ليبيا تبيع الذهب واتهامات حكومية للمصرف المركزي بتجويع الشعب

31 مارس 2016
تدهور الأوضاع المعيشية في ليبيا (فرانس برس)
+ الخط -
وجهت حكومة الإنقاذ الوطني، التي تتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقرا لها، اتهامات لمصرف ليبيا المركزي، بارتكاب ممارسات تستهدف تجويع الشعب الليبي عبر رفض تدبير نقد أجنبي لتمويل استيراد السلع الضرورية وتوفير الخدمات المعيشية للمواطنين، ويأتي هذا الهجوم في ظل تدهور الأوضاع السياسية والأمنية بالبلاد وتعثر حكومة الوفاق الوطني في تسلم أعمالها بالعاصمة.
واتهم رئيس حكومة الإنقاذ، خليفة الغويل، محافظ المصرف المركزي بالتضييق المالي على الحكومة، وحمله مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية وتجويع المواطنين. وأوضح الغويل، خلال مؤتمر صحافي أول من أمس، أن مصرف ليبيا المركزي لم يسيل لهم أي أموال لمعالجة الوضع الاقتصادي والذي يمس مناحي الحياة للمواطنين، مشيراً إلى استخدام البنك المركزي سياسات نقدية أفضت إلى خلق أزمات معيشية بالبلاد.
ورفض مصرف ليبيا المركزي مقترحات حكومة الإنقاذ الوطني بشأن بيع الدولار بسعر تجاري وإلغاء بعض الفئات النقدية من فئة الخمسين والعشرين ديناراً.
وأدى عدم الاستقرار الأمني والسياسي وتدهور الأوضاع المالية والاقتصادية للبلاد إلى تفاقم الأزمات المعيشية لليبيين الذين وقعوا ضحية تصاعد الصراعات والحرب الفترة الأخيرة.
وتواجه حكومة الوفاق الوطني، التي شكلت مؤخراً برعاية دولية وعربية، برئاسة فائز السراج، عقبات في الانتقال إلى العاصمة في ظل تصاعد الاضطرابات الأمنية والسياسية، رغم زيادة الضغط الدولي الفترة الأخيرة لدعمها في تسلم مهامها.
وأغلق المجال الجوي لطرابلس يومي الأحد والاثنين الماضيين لفترات استمرت بضع ساعات في خطوة قال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إنها استهدفت منع سفر الحكومة إلى العاصمة.
وما فاقم من الأزمات الاقتصادية، تصاعد الصراع بين المصرف المركزي في طرابلس ونظيره في شرق البلاد بعد أن لجأ الأخير إلى بيع "مسكوكات ذهب تجاري" لغرض امتصاص جزء من السيولة في السوق ومواجهة أزمته المالية.
ويزعم مصرف ليبيا المركزي بشرق ليبيا بأن غرض عمليات بيع مسكوكات الذهب، امتصاص جزء من السيولة في السوق وطرحها عبر المصارف في ظل تعنت مصرف ليبيا المركزي بطرابلس في توفير السيولة اللازمة، بحسب بيان صدر مؤخراً.

وأوضح البيان، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن عمليات البيع لا تتم عبر الاحتياطي العام من الذهب وأن قانون المصارف المُعدل بقانون رقم 46 لسنة 2012 يسمح في مادته السادسة بالسماح للمصرف المركزي في مزاولة نشاط إجراء عمليات شراء سبائك والنقود الذهبية وبيعها.
وأكد البيان أن هذا الإجراء تم نظير تعنت مصرف ليبيا المركزي بطرابلس بعدم إرسال عملات ورقية مند مطلع فبراير/شباط الماضي. كما لفت إلى أن الخزينة الموجودة في مبنى إدارة المصرف التجاري الوطني بالبيضاء مملوكة للمصرف وبها مفتاحان إحداهما بطرابلس والآخر بالبيضاء. وأشار البيان إلى أن هناك عملية جرد للخزينة نظير دخول عملات لها بالقريب العاجل.
وكان المركزي قد باع رصيد الذهب النقدي البالغ 144 طناً بقيمة خمسة مليارات دينار لتوفير سيولة في السوق المحلي عام 2011.
وتداول مواطنون عبر صفحات التواصل الاجتماعي أخبارا تشير إلى أن الخزنة الموجودة بالمصرف التجاري الوطني بالبيضاء تم سرقتها بالكامل، فيما ينفي المصرف المركزي تلك الاخبار جملة وتفصيلاً.
وقال عضو مجلس النواب والمحلل المالي، عبد السلام نصية، لـ"العربي الجديد"، إن قيام المركزي ببيع الذهب للحصول على سيولة سياسة خاطئة وسوء غدارة للسياسة النقدية. وأضاف أن هناك قدراً كبيراً من الأموال خارج المصارف تم الحصول عليها بطريقة غير شرعية، وبالتالي يخشى أصحابها إيداعها في المصارف خوفا من الملاحقة القانونية أو مكافحة غسيل الأموال؛ لذلك يتم إدارتها خارج المصارف أو تحويلها إلى عملة صعبة.



