ليبيا: خروقات حفتر تهدد الهدنة

26 يناير 2020
اتفق تبون وأردوغان على التنسيق بشأن ليبيا(مراد كولا/ الأناضول)
+ الخط -


تبدو الهدنة الهشة المعلنة في ليبيا منذ 12 يناير/ كانون الثاني الحالي، مهددة أكثر من أي وقت، مع تزايد خروقات المليشيات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، وقصفه على العاصمة طرابلس، بالتوازي مع شنّه حملة عسكرية جديدة قرب مصراتة. ويترافق ذلك مع تأكيد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا استمرار انتهاك "حظر التسليح" في البلاد، في وقت كانت فيه مصادر مصرية وخليجية تكشف لـ"العربي الجديد" عن دعم عسكري جديد من السعودية لحفتر لتعزيز قوته العسكرية، مقابل تشديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن الحل في ليبيا لن يكون عسكرياً.

وكشفت مصادر مصرية وخليجية، لـ"العربي الجديد"، عن تدخّل سعودي جديد على خط الأزمة الليبية، يشمل تقديم حزمة مساعدات مالية وعسكرية كبيرة لحفتر، وذلك لتعزيز التأثير السعودي، لكن عبر وكلاء، وتحديداً الإمارات. وأوضحت المصادر أن حفتر تلقى وعوداً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإرسال مساعدات عسكرية في أسرع وقت ممكن لتعزيز قوته، في محاولة لفرض واقع جديد على الأرض.

يتوازى ذلك مع إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن استمرار انتهاك "حظر التسليح" في البلاد، على الرغم من التعهدات التي قدمتها الدول المعنية بوقف تزويد أطراف الصراع بالسلاح خلال مؤتمر برلين الذي عُقد الأحد في 19 يناير في العاصمة الألمانية. وقالت البعثة في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي في وقت متأخر من ليل السبت، إنها "تأسف أشد الأسف للانتهاكات الصارخة المستمرة لحظر التسليح في ليبيا"، الذي ينص عليه قرار مجلس الأمن 1970 الصادر عام 2011، "حتى بعد الالتزامات التي تعهدت بها البلدان المعنية خلال المؤتمر الدولي الذي عقد في برلين حول ليبيا".

وحول الهدنة المعلنة منذ 12 يناير، اعتبرت البعثة الأممية أن "الهدنة الهشة مهددة الآن بما يجري من استمرار نقل المقاتلين الأجانب والأسلحة والذخيرة والمنظومات المتقدمة إلى الأطراف من قبل الدول الأعضاء، من بينها بعض الدول التي شاركت في برلين". ولم تكشف البعثة أسماء الدول التي تواصل نقل السلاح إلى ليبيا. وقالت في هذا الشأن "على مدار الأيام العشرة الماضية، شوهدت العديد من طائرات الشحن والرحلات الجوية الأخرى تهبط في المطارات في الأجزاء الغربية والشرقية من ليبيا، لتزويد الأطراف بالأسلحة المتقدمة والمركبات المدرعة والمستشارين والمقاتلين"، ودانت "هذه الانتهاكات المستمرة التي تهدد بإغراق البلاد في جولة متجددة ومكثفة من القتال".

ميدانياً، صعّدت مليشيات حفتر خروقاتها للهدنة، وقصفت عدة أحياء في طرابلس ليل السبت، ما أدى إلى مقتل مدني مغربي وإصابة ثمانية آخرين. وأعلنت عدة بلديات في العاصمة وقف الدراسة وتسريح الطلاب "حتى إشعار آخر خوفاً على سلامتهم"، تزامناً مع إعلان ادارة الملاحة الجوية في مطار معيتيقة إغلاق أجوائه ونقل كل رحلاته إلى مطار مصراتة، شرق طرابلس، بعد تجدد استهدافه ليل السبت، فيما رفعت المستشفيات استعداداتها إلى أعلى درجة لمواجهة أي مستجدات ينتجها القصف العشوائي المستمر.

وأكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، عبد المالك المدني، أن حفتر "خرق الهدنة ولم يعد من المنطقي تبرير محاولاته المتكررة من قبل المجتمع الدولي". ولفت المدني في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن "القصف العشوائي ليل السبت على الأحياء المدنية كان مركّزاً ومقصوداً"، مشيراً إلى أن قوات الحكومة استهدفت بواسطة المدفعية تمركزات لمليشيات حفتر جنوب شرق طرابلس، وموضحاً أن "المدفعية استهدفت تحركات لمليشيات حفتر في مناطق القويعة والرواجح وصلاح الدين"، ومؤكداً أن تلك التحركات من قبل مليشيات حفتر تجرى استعداداً لخرق كامل للهدنة وسط محاولات للتسلل إلى مناطق جديدة داخل طرابلس.

