في ظل استعدادات وجهود حثيثة تبذل من قبل قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، مدعومة من قبل القاهرة لإطلاق عملية عسكرية لاقتحام مدينة درنة في ليبيا، تسعى شخصيات سياسية منتمية للمدينة لبذل جهود من أجل الضغط على أطراف محلية ودولية من أجل وضع حد لهذا التصعيد العسكري.
وبحسب مصدر مقرب من المجلس الأعلى للدولة فإن عدداً من أعضائه بدأوا في إعداد مذكرة ستقدم للأمم المتحدة من أجل سرعة التدخل من أجل احتواء الأوضاع حول المدينة، وإثناء حفتر عن مسعاه العسكري.
وألمح المصدر الى أن هذه الشخصيات نجحت في الدفع بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لاستنكار خطوات حفتر التصعيدية، إذ أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، مساء أمس الأربعاء، بياناً حول نتائج اجتماع أعضائه أشار فيه الى استنكاره لــ"التحشيدات العسكرية هناك"، ومعبراً عن رفضه لــ"انجرار الأوضاع نحو تصعيد عسكري غير محسوب العواقب، وما ينتج عنه من أوضاع إنسانية صعبة".
وكان المجلس الأعلى للدولة بطرابلس قد استنكر أيضا، أول من أمس، الثلاثاء، تصريحات رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، المتعلقة باعترافه بوجود دعم مصري لعملية حفتر في درنة، معتبرة أنها "تدخل مصري سافر"، وطالبت حكومة الوفاق والأمم المتحدة بالتدخل لوقف التصعيد العسكري.
من جانبه يرى جمعة بوسعدة، وهو محلل سياسي ليبي، أن هذه الإجراءات غير كافية واصفاً استنكار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بــ"مجرد الترضية"، وقال "يمكن لحكومة الوفاق التي تعترف بها مصر، أن توجه لها خطاباً واضحاً بعد تصريحات عقيلة صالح لبيان حقيقة وجودها داخل هذا التصعيد في درنة، لكنها لم تفعل، مما يشير إلى رضى ضمني عن تلك التحركات العسكرية".
ولفت بوسعدة في حديث مع "العربي الجديد" الى أن "مواقف حكومة الوفاق ورئيسها فايز السراج اتسمت بالغموض من حفتر وقواته، فهي تارة تستنكر بعض الأعمال المرتكبة من قوات حفتر، ولكنها في ذات الوقت تسميها مؤسسة الجيش"، مشيراً الى أن المجلس البلدي لمدينة درنة يتبع رسمياً وزارة الحكم المحلي بحكومة الوفاق، دون أن تقدم له أي دعم أو معونة أو موقف سياسي مساند حتى.
وعن إجراءات المجلس الأعلى للدولة ، قال: "المجلس استشاري بحكم تأسيسه بناء على الاتفاق السياسي، ولا يمتلك صلاحيات المقاضاة والتصعيد السياسي، وما يحمله من أهمية الآن كونه طرفاً في الاتفاق السياسي فقط لكن موقفه الحالي يحسب له".
لكن محي الدين زكري، وهو خبير أمني ليبي، يرى أن توقيت إعلان الحرب في درنة يأتي بعد نجاح كبير حققه اتجاه الذهاب الى الانتخابات، لحسم الأوضاع السياسية في البلاد، والتي ستؤثر بكل تأكيد على شكل مؤسسة الجيش التي يدعي حفتر أنه كونها ويتزعم قيادتها.
وقال "التصعيد العسكري يمكن أن يربك العملية الانتخابية، فشرط الاستقرار الأمني مهم لإطلاقها من جهة، ويمكن أن يستثمر حفتر شعار القضاء على الإرهاب لدعم شعبيته المنهارة من جانب، كما أن احتلال درنة سيزيد من مكاسبه لدى القاهرة ويضعف خصومه في شرق البلاد. درنة المدينة الوحيدة التي لا تزال تحمل السلاح في وجهه في شرق البلاد".
وأشار الى وجود عدة عوامل معقدة في واقع البلاد الحالي مرتبطة بوضع حفتر الداخلي المتهاوي بسبب تراجع شعبيته، ومطالب محكمة الجنايات بتسليم بعض قادة قواته، ويمكن لهذه العملية أن تحول الوضع إلى اهتمامات جديدة، وتغض الطرف ولو لوقت عن الانتهاكات الكثيرة في صفوفه.
وتابع "كما أن عوامل اخرى مرتبطة بالوضع الإقليمي الذي يكشف صراعاً محموماً لمد النفوذ، فبعد أن صرحت إيطاليا بمساعيها لزيادة جنودها في البلاد، واتجاهها إلى الجنوب حيث الحدود المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، اتجهت القاهرة إلى إعلان ضمني لوجودها شرق البلاد من خلال دعم جديد وشبه معلن لحليفها حفتر".
وعن إمكانية نجاح حفتر والقاهرة من ورائه في تنفيذ عملية درنة، قال بوسعدة: " سيتوقف الأمر على موافقة داخلية من قبل القبائل التي ستقدم أبناءها كمقاتلين ضمن العملية".
وختم بالقول: "القرار العسكري سياسي في الأصل، ولا بد من توفر موافقة ولو غير معلنة من قبل أطراف دولية فاعلة في ليبيا، فهناك فرنسا وروسيا مهتمتان بالشرق الليبي وحفتر"، معتبراً أنه "السبب الذي لم يتوفر حتى الآن، ولذا لم تنطلق العملية رغم الاستعداد الظاهر".
وعن موقف حكومة الوفاق قال: "أعتقد أنها ستفعل كما فعلت إزاء الحرب في بنغازي. صمت أحيانا ومماطلة في بعض الأحيان، ولم يزد موقفها عن البيانات الباهتة وغير الواضحة".