قفز الملف الليبي إلى قائمة الأولويات في التحركات الدولية خلال الأيام الثلاثة الماضية، من هانوفر الألمانية التي عاود منها زعماء الدول الكبرى تأكيد دعمهم لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، إلى العاصمة الليبية طرابلس، والتي شهدت أمس الثلاثاء زيارة لسفيرة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا ناتاليا أبوستولوفا، والسفير الألماني لدى ليبيا كريستيان موخ، ومبعوث الحكومة الإيطالية إلى ليبيا جورجو ستاراتشي، إضافة إلى الملحق العسكري الإيطالي، حيث التقى السفراء في القاعدة البحرية بطرابلس، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.
من جهته، أكّد المبعوث الإيطالي أن بلاده تعترف بحكومة الوفاق، مشيراً إلى قرب استضافة روما مؤتمراً لتعزيز الدعم لحكومة الوفاق والمؤسسات العاملة معها. وكان كبار المسؤولين الإيطاليين قد تحركوا بسرعة منذ فشل برلمان طبرق في منح الثقة للسراج، وتحذير الأخير من إمكانية استهداف آبار النفط. ومباشرة بعد زيارة نائب المجلس الرئاسي أحمد معيتيق إلى روما، تحدث رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، أول من أمس الإثنين هاتفياً مع السراج من مدينة هانوفر بألمانيا، قبيل القمة المخصصة لليبيا. وفي الوقت نفسه، أكدت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي، أن أي عمل عسكري موازٍ ستتم إدانته من قبل إيطاليا والمجتمع الدولي، وأن حلف شمال الأطلسي سينشر قوات تابعة له قبالة السواحل ليبيا، بعد يوم 7 يوليو/ تموز المقبل، وهو الموعد المخصص لقمة الحلف الأطلسي في وارسو، مؤكدة استعداد روما لحماية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
وكان رينزي قد أعاد التأكيد أن بلاده لن ترسل قوات إلى ليبيا دون وجود طلب رسمي من حكومة الوفاق الوطني. وقال في مقابلة مع جريدة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، الإثنين: "سنتدخّل فقط في ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني مساعدة إيطاليا والمجتمع الدولي". لكن حكومة الوفاق طالبت في بيان لها، المجتمع الدولي بالتدخّل لمنع الاعتداءات على حقول النفط ومقدرات الشعب الليبي، ودعت لتطبيق قرارات مجلس الأمن في هذا السياق، خصوصاً أن أزمة تصدير النفط لم تنته بعد، إذ أعلنت حكومة طبرق تصدير أول شحنة لها من النفط الخام. وقال المتحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة لحكومة طبرق، محمد المنفي، أمس الثلاثاء، إن ناقلة تحمل أول شحنة خام للتصدير من المؤسسة في طريقها إلى مالطا وعلى متنها 650 ألف برميل من النفط. وقال إن الناقلة غادرت ميناء الحريقة في شرق البلاد مساء أول من أمس الإثنين، مضيفاً أنها دخلت المياه الدولية.
وجاء ذلك بعد إعلان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، مصطفى صنع الله، وقف عملية التصدير يوم الجمعة الماضي من ميناء الحريقة بعد تدخّل حكومة السراج. وكانت السفارة الأميركية في ليبيا قد شددت على أن عمليات تصدير النفط الخام من البلاد يجب أن تتم من خلال المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس وفقاً لقرارات مجلس الأمن. وذكّرت السفارة بقرار مجلس الأمن رقم 2278 الصادر في مارس/ آذار من هذا العام، والذي دان محاولات تصدير النفط بطرق غير مشروعة، والتي تتم خارج المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق.
ولم توضح الدول الغربية شكل تدخّلها في حال أصرت حكومة طبرق على الاستمرار في سعيها لتصدير النفط من دون موافقة حكومة الوفاق، وهل ستقوم القوات البحرية الغربية الموجودة في المتوسط بمنع السفن الناقلة واحتجازها. في المقابل، أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان، أمس الثلاثاء، لإذاعة "أوروبا 1"، أن بلاده مستعدة لمساعدة حكومة الوفاق على ضمان أمنها البحري. وأضاف: "يجب أن ننتظر حتى يقول لنا رئيس الوزراء (فائز السراج) ما هي الإجراءات الأمنية التي يعتزم اتخاذها والطلبات التي ينوي تقديمها للأسرة الدولية من أجل ضمان أمن ليبيا البحري".
