ليبراليون: نحن و"إسرائيل" جيران

23 يونيو 2016
(تصوير: صلاح ملكاوي)
+ الخط -

حتى قبل عشرين عامًا من الآن، لم يكن الشارع الأردني مستعدًا بأي شكل لتقبّل فكرة التطبيع مع "إسرائيل"، ونُظِرَ إلى أي محاولة للتعامل مع الاحتلال على أنّها خيانة؛ انطلاقًا من اعتبار الاحتلال مشروعاً استعمارياً على النقيض تمامًا من المشروع العربي التحرري.

 إلّا أنه ثمّة العديد من العوامل التي غيّرت بعض المفاهيم المتعلقة بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وسوّقت بشكل خفي ومُمنهج لاستساغة هذا المفهوم تدريجيًا؛ يشير إلى ذلك أمين عام حزب الوحدة الشعبية، سعيد ذياب، في حديثه إلى "جيل العربي الجديد": "سبّب الانهيار الرسمي العربي المُبكّر، منذ اتفاقية كامب ديفيد، في تغيير مفاهيم الشعوب العربية في الصراع مع الاحتلال، بتحويله من تناقض وجودي، إلى مفاهيم تطرح إزالة آثار العدوان، من خلال شعارات مرحلية مُجزّأة؛ أدت تراكميًا إلى دخول العرب في عمليات مساومة على الحقوق".

وبالتوازي، ظهر في مطلع التسعينيات مفهوم الليبرالية، أو الديمقراطية على الطريقة الأميركية، ولأنه لا بد لكل فكرة جديدة أن تتوافق مع مبادئ الإنسان وقيمه وطموحاته الداعية إلى الحرية وحق الإنسان في العيش الكريم والتعبير عن رأيه؛ أسست هذه النظرية لطرح موضوع التطبيع والتعامل مع "إسرائيل" كحريّة شخصية ومفهوم مُختَلف عليه وموضِع نقاش.

ويعرّف منير حمارنة، الأمين العام السابق وعضو الحزب الشيوعي الأردني، في حديثه إلى "جيل العربي الجديد"، الليبرالية على أنها ببساطة: "سياسة التحرر من الالتزام، والاستخفاف بكافة أشكال الروابط والعلاقات مع المجتمع والأفكار والقيم السائدة".

وربما يكون هذا تحديدًا ما فتح الباب أمام تصدّر بعض المثقفين العرب، لتبني النظرية الليبرالية بهدف تسويق مفاهيم التعايش المشترك والسّلام الاقتصادي والثقافي، وتجزئة جوهر القضية إلى مشاريع عدة منفصلة، بحيث يصبح من الأسهل مناقشة التعامل مع "إسرائيل" في جانب محدد، عوضًا عن اعتبارها عدواً والتوقف عند هذا الحد قبل مواجهة تهمة الخيانة.

ويؤكّد ذياب، أن الأنظمة العربية ساهمت من خلال تبنيها السياسات الأميركية، في ترسيخ مفهوم الليبرالية وتعزيزه لدى الشباب، على صورة دعوة مبطنة لتطبيع العلاقات في مجالات معيّنة. يضيف: "يمكن الحديث عن الترويج لمفهوم مُشوّه لليبرالية، من خلال استخدام الولايات المتحدة لمجموعة من المثقفين بهدف الترويج للعيش المشترك، تحت قناع بناء الديمقراطية، وبالتالي القفز على جوهر مشكلة المشروع الصهيوني القائم على العنصرية ورفض الآخر".

وبينما لا يمكن اعتبار الليبرالية بالمفهوم العام أنها تدعو إلى التنازل عن الثوابت الوطنية مقابل الحق في حرية الرأي، إلا أن تفكيك فكرة مقاطعة الاحتلال واستمرار حالة العداء معه، تحوّلت بسبب ترويج هذا المفهوم من بعض المثقفين، إلى مجموعة من المسائل الجدليّة، فتولّد في أوساط الشباب تيّار يدعو إلى قبول التعامل مع العدو الصهيوني في الجوانب الثقافية والفنية والعلمية مثلًا، بوصفها مجالات خارجة على نطاق النزاعات والصراعات وتشكّل حالة خاصّة.

فيما يرى منسق "حملة اتحرك"، محمد العبسي، أن مجابهة التطبيع يجب أن ترتبط بكافة أشكاله، الظاهرة منها والخفية التي يحاول بعضهم تجميلها باستخدام الليبرالية. ويشدد العبسي على خطورة انتقال الحكومة إلى مرحلة إجبار الشعب على التطبيع، بعد فشلها خلال عقدين في نقل هذه الحالة من الموقف الرسمي إلى الشعبي، فيقول في تصريحاته لجيل العربي الجديد:

"إجبار المواطنين على التطبيع، يتمثّل في محاولة الحكومات المتعاقبة عقد اتفاقيات اقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، مثل اتفاقية قناة البحرين، واتفاقية الغاز، وفتح استثمارات لشركات إسرائيلية وتوفير فرص عمل للأردنيين في إيلات المحتلّة، من خلال مكاتب توظيف تستغل الفقر والحاجة والبطالة لإرسال ما يقارب 7000 آلاف أردني للعمل هناك".

إلّا أنّ حمارنة، يعتقد من منظوره الشخصي، أن بعض الممارسات المتعلقة بإثبات وجهة النظر العربية وإيصال صوتها للمحافل الدولية؛ من خلال النقاشات والمناظرات مع بعض الجهات الإسرائيلية، قد لا يكون المحرك الأساسي خلفها تبني مفاهيم الليبرالية، فهو يرى أن كل إنسان قادر على تقييم الموقف دون الرجوع إلى معانٍ ومصطلحات أيديولوجية، ويستطيع تحكيم عقله ومبادئه في ما إذا كان دخوله في مثل هذه النقاشات يعتبر تطبيعًا أم دفاعًا عن قضيته.

كما يشير إلى أن تبدل السياسات الرسمية وتحولها إلى عملية السلام هو من ساهم في تسويق التطبيع، ولم تكن الليبرالية سوى الشماعة التي علق عليها بعض المثقفين والسياسيين مسؤولية الوصول إلى هذا المستوى من انتشار التطبيع.

ومع انتشار صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدعم من السفارة الإسرائيلية، تروّج للتعايش والعيش المشترك، يلفت العبسي لأهمية الوقوف عند سبل التصدي لهذه الظاهرة، لما تشكل من خطورة على الصعيدين الاقتصادي والأمني للأردن، إذ يشير إلى وجود العديد من الحراكات الشبابية التي تعمل على التوعية بكافة أشكال التطبيع ومخاطرها، إضافة لرصد الجهات المطبعة ودورها وتحذير المواطنين من التعامل معها.

ويبقى لوجود هذه الحراكات الشبابية النشطة في مجال مجابهة التطبيع، وإن بدا دورها ضعيفًا أمام حالة الصمت الشعبي والتضييق الحكومي، دور مهم في التأسيس لمرحلة قادمة تعيد تصويب المفاهيم وتحفظ لقيم وثوابت المواطن العربي مكانتها التي قاتل كثيرون للحفاظ عليها، قبل أن نصاب بوهم الليبرالية.



(الأردن)

المساهمون