وأشار نصية إلى أن قيام المركزي ببيع الذهب هو مساعدة على تحويل هذه الأموال إلى ذهب، وبالتالي يسهل تهريبها للخارج خاصة في ظل ارتفاع سعر العملة الصعبة بالسوق السوداء.
وتساءل نصية عن سبب الجرد للخزائن في نهاية شهر مارس/آذار، محذراً من اتخاد قرارات غير مدروسة خاصة في تلك الفترة العصيبة.
وفي ظل هذه الأجواء يلف تدهور الأوضاع الاقتصادية البلاد جميع مناحي الحياة، سواء ما يتعلق بغلاء في المعيشة وغياب رغيف الخبز وتأخر صرف الأجور ونقص السيولة في المصارف التجارية، فضلاً على عدم توافر المعدات والأدوية الطبية في المستشفيات والعيادات الخاصة، حسب تقارير رسمية.
ومن جانبها، كشف مصادر مسؤولة من المصرف المركزي لـ"العربي الجديد"، عن أن المركزي لا يستطيع فعل شيء في ظل تعنت المجتمع الدولي الذي يعترف بحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن حوار الصخيرات، ويعطّل حكومة الإنقاذ.
وأشارت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إلى أن ليبيا تصرف من الاحتياطي النقدي الأجنبي لتغطية الباب الأول فيما يتعلق بالرواتب والاجور والباب الرابع المتعلق بدعم المحروقات والكهرباء، مؤكدة أن البلاد تعاني من نقص حاد في السيولة وتراجع الاحتياطيات النقدية، وأن المجتمع الدولي لدية الحل في مثل هذه الأمور عبر فك تجميد بعض الأموال الليبية المتحفظ عليها في البنوك الغربية، إلا أن هناك تعنتا في تقديم المساعدة للبلاد.

في حين اعتبر بعض المصرفيين أن ليبيا تشهد تكرار سيناريو 2011 في نقص السيولة وتدهور الأوضاع الأمنية.
وامتدت أزمة السيولة التي ضربت القطاع المصرفي، لتطاول قطاعات حكومية، ما أدى إلى تعطل مؤسسات إنتاجية وهيئات خدمية، ما أثر سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين
وتنفق الحكومة في ليبيا نحو 1.6 مليار دينار (1.3 مليار دولار) شهرياً رواتب لموظفيها، لكن إنتاج ليبيا من النفط تراجع ما تسبب في أزمة تأخر رواتب خانقة.
وتعاني ليبيا من أزمة سيولة حادة، حيث بلغ حجم العملة المتداولة خارج المصارف بنحو 25 مليار دينار (الدولار = 1.39 دينار) في حين أن معدلها الطبيعي لا يتعدى 3 مليارات دينار، ولم تتخذ الحكومة إجراءات كافية حتى الآن من شأنها القضاء على الأزمة، حسب المحللين، الذين يرون، أن الوضع الاقتصادي يزداد تعقيداً ما دفع إلى مزيد من التقشف في الموازنة العامة في ظل تقديرات لتراجع إيرادات النفط إلى نحو 7 مليارات دينار العام الجاري، في حين تحتاج ليبيا إلى إنفاق 40 مليار دينار سنوياً.
وحسب إحصائيات رسمية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ليبيا إلى حوالي 25% في عام 2015، في أعقاب تسجيل هبوط نسبته 13.6% في عام 2013، و24% في عام 2014، وأدى انكماش الاقتصاد خلال ستة أعوام متتالية إلى خفض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الاسمي إلى أقل من النصف من 72 مليار دولار في عام 2009 إلى أقل من 30 مليار دولار في عام 2015.
ويعتمد الاقتصاد الليبي على تصدير النفط في تغطية نفقات الموازنة العامة، إلا أن حالة عدم الاستقرار المستمرة في البلاد منذ 20 شهراً، تسببت في تراجع كبير للإنتاج النفطي من ذروته البالغة 1.6 مليون برميل يوميّاً قبل اندلاع الثورة عام 2011، إلى أقل من 350 ألف برميل يوميّاً حالياً ما تسبب في تفاقم العجز بالموازنة.
كما انخفض نصيب الفرد من الدخل من 12.8 ألف دولار عام 2012 إلى حوالي 5 آلاف دولار في عام 2015، حسب تقارير رسمية. وتتضاعف أعداد العاطلين سنويا، وتقدر البطالة حاليا بين 25 و30%.
وبدأت ليبيا في استخدام احتياطيها النقدي في يناير/كانون الثاني عام 2014، والذي كان يبلغ آنذاك 121 مليار دولار في المصرف المركزي في حين انخفض في نهاية 2015 إلى نحو 79 مليار دولار، حسب تقديرات البنك الدولي، وارتفع سعر الدولار من 1.30 دينار في عام 2014، إلى 3.65 دنانير في السوق السوداء حالياً.
وكانت العملة الصعبة سابقاً متاحة بالمصارف لليبيين الراغبين في السفر أو الشراء للشركات والأفراد من الخارج، ولم تعد متاحة الآن سوى بالسوق السوداء بضعف سعر الصرف الرسمي.


المساهمون