لو أنهت "أونروا" خدماتها؟

01 اغسطس 2015
+ الخط -
سال حبر كثير في كيل الاتهامات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بسبب التقليصات التي شابت في السنوات الأخيرة خدماتها، في مختلف النواحي التي تؤثر على حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين. وبلغ الأمر ذروته، ووصل إلى اتهام "أونروا" بالتآمر لإنهاء قضية اللاجئين، عندما سرّبت رئاستها اخبار تفيد باحتمال تأجيل العام الدراسي عدة أشهر، بسبب عجز الوكالة عن توفير 101 مليون دولار، ما يعني حرمان نحو آلاف الموظفين من رواتبهم طوال تلك الأشهر، ما سينعكس سلبا على حياة آلاف العوائل التي تسندها رواتب موظفي الوكالة، بشكل آو بآخر. 
ليست هذه الأزمة المالية الخانقة الأولى التي تعاني منها الوكالة، لكنها تعد الأكبر في تاريخها، على الرغم من أن مبلغ 101 مليون دولار لا يعتقد كثيرين أنه المانع الحقيقي أمام استكمال خدمات "أونروا" في مناطق اللاجئين الفلسطينيين، إذ في وسع الوكالة توفير هذا المبلغ البسيط. فيعتقد بعضهم أن هذه الأزمة المالية مفتعلة، نظرا لأن مبلغ العجز المالي لا يمثل شيئًا في ميزان الدول والأمم المتحدة، وتستطيع دولة واحدة التعهد بدفعه، وإنهاء الأزمة. فضلا عن قدرة الوكالة على تخفيض بعض نفقاتها غير الضرورية، مثل ألعاب الصيف المخصصة لطلاب مدارسها، التي لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة لهم، بينما تستهلك موازنات كبيرة لا ضرورة لها، فرواتب موظفي الوكالة الأجانب تستنزف نحو 20% من موازنة الوكالة، المفترض توجيهها كاملة لخدمة اللاجئين فقط.
وفي غزة، تضاف الأزمة المالية لوكالة الغوث إلى جانب سيل الأزمات التي ترزح تحتها، مثل أزمة توقف مئات المصانع، ما يفاقم مشكلة البطالة، وأزمة كساد التجارة بسبب انقطاع رواتب حكومة غزة، وأزمة الوظائف الحكومية بسبب توقف حكومة رامي الحمد الله عن التوظيف في غزة، ما يفاقم أزمة بطالة الخريجين.
الانتهاء من ملف اللاجئين الفلسطينيين حلم طالما خططت له "إسرائيل" والدوائر الصهيونية التي ترى في وجود "أونروا" تكريسًا لوجود ملف اللاجئين. لكن، في الوقت نفسه، هل إسرائيل معنية الآن بانفجار ملف اللاجئين في وجهها، في وقت تعاني من احتمالية انفجار جبهات مشتعلة في سورية ولبنان وغزة المحاصرة.
بغض النظر عن البعد السياسي والاجتماعي والمالي لأزمة الوكالة على اللاجئين، فان الوكالة التي تأسست سنة 1949، بقرار أممي للاضطلاع بدور رئيس في توفير الرعاية اللاجئين صحيًّا وتعليميًّا واجتماعيًّا، بهدف التخفيف من وقع النكبة عليهم، والتخفيف من أثر السكين الصهيوني الذي يحز رقابهم، لا تستطيع اليوم التنصل من هذا الدور، طالما هناك احتمال قوي جدا لانفجار اللاجئين في وجه إسرائيل، وبقوة غير متوقعة، عندما يشعرون بالألم الحقيقي الذي سببته إسرائيل لهم، ومن دون مسكنات الوكالة طوال الـ 60 عاماً الماضية.
ساهمت "أونروا"، منذ إقامتها، في تعليم أجيال من اللاجئين، وخرج منهم علماء ومعلمون وتجار وأثرياء، كما خرج النابغون والقادة والسياسيون، لكنها، ومن حيث تدري، ساهمت، وبشكل كبير، في حرف بوصلة اللاجئين من العمل على تحقيق حلم العودة إلى العمل على تحقيق أحلامهم على الصعيد الشخصي، كحلم الحصول على وظيفة، ثم الزواج، ثم إقامة بيت مستقل، أو الحصول على منحة دراسية، أو عقد عمل في دولة أجنبية.
اعترفت الأمم المتحدة بإسرائيل، بعد موافقتها على قرار تقسيم فلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. لكن، بقي القرار الأممي رقم 194 حبرًا على ورق، فلم تسمح إسرائيل بعودة أي لاجئ إلى الأرض التي هجر منها، فهل يمكن، إذن، أن تتنصل الأمم المتحدة من مسؤولياتها وتحيل مسؤولية وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين إلى جامعة الدول العربية، مثلاً، قبل أن تفي إسرائيل بالتزاماتها، وتسمح بعودة اللاجئين؟ بمعنى آخر، هل يمكن أن تقدم إسرائيل اليوم على إشعال فتيل قنبلة اللاجئين الذين يعدون بالملايين المستعدين للانفجار في وجهها، بعد نجاح "أونروا" في إخماده على مدار الـ60 سنة الماضية؟
يقول المنطق إنه أمر مستعبد، إلا أنه يمكن أن يعتبر الجانب المضيء لإنهاء وكالة "أونروا" خدماتها، أو بالأحرى عندها سينتهي مفعول مسكناتها التي خدرت الفلسطينيين عشرات السنين الماضية، لتوقظ فيهم حلم العودة على صهوة بندقية المقاومة التي نجحت، وباقتدار، بالالتحام مع العدو المدجج بالتأييد الدولي وبمجلس الأمن وبالقوى العظمى وبالحصار القاتل، ثم هي تنجح من نقطة الصفر في النيل من هيبته، وتمريغ أنف آلته العسكرية في وحل غزة التي أثبتت وتثبت، كل يوم، أن هذا العدو يمكن هزيمته، ويمكن دحره، ويمكن تحقيق حلم التحرير.
إن تقليص خدمات التعليم والصحة والتموين الممنهج والمتدرج، مع أنه يتسبب في زيادة آثار الحصار والدمار والفقر على شعبنا الفلسطيني؛ كما يؤثر الامتناع عن إدخال مواد البناء لإعمار مساكن اللاجئين المدمرة والمتضررة منذ سنوات؛ وعدم الوفاء بالتزامات "أونروا" تجاه المهدمة بيوتهم في قطاع غزة أو لبنان، يضاعف تدهور أحوالهم المعيشية، ويراكم معاناتهم الإنسانية، ويفاقم معدلات الفقر والبطالة، إلا أنه في الوقت نفسه، يفتح عيونهم أكثر على إسرائيل، المتسبب الحقيقي في معاناتهم، ويدفعهم دفعا نحو ميادين التدريب المفتوحة للالتحاق بالمقاومة، لتعزيز خيار العودة وتحقيق حلم التحرير.
7B62544C-2905-4EC5-9BF3-8CE568ADF7B0
7B62544C-2905-4EC5-9BF3-8CE568ADF7B0
عماد توفيق (فلسطين)
عماد توفيق (فلسطين)