف الحالية مشجعة بشكل كبير على الزواج. ومن بين العوامل التي ساعدت في إقبال الشباب على الزواج عدم منع السلطات الليبية موثقي عقود القران عن العمل كما هي الحال في دول أخرى. وتقول عكريم لـ"العربي الجديد" إنّ هذا يعني أنّ عقد قران وحفلة أسرية مصغرة ممكنان ولن يعاقب المجتمع هذا الشاب أو ذاك على مثل هذا الزواج، لأنّ من منع الاحتفالات هي السلطات بالذات. وبالرغم من مخاطر الوباء، تعتبر عكريم أنّ من إيجابيات الإجراءات المواجهة لتفشيه ومنها الحظر والبقاء في المنازل، احتمال مساعدة الأسر الجديدة في توثيق الصلات الزوجية والاعتكاف في المنازل لفترات أطول للتأسيس الصحيح لمواجهة الحياة: "الزيجات في السابق كانت تفرض على الزوجين أن يخرجا إلى معترك الحياة بعد أسبوع فقط من عقد القران، فيواجهان مصاعب كبيرة تؤثر أحياناً في حياتهم، لتصل إلى مرحلة التفكك وعدم القدرة على المواجهة الصحيحة لتحديات الأسر الجديدة".