في وقت لا تزال فيه جبهات القتال مشتعلة جنوب طرابلس، وبعد أيام معدودة من إطلاق رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، مبادرة لحل الأزمة في البلاد، أكد اللواء المتقاعد خليفة حفتر على "ضرورة وجود مسار سياسي" بعد انتهاء العملية العسكرية في طرابلس، التي أكد أنها "لن تتوقف إلى أن تنجز كافة أهدافها".
وتضمنت مبادرة السراج، التي أطلقها الأحد الماضي، عقد ملتقى وطني "بتمثيل جميع مكونات الشعب الليبي ومن جميع المناطق" لوضع خارطة طريق لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الجاري.
ودون أن يصرّح حفتر عن موقفه من المبادرة، قال "لا بد من وجود مسار سياسي"، مشيرا إلى أن "العملية العسكرية الحالية تستهدف تصحيح أوضاع أمنية مستعصية عجزت كل السبل السياسية عن معالجتها".
وأضاف حفتر، خلال لقاء أجرته معه صحيفة "المرصد" الليبية المقربة منه، ونشرته ليلة الأربعاء، أنه "بانتهاء العمليات العسكرية، سننتقل بشكل سلس وطبيعي إلى مرحلة انتقالية واضحة ومنضبطة هذه المرة من حيث المدة والصلاحيات". وفي رد ضمني على موقفه من السراج، سلّم حفتر، في بداية اللقاء، مُحاوره ورقة قال إن لها علاقة بالاتحاد الأوروبي "تنصح بوقف التعامل مع حكومة فائز السراج لانعدام الجدوى من ذلك"، معتبرًا أن الورقة تدعم عمليته العسكرية على طرابلس.
وفيما اتهم حفتر السراج بعرقلة المسار السياسي في السابق، أكد أن المسار سيعود بعد سيطرته على طرابلس بــ"مرحلة انتقالية واضحة ومنضبطة هذه المرة من حيث المدة والصلاحيات"، قبل أن يقرر الليبيون الدخول في انتخابات للمرحلة الدائمة، بحسب تعبيره.
ووفق الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، فإن حديث حفتر "لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون"، بل يراه "إحدى مراحل المماطلة السياسية التي مارسها حفتر في السابق، وهي أحد أسباب طول أمد أزمة البلاد".
وقال الجواشي، لـ"العربي الجديد"، إن "كلام حفتر عن عودة المسار السياسي بعد سيطرته على طرابلس يعني أنه يرفض وجود ثلث سكان البلاد، وعددهم مليونان، في العاصمة ضمن مساره السياسي المزعوم، وهو إعلان للحرب بمسمى سياسي".
وتساءل الجواشي: "إن كان المسار السياسي عند حفتر يختصر في لقاء الليبيين لتقرير مصير الانتخابات؛ فما الذي يختلف فيه عن مبادرة السراج"، مضيفا أن "كلامه متناقض، وهو لا يسعى إلا لحكم البلاد عسكريًا، فقد صرح سابقًا لعدد من وسائل الإعلام بأن البلاد غير مستعدة للديمقراطية التي يريد أن يمنحها الآن لليبيين ليقرروا متى سيدخلون ببلادهم في المرحلة الدائمة".
ويعتقد الجواشي أن حفتر يريد بتعبير "الليبيين" لوناً واحداً ممن يؤمنون بطرحه العسكري ويخضعون له، وإلا فحربه على طرابلس تعني إقصاء كل الأطياف السياسية فيها، لا سيما أنه "أشار إلى بعضها بالإسلام السياسي، ووصف كل معارضيه بالإرهابيين الذين يتوجب نزع سلاحهم، واحتكار السلاح عنده هو فقط بدعوى أنه جيش وطني".
ولفت الجواشي إلى أن تلك الورقة التي ادعى حفتر بأن لها علاقة بالأوروبيين "لم يسمِّ جهتها الرسمية، كما أنه لم يتحدث عن عشرات التقارير الأوروبية الأخرى التي رصدت انتهاكات وجرائم مارستها قواته بحق المدنيين، كما لم يتحدث عن محكمة الجنايات التي لا تزال تطالبه بتسليم قائد الاغتيالات الرائد محمود الورفلي"، قائلًا: "حفتر هو حفتر، لم يتغير، لكن دندنته حول الموقف الأوروبي، وأنه يسعى لعلاقات حسنة معهم، تعني ضمنيا وصول اعتراضات رسمية أوروبية على استمرار عمليته العسكرية في طرابلس".
واعتبر أن الأسباب التي أبداها حفتر كمبرر لحربه على العاصمة مثل "تواجد قيادات الإرهاب في طرابلس، وانتشار المليشيات وسيطرتها على أموال الشعب الليبي فى مصرف ليبيا المركزي هناك، وممارستها للحرابة والخطف والابتزاز"، أسباب تتوفر بكثافة أكثر في الشرق والجنوب الذي يدعي السيطرة عليه، متسائلا: "ألم تشهد درنة والجنوب أعمالًا عدائية من داعش، وألم يسيطر ابنه صدام على أموال البنك المركزي في بنغازي عنوة، وماذا عن الجرائم التي يعلن عنها كل يوم في بنغازي؟".
لكن جمال حسونة، الناشط السياسي الموالي لحفتر، دافع عن حديثه، معتبرا أن حفتر أزال اللبس بشأن "اختلاط السياسي بالعسكري، فأعداء الجيش يحاولون اتهامه بالسعي لقلب الحكم عسكريًا".
وقال حسونة، متحدثا لـ"العربي الجديد"، إن "البون شاسع بين مبادرة السراج والحلول الموضوعة من قبل الجيش لمرحلة ما بعد طرابلس"، موضحًا أن "الأمر لا يقف عند حد الإعلان عن ورقة فيها بنود كما فعل السراج، بل في القدرة على التنفيذ، وهو ما لا يملكه السراج لفرض رأيه حتى على مليشياته التي استنزفت مقدرات البلاد ورهنت الدولة لمصالحها، فكيف سيفرض عليهم وقفًا لإطلاق النار؟".
ومنذ ما يزيد عن العام ونصف العام، لم يعد حفتر يعتبر مجلس النواب واجهته السياسية، بل طالب خلال حديثه الصحافي بإلغائه مع كل "الأجسام التي أفرزها اتفاق الصخيرات"، ولذا يرى حسونة أن "البلاد تعاني فراغًا سياسيًا، ومن هنا تقدم الجيش بالمبادرة لحل المشكلة الأمنية ببسط سيطرته على البلاد، ومن ثم إرجاع المسار السياسي وفق خطته التي أشار لها حفتر ليتمكن الليبيون من تنفيذها تحت حماية الجيش"، وفق تقديره.
ولا ينفي الجواشي صعوبات الحكومة في السيطرة على قواتها وإمكانية رفض بعضها وقف إطلاق النار، لكنه "يعتبر لجوء حفتر للحديث عن الأوضاع من الجانب السياسي مؤشرا واضحا على وجود ضغوط دولية عليه ترفض الحل العسكري سيما بعد مبادرة السراج"، معتبرًا حديثه محاولة لطمأنة الرأي العام الدولي وأن "لديه أجندات سياسية لما بعد سيطرته الحالمة على طرابلس"، وفق تعبير المتحدث.