كذلك شنّت مليشيات حفتر أمس هجوماً جنوب شرق مدينة مصراتة وسيطرت لبعض الوقت على منطقة أبوقرين قبل أن تستعيدها القوات الموالية لحكومة الوفاق. وقال المتحدث باسم الجيش التابع لحكومة الوفاق، محمد قنونو، في بيان، إن "قواتنا دمّرت وسيطرت على عدد من الآليات المسلحة التابعة للمليشيات الغادرة التي حاولت التقدّم تجاه أبوقرين". وأضاف: "تعليماتنا لقواتنا هي بالتعامل بكل قوة مع مليشيات مجرم الحرب المتمرد حفتر التي امتهنت الغدر والخيانة واستهدفت المدنيين الآمنين". وشدد على أن قوات جيشه "لم تبدأ الحرب لكنها ستحدد زمان ومكان نهايتها". وكان قنونو قد أعلن في وقت سابق أمس أن مليشيات حفتر خرقت مجدداً وقف إطلاق النار بمحاولتها التقدم تجاه منطقة أبوقرين.


وفي السياق نفسه، كانت زعامات قبلية موالية لحفتر، أعلنت بعد اجتماع لها مساء السبت في ميناء الزويتينة شرق البلاد، استمرار إقفال موانئ وحقول النفط، مشترطة لإعادة فتحها "إسقاط الاعتراف بحكومة فائز السراج وتغيير رئيس المصرف المركزي ومدير المؤسسة الوطنية للنفط وتشكيل حكومة تسيير أعمال وكذلك التوزيع العادل للثروة"، مشيرة إلى أنها "مطالب ستقدم للبعثة الأممية قريباً".

سياسياً، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤكد من الجزائر أن "النهج الذي يكافئ المعتدي ويعاقب المؤيدين للمصالحة والسلام هو نهج سيقود ليبيا إلى الكارثة". وفي مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في العاصمة الجزائرية، أكّد الرئيس التركي ضرورة "عدم السماح بتحويل ليبيا إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية وبارونات الحرب". وشدد على أن تركيا "ستواصل البقاء إلى جانب أشقائها الليبيين بكل إمكاناتها المتاحة"، مضيفاً "سنواصل العمل من أجل وقف نزيف الدماء في ليبيا، ونجري اتصالات لضمان وقف دائم لإطلاق النار والذهاب نحو الحوار"، مؤكداً أن "الحل في ليبيا لن يكون عسكرياً".

من جهته، قال تبون إنه اتفق مع نظيره التركي على تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا والتنسيق الدائم بين البلدين حول تطورات الأزمة. وأكد أن هناك تقارباً في المواقف بين الجزائر وأنقرة بشأن الأزمة الليبية وبشأن ضرورة دعم الحل السياسي، معلناً الاتفاق على أن تكون هناك اتصالات دائمة بين وزيري الخارجية التركي والجزائري بشأن التطورات في ليبيا.

وكان أردوغان قد قال قبل مغادرته بلاده إلى الجزائر إن حفتر ينتهك الهدنة وبالتالي لا يتوقع منه الالتزام بوقف إطلاق النار. ولفت إلى أن مليشيات حفتر انتهكت مراراً وقف إطلاق النار، مضيفاً "في هذه المرحلة نحتاج لأن نرى بوضوح من هو حفتر. إنه رجل خان قادته من قبل أيضاً. ليس من الممكن أن نتوقع الرحمة والتفاهم من شخص كهذا في ما يتعلق بوقف إطلاق النار... إنه يواصل الهجمات بكل الموارد المتاحة لديه. لكنه لن ينجح هنا". ولفت إلى أن حفتر اختبأ في فندق بالعاصمة الألمانية، ولم يلتزم بمسار السلام للصراع في بلاده لا في موسكو أو برلين. وأوضح أنه قيّم مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الجمعة الماضي، مخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا، وأنه تناول معها آخر المستجدات الحاصلة في هذا البلد. وتابع قائلاً: "قبل كل شيء حفتر شخص انقلابي، وقلت للمستشارة الألمانية إنكم تدللونه كثيراً، وهذا الشخص الذي تدلّلونه يتسبب في تقسيم ليبيا وينتهك وقف إطلاق النار فيها، والمستشارة الألمانية أقرت بهذا الواقع". وأشار إلى مواصلة حفتر هجماته معتمداً في ذلك على دعم مرتزقة شركة فاغنر الروسية.
واتفقت القوى الأجنبية في برلين على تشكيل لجنة خاصة مؤلفة من خمسة مسؤولين عسكريين من كلا جانبي الصراع لتعزيز الهدنة الهشة. ومن المقرر أن يجتمع المسؤولون العسكريون للمرة الأولى في جنيف هذا الأسبوع. وقال أردوغان إنه لا يتوقع نتيجة من تلك اللجنة بسبب موقف حفتر.