لوكا بيونغ: نظام الفيدرالية الأمثل لجنوب السودان

24 سبتمبر 2014
دول إقليمية لها مصلحة باستمرار الحرب (جويل صمد/فرانس برس)
+ الخط -
تقترب الحرب الأهليّة، التي اندلعت في دولة جنوب السودان، من إتمام عامها الأول، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لحل سلمي، على الرغم من الجهود التي تبذلها الهيئة الحكوميّة للتنمية في دول شرق أفريقيا "إيغاد". ومع اشتعال المعارك أخيراً، تخطّى عدد القتلى عشرة آلاف، فيما تزايد عدد النازحين لأكثر من مليون ونصف المليون نسمة. وفي محاولة لاستقصاء آفاق الأزمة الجنوبيّة وسبل التوصّل الى تسوية سياسية، التقت "العربي الجديد" مدير مركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا، والمحاضر في جامعة هارفرد الأميركية، ومساعد الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت إبان حكومة الوحدة الوطنيّة قبل انفصال الجنوب، البرفسور لوكا بيونغ، وكان معه الحوار الآتي:

كيف تنظر إلى مسوّدة الاتّفاق التي دفعت بها "الإيغاد" للفرقاء الجنوبيين؟

تحمل الاتفاقية، في مجملها، ملامح هامة، وهي محاولة لإيجاد حلّ عبر تبنّي نظام الفيدرالية كآلية للحكم ولإدارة التنوّع في الدولة، إضافة لإقرار مبدأ المساءلة عن الجرائم المرتكبة إبّان الحرب وتخصيص محكمة مستقلة لذلك، مع التأكيد على تشكيل مفوضيّة للحقيقة والمصالحة عبر تمثيل إقليمي ودولي، بموازاة فتح الباب أمام إبعاد أيّ سياسي عن السلطة وحرمانه من الترشّح في الانتخابات العامة في حال ثبتت مشاركته في أي من الجرائم المرتكبة، مع التأكيد على استقالته من أيّ منصب حالي.

هل يمكن لهذه البنود أن تُشكّل أساساً للحل؟

بعض الشروط التي وُضعت ضمن الخريطة والخاصة برئيس الوزراء، لم تكن مناسبة، فهي حرمت مَن يشغل ذلك المنصب من الترشّح في الانتخابات، الأمر الذي من شأنه أن يُعرقل التفاوض، فالأسلم أن تطبّق الشروط على الكلّ أو تُلغى. كما أنّ المنصب، بحدّ ذاته، يحتاج إلى تحديد ما اذا سيكون على رأس الحكومة ويمثّل رئيس الجنوب رأس الدولة فقط، انطلاقاً من أنّ الاتّفاق على تحديد مهام رئيس الوزراء سيُشكّل أرضيّة جيدة للاتفاق.

هل تؤيد ما قيل عن فشل وساطة "الإيغاد" لوقف الحرب؟

تُعدّ الخريطة الأخيرة، بحدّ ذاتها، إنجازاً لـ"الإيغاد"، لكنّ اتهامات الفشل ظلّت تلاحق الهيئة خلال الفترة الماضية، ما يؤكد أنّ هناك إخفاقات لازمت وساطتها. واضح أن هناك دولاً لديها أغراض ومنافع سياسية واقتصادية وأمنية في دولة الجنوب، الأمر الذي يؤثر بشكل واضح على إدارتها لعمليّة التفاوض وعلى الحلول التي تقترحها. لذا، من الضروري إيجاد آليّة جديدة بإضافة دول لا أغراض ومصالح لها في الجنوب لتأكيد حياديّة "الإيغاد" ومصداقيّتها. وإذا صحّ ما ذهب إليه المتمردون، بقيادة رياك مشار، بشأن محاولة الوساطة لإقناعهم بتوقيع اتّفاق من دون الاطلاع على مضمونه، فذلك يثير الشكوك حولها ويؤكد أنّ أغراض "الإيغاد" ومصالحها انعكست على تلك المسوّدة.

وعلى الرغم من تقييمي الايجابي لتلك المسودة، لكنّه من دون شك، بدا واضحاً الصراع الإقليمي واستراتيجيات دول "الإيغاد" في الجنوب، ويتمحور حول النفط وخطّ أنابيبه ومياه النيل. وتعاني دول الإيغاد نفسها عموماً من صراعات داخلية قد تحدّ من قدرتها على إيجاد الحلول.

هل يعني ذلك أنّها غير مؤهّلة للحلّ؟

تحتاج الوساطة الحالية إلى إدخال عناصر جديدة، بإضافة دول لها مصداقيّة، حتى لا تطغى المصالح الإقليميّة على الوساطة، لذا لا بدّ من إيجاد تمثيل إقليمي أو قاري تتطعّم به وساطة "الإيغاد".

هل تعتقد أنّ جولة التفاوض الحالية ستنجح بإحداث الخرق المرجو؟

تُعطي مسوّدة الاتفاق، التي وقّعتها حكومة الجنوب الشهر الماضي، أرضيّة للتركيز على القضايا الأساسيّة وإحداث إجماع حولها. برأيي، لا مناص للطرفين، في النهاية، من الاتفاق على القضايا الأساسية التي تقود إلى السلام وتنهي الحرب.

هل أصبحت جوبا ملعباً للصراعات الإقليميّة؟

صحيح، فالصراعات الإقليميّة في الجنوب أسهمت بشكل ما في استمرار الحرب لأكثر من تسعة أشهر، ذلك أنّه من مصلحة الخرطوم إضعاف الدولة الجديدة، لتضمن استمرار تصدير النفط عبر خطّ الأنابيب العابر فيها، ولتشلّ تفكيرها عن البحث في بدائل لخطوط الأنابيب وتنشغل بنفسها عن بحث القضايا الخلافيّة معها، كأبيي والحدود وغيرها.