ويبدو هذه الموقف مهماً لتوضيح جدية دعم الدول الغربية لحكومة الوفاق. وكان لافتاً الموقف الإيطالي في هذا المجال، مع توجيه صحيفة "لا ستامبا"، الإثنين، اتهاماً لقائد الجيش التابع لبرلمان طبرق خليفة حفتر، بالسعي للسيطرة على المرافق النفطية. وذكّرت الصحيفة بموقف وزيرة الدفاع التي قالت إنه ستتم إدانة أي تحركٍ عسكري موازٍ. وقالت الصحيفة إن حكومة الوفاق تحظى بدعم تونس، في حين تدعم مصر الجهة الشرقية وحفتر، مشيرة إلى أنه على الرغم من دعم كل الدول الغربية في الظاهر لحكومة السراج، فإن فرنسا تدعم سراً حليفها المصري.
وفي سياق آخر، تساءلت الصحيفة الإيطالية عن كيفية وصول إمدادات لوجيستية كبيرة لقوات حفتر في طبرق على الرغم من الحظر الدولي، ونقلت عن مصادر في درنة، أن طائرات حفتر تقوم بقصف عشوائي في المدينة. أما عن محاربة تنظيم "داعش"، فقد أثار موقف للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الجدل، بعدما نقلت عنه صحيفة "لا ستامبا" قوله إنه مع "تدخل عسكري خارجي" ضد تنظيم "داعش" في ليبيا. لكن وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، نفى لـ"العربي الجديد" أن يكون الرئيس التونسي قد غيّر موقفه بشأن التدخل العسكري في ليبيا. وأوضح أن السبسي لم يوافق على التدخّل العسكري في ليبيا وإنما وافق على التدخّل العسكري لضرب "داعش"، مؤكداً أن كل التونسيين اليوم مجمعون على أن التدخّل العسكري لضرب "داعش" أمر مقبول لأن التنظيم يمثّل تهديداً للتونسيين وأمنهم وأمن المنطقة ككل.
مقابل ذلك، يشتد التنافس بين طرابلس وطبرق حول محاربة "داعش" في سرت، فيما طالب المجلس الأعلى للدولة، حكومة الوفاق بالإسراع في تكليف قوة عسكرية لتحرير مدينة سرت والمناطق المحيطة بها. ودعا المجلس في بيان إلى أن يتولّى قادة عسكريون محترفون من مناطق مختلفة قيادة الحملة العسكرية، إلى حين تسمية شاغلي كافة المناصب العسكرية والأمنية العليا، إكمالاً لما نصت عليه المادة الثامنة من الاتفاق السياسي. كما طالب الحكومة بمخاطبة مجلس الأمن الدولي للسماح باستيراد الأسلحة النوعية اللازمة للقوة المشار إليها.
ويصر رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمان السويحلي، على أن تبدأ حكومة الوفاق بتنظيم الجيش ولو بشكل مؤقت، وسبق له أن التقى عدداً من قادة الجيش الكبار في طرابلس. ومن المعروف أن السويحلي كان من أشد المنتقدين للقاء الذي جمع في وقت سابق السراج بحفتر، قبل دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس. وفيما ينتظر جميع المراقبين كيف سيتم منح الثقة لحكومة السراج، قال نواب مؤيدون للحكومة في طرابلس إنهم يمهلون مجلس النواب 48 ساعة، تنتهي غداً، لتحديد المدينة التي سيؤدي فيها وزراء حكومة الوفاق اليمين الدستورية.
وكان رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، قد أصدر بياناً باسم البرلمان الإثنين، أكد فيه استمرار ولاية البرلمان إلى حين انتخاب جسم تشريعي جديد. ورفض في بيان دعوة البعثة الأممية للمجلس من أجل الانعقاد خلال 10 أيام لمنح الثقة لحكومة الوفاق، معتبراً دعوة البعثة تدخّلاً في شؤون الدولة الليبية، في إشارة إلى تلميح المبعوث الأممي، مارتن كوبلر، خلال تصريحات صحافية عن قرب انتهاء ولاية مجلس النواب. وكان كوبلر قد نفى أن يكون قد هدد بهذه المهلة وأنه جرى تحريف تصريحه.
ودعا المجلس الرئاسي إلى سرعة المثول أمام النواب في طبرق لإكمال تقديم السير الذاتية ممهورة بتوقيع أصحابها، سواء للمجلس الرئاسي أو المرشحين لحقائب وزارية في الحكومة. وفي خصوص دعوة نواب لعقد جلسة خارج طبرق، قال المجلس في بيانه، إن "المجلس في حال انتقاله سينتقل إلى مقره الرسمي في بنغازي بعد تأمينها بالكامل من قبل قوات الجيش التي تعمل على تحريرها من بؤر الإرهاب".