جدل ليبي حول قرار "الوفاق" لإنشاء هيكلية للتنسيق مع المجتمع الدولي

07 نوفمبر 2018
معارضون اعتبروا القرار باباً للوصاية الدولية على ليبيا (Getty)
+ الخط -

أثار قرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فائز السراج، بشأن تأسيس هيكلية مشتركة للتنسيق بين حكومته والمجتمع الدولي، جدلاً حول الهدف منه، إذ اعتبر مراقبون أنه سيفتح باب الوصاية الدولية على ليبيا، بينما يراه آخرون أنه تنظيم للتدخلات الخارجية في خطوة للحد منها.

ونص القرار، الصادر في 29 أكتوبر/ تشرين الأول، ولم يعلن عنه إلا في الرابع من الشهر الجاري، بعد أيام من تسريبه عبر شخصيات مقربة من الرئاسي، على تأسيس هيكلية آلية التنسيق المشترك مع المجتمع الدولي، مكونة من ثلاث قطاعات، هي أولا اللجنة العليا للسياسات التي تضم رئيس المجلس الرئاسي بمشاركة رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ووزراء التخطيط، الخارجية، الحكم المحلي، والمالية، وسفراء الدول الداعمة، ورؤساء بعثات المنظمات الدولية المعنية ببرامج الدعم.

أما اللجنة الثانية فهي لجنة التنسيق الفنية المشتركة، وتتكون من مجموعة من الأعضاء الفنيين عن كل من الحكومة الليبية والأمم المتحدة، وعدد من الدول المانحة والمنظمات الدولية. وتتولى اللجنة التنسيق بين كافة المستويات الآلية لضمان المواءمة بين الأولويات وموارد التعاون، بالإضافة إلى فرق العمل القطاعية، وتنبثق منها آلية التنسيق لعدد 5 فرق عمل أساسية، تشمل مجالات الخدمات الأساسية (الحوكمة - الإنعاش الاقتصادي - العدل - حقوق الإنسان - الهجرة).

وبحسب نص القرار، فإن الفرق تضم ممثلين عن الوزارات والمؤسسات الليبية من جهة، والدول المانحة والمنظمات الدولية المتخصصة في تقديم الدعم في المجالات المستهدفة من جهة أخرى، موضحاً أن رئاسة الفريق وإدارة أعماله ومتابعة التوصيات مشتركة بين الجانب الليبي والدولي.

ومنذ تسريب نص القرار، حفلت منصات التواصل الاجتماعي بموجة من السخط الرافضة للقرار، حيث طالب البعض بضرورة رفع دعاوى قضائية، بينما رحب به آخرون ويرون فيه خطوة للسيطرة على التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي للبلاد، وأن تكون تحركاتها قريبة من أنظار الحكومة.

وتعليقا على القرار، اعتبر محفوظ الدهماني، وهو محلل سياسي ليبي، أنه يظهر خللاً كبيراً في عمل المجلس الرئاسي قد يؤدي إلى شرعنة التدخل الخارجي في البلاد، وربما يفتح باب الوصاية الدولية على البلاد.

وطالب الدهماني بضرورة خروج الرئاسي لتقديم توضيحات وشروح حول القرار وملابسات ودواعي صدوره، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "القرار تضمن عدة نقاط غامضة، أو تحتمل التفسير على أكثر من جانب، خاصة في ما يتعلق بالدعم والتنسيق وتبادل البيانات والمعلومات"، متسائلاً: "لماذا تأخر نشره كما هي عادة الرئاسي في قراراته حتى تم تسريبه على يد بعض المسؤولين؟".

واعتبر المتحدث ذاته أن أخطر النقاط بالقرار ما يتعلق بتأسيس لجنة عليا للسياسات مؤلفة من السراج، بمشاركة رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ووزراء التخطيط والخارجية والحكم المحلي والمالية فى حكومته

وقال: "البعثة الأممية اسمها الرسمي هي البعثة الأممية للدعم، وهو ما يلخص دورها في الدعم لا المشاركة في صنع سياسات الدولة والعضوية الرسمية في لجانها"، لافتا إلى أن "القرار تضمن نقطة لا تقل خطورة عن السابقة".

 

وقال "الأكثر خطورة هو الإعلان عن ضم رؤساء بعثات المنظمات الدولية، ما يعني أن كل هؤلاء سيشاركون في صناعة قرار وتحديد أولويات القضايا التي تتطلب دعما"، مؤكدا أنه "تدخل خارجي مشرعن".

وذكر المحلل السياسي الليبي أن "القرار بكامل نصه يحتاج ساعات من قبل خبراء لتفكيكه، فقد جاء مليئا بالألغام والعبارات غير المفهومة، ويتوجب على الرئاسي ضرورة الخروج مجددا، وتوضيح ملابساته، وتحديد علاقة البعثة وسفراء البعثات في البلاد بصناعة القرار الليبي".

في المقابل، أكد خليفة الحداد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، أن القرار صائب ويهدف إلى "تنظيم أعمال الأطراف الخارجية في البلاد، والتي أصبحت واقعا لا يمكن الانفكاك منه".

وقال الحداد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة السفراء الذين يجوبون طرقات العاصمة بحرية كاملة، ويلتقون المسؤولين المحليين في كل مؤسسة، بل وقاموا أكثر من مرة بتنظيم لقاءات لعمداء البلديات خارج البلاد دون علم الحكومة، بدت لافتة وشيء لا يمكن إنكاره، وبالتالي يتوجب التعامل مع هذا الخرق وضرورة تنظيم هذا التدخل"، موضحا أن "الرئاسي أراد بهذا القرار توجيه رسالة للمتدخلين في الشأن الداخلي يقول فيها كفى وعليكم بالعمل من خلال الحكومة".

وأوضح المتحدث أن "القرار يوضح آلية عمل الأطراف الخارجية، ويضمن من خلالها مصالحها في البلاد، كما أنه يوفر فرصة لتلاقي ممثلي هذه الأطراف بوجود البعثة الأممية ممثلة في رئيسها، لتجاوز تضارب المصالح وما قد ينتج عنها من صراعات"، مؤكدا أن "القرار صائب بشكل كبير، وسيخفف من وطأة التدخلات الخارجية ويقننها"، مشيرا إلى أن "السراج استفاد في قراره هذا من تجارب دول مرت بالأزمات ذاتها، ونحت نحو الاتجاه ذاته لتنظيم التدخلات الخارجية في خطوة للحد منها".​

 
المساهمون