أمّا أوغندا وكينيا وجيبوتي وإثيوبيا، فهي دول لديها أيضاً طموحات بشأن قضيّة النفط ومدّ خطوطه عبر أراضيها، كأحد البدائل، الامر الذي يجعل أي قرارات تُتخذ بشأن جوبا ذات تأُثير إقليمي ومصلحي.

كما تدخل قضية مياه النيل ضمن تلك الصراعات في شمال أفريقيا، خصوصاً أنّ مصر تنظر الى إمكانيّة أن تلعب جوبا دوراً مؤثّراً على مواقف الخرطوم وأديس أبابا بشأن سدّ النهضة. وربّما تسعى القاهرة لإيجاد تأثير على جنوب السودان، في محاولة لإضعاف اثيوبيا، عبر البحث عن مدخل في الصراع الجنوبي ـ الجنوبي الماثل الآن لضرب الأخيرة.

لذا، قد يكون من مصلحة تلك الأطراف مجتمعة، استمرار الحرب وبالتالي تقوم بدعم أحد أطرافها.

مَن يدعم، برأيك، مشار بالسلاح؟

يمكن أن تتّجه دول لمساعدة مشار ودعمه في الحرب، لكن يستحيل أن يجد الدعم من أوغندا، لأن علاقته بها سيئة، وكذلك كينيا أو إثيوبيا التي تتخذ موقفاً حيادياً من الطرفين. والخيار الموجود هو أنّ الخرطوم هي التي تدعمه، كما أن سوق الأسلحة أصبح مفتوحاً الآن.

هل من مصلحة الخرطوم سيطرة قبيلة النوير على السلطة في جوبا؟

لا أعتقد أن الخرطوم ستُقدم على خطوة إيصال مشار الى السلطة، لأنها تمتلك معلومات أمنية من داخل جوبا تؤكد أن الخطوة لن تصبّ في مصلحتها. كما أنّ استراتيجيّة الخرطوم بإضعاف الجنوب، وحتى إذا كان مشار مَن يحكم جوبا، فستعمل أيضاً على إضعافه، لأنّ الدولة الضعيفة تحقّق أغراضها الاقتصاديّة. لذلك، أعتقد أنّه من مصلحتها استمرار الحرب في الجنوب، من دون أن يكون فيها أيّ منتصر.

وعموماً، تسعى بعض دول "الإيغاد" ليكون الجنوب دولة فاشلة، لكنّها في الوقت ذاته تبدي حرصها ألا تصل إلى حدّ الانهيار، لأن من شأن ذلك أن يقود الى نتائج عكسيّة للاستقرار والأمن، لكل دول "الإيغاد" والقرن الأفريقي.

ما تعليقك على تقديرات ترجّح إمكانيّة أن تطول الحرب في الجنوب؟

لا أعتقد ذلك. في النهاية سيتفق الطرفان ولن تستمر الحرب لسنوات عدّة أخرى، لكن الصراعات الإقليمية عموماً، تساهم في إطالة أمد الحرب في أي دولة، وهذا ظاهر حالياً في سورية والعراق.

ما هو الشكل الأمثل لحكم الجنوب؟

أعتقد أنّ القارة الإفريقية كلّها، وليس الجنوب فقط، أمام التحدي الكبير الخاص بإدارة التنوّع داخلها، سواء العرقي أو الديني. وأخيراً، بات هذا الأمر تحدياً للولايات المتحدة الأميركية نفسها بالنظر للأحداث العنصريّة التي وقعت فيها أخيراً. فقضية التنوّع باتت الآن إشكالية، في كل دول العالم، في بريطانيا وايطاليا ونيجيريا وتنزانيا والصومال والشرق الأوسط، وهذه الدول تعاني كلّها من مشاكل تنوّع، حاول البعض حسمها عبر الاستفتاء على الانفصال والآخر ينتظر.

وبرأيي، نظام الفيدرالية هو الحكم الأمثل لإدارة هذا التنوّع، لكنّ التحدي الأساسي الى أي مدى يمكن الاستفادة منها. كما أنها تحتاج لعمل إضافي لخلق جوّ يحقّق فيه المواطن تطلعاته في إطارها ليصبح منتجاً وفعالاً.

لماذا تراجع اهتمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة بالجنوب؟

لأن هناك قضايا أساسية ظهرت على الساحة الدولية والإقليمية، وسحبت الأضواء عمّا يحصل في جوبا، كقضية "الدولة الإسلامية"، ومشكلة أوكرانيا وملف سورية، لذا بدا واضحاً أخيراً تقلّص الدعم والمساعدات الغربيّة والأميركيّة للجنوب. قلّصت الولايات المتحدة وجودها الدبلوماسي في جوبا، بعد مغادرة سفيرتها إلى واشنطن، علماً أنّ الوضع الراهن في الجنوب، يتطلّب تقوية الوجود الدبلوماسي الأميركي. في المقابل، نجد أن الصين بدأت تقوية علاقاتها بشكل أكبر مع الجنوب.

لذا هذا التخوّف من انسحاب الدول الغربيّة من المشهد الجنوبي؟

أسهمت هذه الدول، وهي من أصدقاء الدولة الجديدة، بشكل كبير إبّان حرب الجنوب، وفي استقلاله عن الشمال. وسيقود غيابها عن المشهد الى التأخر في إيجاد حلّ للحرب الدائرة الآن، وبالتالي تأزّم الوضع الإنساني أكثر، لذا فإنّ وجود الغرب في هذه الفترة هام جداً.

المساهمون