أكدت مصادر من المجلس البلدي لمدينة بني وليد في ليبيا (180 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس)، أن طائرات حربية نفذت عدة غارات، في جنوب شرقي المدينة، أمس الأحد، فيما رجّحت المصادر نفسها أن تكون طائراتٌ أميركية قد نفّذت تلك الغارات.
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن أهالي من المدينة أكدوا أن القصف الجوي طاول واديي المكركم وصيبا، في صحراء المنطقة، حيث وجدت بقايا سيارتين مسلحتين محترقتين في محيط الوادي، مرجّحين أن يكون الطيران الأميركي استهدف المكانين باعتبارهما من الممرات الصحراوية التي يستخدمها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للتنقل عبر الصحراء، حيث يتميّزان بحماية طبيعية لكونهما محاطين بحلقة من الجبال.
وكانت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي الليبي قد كشفت لـ"العربي الجديد"، أن رئيس المجلس، فائز السراج، التقى خلال زيارته لتونس، الأيام الماضية، قائد قوات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، جوزيف فوتيل، لمناقشة توسيع رقعة العمليات العسكرية الجوية في ليبيا.
وأعلنت قيادة "أفريكوم" أنها نفذت 62 غارة جوية، حتى الجمعة الماضية، على مواقع "داعش" في سرت، منذ إطلاق حملتها الجوية مطلع أغسطس/أب الجاري.
ورغم إقرار عدد من المتابعين للشأن الليبي بأن التنظيم يعيش مراحله الأخيرة في سرت؛ إلا أن مسألة القضاء عليه بشكل نهائي في ليبيا لا تزال بعيدة، لا سيما بعد إعلان غرفة عمليات الطوارئ، التابعة لعملية البنيان المرصوص، أول أمس السبت، تنفيذها عددا من الطلعات الجوية لمراقبة غرب وجنوب ليبيا، ورصد فلول داعش الفارين من سرت، مما يعد إشارة ضمنية لاعتراف البنيان المرصوص بتمكن عناصر "داعش" من الفرار من حصارها.
ووفق تصريحات سابقة للمتحدث باسم عملية "البنيان المرصوص"، محمد الغصري، فإن
عناصر من "داعش" نجحت في الفرار من سرت قبل محاصرتها، معتبراً أن استعادة نشاطها في أماكن أخرى من ليبيا "أمر وارد".
وأكد ضابط بالمخابرات العسكرية في مصراته، لـ"العربي الجديد"، أن أربعة عناصر مهمة في التنظيم تم أسرهم خلال المعارك، بالإضافة للعشرات من المقاتلين الآخرين.
وقال الضابط، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن الأربعة هم: ليبي، واثنان من جنسيات عربية، ورابع يحمل الجنسية الفرنسية، لافتاً إلى أن فرنسا تفاوض من أجل تسليم الأخير لها.
وذكر أن الأجهزة الأمنية تعمل بإمكانيات متواضعة جداً، فهي لا تمتلك جهازاً مدرباً ومتكاملاً لمطاردة الفارين الذين عادة ما يستخدمون هويات وأوراقا ثبوتية متغيرة.
وكشف عن أن مقاتلين تم القبض عليهم، أو سلموا أنفسهم، تبين أنهم استُجلبوا كعمالة عبر شركات النظافة، لا سيما الآسيويين منهم، وأنّ الكثيرين منهم وافقوا على العمل في سرت ضمن التنظيم طلباً للمال، لكنهم سرعان ما سلّموا أنفسهم خلال المعارك، لعدم إجادتهم القتال، أو لأنهم أرغموا عليه.
وقال "التحقيقات أثبتت أن العشرات من مقاتلي داعش تمكنوا من الفرار في أكثر من اتجاه، وبعد مرور أشهر على هربهم، أصبح من الصعب ملاحقتهم في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد، وعدم وحدة مؤسساتها الأمنية".
وحول إمكانية ظهور التنظيم في مدن أخرى؛ قال: "هناك مدن مؤهلة لاستقبالهم، لكن مؤهلات سرت الطبيعية والعسكرية والقبلية لن تتوفر في غيرها، ولذا نرجح أن يقتصر نشاط داعش في المستقبل على تنفيذ هجمات من خلال خلايا نائمة، خصوصاً في المدن الكبيرة كطرابلس".
وأضاف: "هناك مناطق قريبة، مثل بني وليد، تتواجد فيها قبائل يمكن أن تشكل حاضنة لداعش، ولكن ظروف عودتها، كما كانت في سرت، لا تتوفر"، مؤكداً أن بعض قادة داعش استقروا ببني وليد لفترة بعد هربهم من سرت.
وعن الأعداد الدقيقة لمقاتلي "داعش" الموجودين حاليّاً في سرت؛ قال: "إننا نعاني من اختلاط الأمور، فمنذ البداية تتواجد عناصر مخابراتية أجنبية إلى جانب مقاتلينا، بالإضافة إلى حديث عن عمليات نوعية نفذتها قوات خاصة أجنبية لا يستبعد أنها نقلت خلالها قادة لداعش"، مستدركاً بالقول: "لكننا نؤكد أن وصول أعداد مقاتلي داعش إلى الآلاف في سرت، كما أعلنت عنهم دول غربية في السابق، غير صحيح، فهم لا يتجاوزون المئات فقط" .
وختم بالقول: "إننا بالفعل بحاجة إلى مساعدة جوية دولية لملاحقة عناصر وقادة داعش خارج سرت، ولكن ليس بمعزل عنا. يجب أن نكون في عين الحدث معهم".