فكّرتْ في الانتحار. خططت ملياً للوسيلة. لم ترد أن تكون عنيفة. تخيلت أنها تقفز من الطابق السادس فلم تحب الفكرة. كانت تفضل أن تنفّذ العملية بسكون وهدوء. الحبوب المخدرة قد تكون وسيلة تشبهها. فكرت في أهلها ووالدتها. لم تستطع أن تشفق على أمها من بعدها. عقلها كان مليئاً ببؤسها. لا يهمها الآن بؤس الآخرين، وخصوصاً بعد غيابها. انتحرت. لم يعرف أحد قصتها خارج نطاق أسرتها. ليس لسبب إلا لأن هذه الحادثة لن تحظى بتغطية إعلامية. ما الجديد في هذه القصة؟ امرأة عاشت مهمّشة وماتت على الهامش.
***
سألت نفسها: "ما هي الأمور التي كنت سأقوم بها لو لم تكن "حراماً"؟ أرادت مشاركة هذا التساؤل/ الهاجس مع آخرين. كتبت "بوستاً" على فيسبوك: "ما هي الأمور التي كنتن لتقمن بها لو لم تكن "حراماً"؟ تفاعلت أكثر من مائة امرأة وبعض الرجال مع "البوست".
ويمكن سريعاً تقسيم الإجابات إلى نوعين: نساء كن ينتظرن محفزاً خارجياً للحديث عن أحلامهن وآمالهن ورغباتهن. أردن لهذه السلطة الخارجية (البوست) أن تعفيهن ولو للحظات من الشعور بالذنب، بعيداً عن سطوة الدين، ليطلقن العنان لأنفسهن على الفضاء الافتراضي، وبأسماء مستعارة، ويحكين عن أحلام ورغبات كثيرة. اللافت أن ما عبّرت عنه بعض النساء ما هو إلا أكثر أشكال الحقوق الإنسانية بداهة. السباحة بالمايوه، الرسم، الكحول، ترك المجال للهواء لمداعبة خصلات شعرهن. ذهبت بعض الرغبات "اليائسة" إلى حد وضع حد للحياة عبر الانتحار. وأجمعت عشرات النساء على هذه "الرغبة ــ الفعل".
في مقابل هذه الأحلام والرغبات، نصّبت مجموعة أخرى أنفسهن لتقييم ومحاكمة السؤال الوجودي وسلسلة الإجابات التي نتجت عنه. وكان للمحاكمة محامون للدفاع ومحامون للهجوم. الفئة الثانية كانت أكثر شراسة وتجسّدت الذكورية والأبوية في نساء استخدمن الدين والتكفير والذنب والإقصاء و"الحرام" والتاريخ وقدسية رمضان، لكمّ أفواه النساء ومنعهن من الحلم.
***
الحادثة الأولى من نسج الخيال. فيما كان العالم الافتراضي شاهداً على الثانية. القاسم المشترك بينهما هو أن الانتحار "حلم" عشرات النساء. لو لم يكن هذا الحلم ــ الفعل "حراماً" بنظر الدين، لكنّ أنهين قهرهن من خلال إنهاء حياتهن. قلة من النساء رغبن في القتل (لو لم يكن حراماً). القتل والانتحار وجهان لرغبة واحدة. كلا الفئتين من النساء رغبن في وضع حدّ لقهرهن وبؤسهن وتعاستهن. كم هن جميلات! وكم هو بائس وتعيس شرقنا!
*ناشطة نسويّة
اقرأ أيضاً: بابا والذئب