لم يتأخر قائد عملية الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في نفي تعرّض قواته أو أي من تابعيه، لموكب رئيس حكومة الأزمة عبد الله الثني، أثناء زيارته مدينة بنغازي، مطلع هذا الأسبوع، وفق تغريدة نشرها على حسابه على موقع تويتر، في وقت سارع فيه المتحدّث باسم عملية الكرامة محمد الحجازي، إلى نفي أنباء عن تعرّض حفتر نفسه لمحاولة اغتيال أول من أمس.
ويأتي نفي محاولة اغتيال حفتر، في وقت يتحدّث فيه معارضوه عن انقسامات وخلافات في صفوف مكوّنات قيادة عملية الكرامة، وسعي بعضها إلى الإطاحة به، تمهيداً لإبعاده عن أي حكومة قد تنبثق عن الحوار الداخلي المزمع عقده برعاية أممية.
وفي ما يتعلّق بالتعرّض لموكب الثني، كانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مسؤول كبير، رافق الثني في الزيارة، أنّ موكبهم أوقف من قبل مجموعة مسلّحة، مكوّنة من 70 جندياً، أثناء محاولة مغادرة مدينة المرج، شرق بنغازي، مركز قيادة حفتر. لكنّ وزير الداخلية في حكومة الأزمة، عمر السنكي، ووفق تصريحات للوكالة ذاتها، أكّد أنّ "أحد الضباط التابعين لحفتر قد أخبرهم بأن طائرة الثني لم تُمنح إذناً للهبوط في بنغازي، لكنّ الطائرة تمكنت من الهبوط في المدينة، حيث عقد الثني اجتماعات عدّة مع قادة عسكريين فيها".
ولم يتردّد المتحدّث الرسمي باسم "عملية الكرامة"، محمد الحجازي، في التأكيد على أنّ "مدينة بنغازي منطقة عسكرية لا يجوز دخولها إلا بإذن من القيادة العامة للجيش الليبي"، معتبراً أنّه "يمكن للثني أن يزور بنغازي للاطلاع على الاحتياجات الإنسانية للمدينة، لكن من غير المسموح له، أو لأي من وزرائه، الاجتماع بعسكريين".
ويرى مراقبون ألا تعارض بين نفي حفتر عبر تويتر، وبين رواية السنكي، ذلك أنّ حفتر نفى اعتراض موكب الثني في بنغازي، وهو ما حصل فعلاً، بينما أخفى حفتر تعرّض تابعين له لموكب الثني في مدينة المرج، التي تبعد 100 كيلومتر عن بنغازي إلى الشرق.
ولا يستبعد محللون أن يكون صبر حفتر قد نفد، في محاولة منه للاستيلاء على كامل السلطة في مناطق شرق ليبيا الخاضعة له تقريباً، باستثناء مدينة درنة الخاضعة لسيطرة تنظيمات إسلامية متشدّدة. ويحاول في الوقت الحالي إخراج كل المزاحمين له في المشهد السياسي، من نواب ووزراء وأحزاب سياسيّة موالية وشخصيات مجتمعية، تمهيداً لاختصار قيادة العملية السياسية.
وفي السياق ذاته، تظهر مقاطع فيديو، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أحد قيادي التيار المدخلي السلفي في ليبيا، المؤيد والمقاتل مع حفتر، محمد العوامي، وهو يهدد ويتوعّد مجلس النواب الليبي المنحل في طبرق، بالانقلاب عليه في حالة عدم إنشائه مجلساً عسكرياً برئاسة حفتر، وتخلّيه عن السلطة تماماً.
ويسلّط هذا المقطع الضوء على طبيعة العلاقة بين حفتر، باعتباره مؤيداً من التيار المدخلي السلفي، وبعض أنصار التيار الفيدرالي، وبين بعض الذين باركوا عملية الكرامة إبان انطلاقها في السادس عشر من مايو/أيار الماضي، خصوصاً تيار حزب تحالف القوى الوطنية، ورئيس حكومة الأزمة عبد الله الثني.
ويسعى مؤيدو حفتر إلى تحميل الإخفاقات على مستوى الوضع الإنساني المتردي، في مدن شرق ليبيا الهادئة، إلى حكومة الثني، حتى لا يُتهم حفتر بالضلوع فيها، أو التسبّب بها، في وقت يسعى فيه الأخير إلى إسقاط كل منافسيه، والإطاحة بحكومة الثني ومجلس النواب الليبي المنحل، خصوصاً بعد إعادته وكبير قادة عملية الكرامة إلى الجيش، وإلغاء قانون العزل السياسي.
ويبدو أنّ تيار حزب "تحالف القوى الوطنية"، داخل مجلس طبرق المنحل، بحسب محللين، وبعد نجاحه في إسقاط قانون العزل السياسي، يخطط للدفع بممثل ليبيا السابق في الأمم المتحدة، عبد الرحمن شلقم، ليكون مرشحاً لرئاسة حكومة التوافق الوطني التي يجري الحوار بشأنها، برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
ويخشى حفتر أن يُخرجه الحوار الحالي، من دوائر صناعة القرار والنفوذ، وهو الهدف الذي يحاول تحقيقه رئيس حزب تحالف القوى الوطنية محمود جبريل، باعتباره يرى أن وجود حفتر كرأس حربة في المشهد السياسي والعسكري سيحرمه من فرصة اعتلاء السلطة في ليبيا. ويذهب خبراء في الشأن الليبي إلى حدّ القول إنّ حفتر بنفيه الأخير، أخذ خطوة للوراء، خصوصاً بعد ظهور بوادر انقسام قبلي ومناطقي حول جدوى عملية الكرامة من جهة، وظهور منافسين له من داخل قواته المسلحة، من جهة أخرى.
وفي سياق متّصل، تفيد أنباء بانقسام شهده اجتماع عقدته قبيلة البراعصة المهيمنة على مدينة البيضاء، ثاني أهم معقل مؤيّد لحفتر في شرق ليبيا بعد مدينة المرج. وتمحور الانقسام حول حفتر، إذ يؤيّد بعض قياديي القبيلة تولّي العقيد فرج البرعصي الذي أقاله حفتر من قيادة المنطقة الدفاعية، الجبل الأخضر. واتهم حفتر الأخير بسرقة قرابة مليون دينار، وقيامه بهدم وحرق منازل معارضين لحفتر وقتلهم، من دون حصوله على أوامر بذلك. ويرى بعض شيوخ قبيلة البراعصة أن إخراج حفتر، والتحريض على حكومة الثني في البيضاء من قبل أنصار حفتر، قد يمهد لنقل مقرّ القرار من مدينة البيضاء إلى مدينة المرج، حيث مقر إقامة حفتر.
المؤكّد أنّ ثمّة حسابات كثيرة تربك العلاقات داخل عملية الكرامة، منها القبلي والمناطقي، لكنّ نسق سير العمليات العسكريّة، بحسب محللين عسكريين، يسير على وتيرة لم تتأثر حتى الآن بالخلافات بين معسكر عملية الكرامة.