تستضيف الحكومة البريطانية مجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية التي تبيع برمجيات استخدمتها دول في التجسس على صحافيين ومعارضين وناشطين في مجال حقوق الإنسان، في معرض "الأمن والشرطة" Security and Policing المغلق الذي يُقام في هامبشاير، خلال مارس/آذار المقبل.
قرار الحكومة البريطانية مساعدة "إن إس أو" في التسويق لبرمجياتها المثيرة للجدل أثار انتقادات حادة في المملكة المتحدة، منذ أفادت صحيفة "ذا غارديان"، يوم الخميس الماضي، بأن "إن إس أو" ستستعرض منتجاتها في المعرض الذي يستمر 3 أيام، وتنظمه وزارة الداخلية وإدارة التجارة الدولية، ويحضره مسؤولون من الأجهزة الأمنية والشرطة من حول العالم، للاطلاع على تقنيات التجسس والمراقبة الجماعية.
تستضيف الحكومة البريطانية حوالي 60 وفداً أجنبياً في المعرض. في السنوات الأربع الماضية، حضرت بلدان انتقدت بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان. ولا تُعلن هوية الوفود قبل افتتاح المعرض. حضرت "إن إس أو" الفعالية سابقاً.
في حديثه لـ "ذا غارديان" يوم أمس الجمعة، انتقد المحقق المستقل في الأمم المتحدة، ديفيد كاي، قرار الحكومة البريطانية باستضافة "إن إس أو". وقال كاي الذي كان قد دعا إلى وقف بيع تقنية "إن إس أو" عالمياً إن الحكومات الديمقراطية "يجب أن تغضب وتضع معايير عالمية لتصدير هذه الأدوات بما يحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان".
وأشار مدير مؤسسة "سيتيزن لاب" الكندية، رون ديبرت، إلى أن الأبحاث وثقت "وباء التجسس على المجتمع المدني" باستخدام تقنيات شبيهة بما تنتجه شركة "إن إس أو"، وقد طاولت هذه العمليات أفراداً في المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة وأوروبا. واعتبر ديبرت أنه بدلاً من استضافة شركات المراقبة "التي تبيع الأدوات نفسها التي استغلها الديكتاتوريون في التجسس بصورة غير مشروعة فيها على الأشخاص الذين يعيشون في بلدهم، ينبغي على الحكومات التي تدعي دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ــ مثل المملكة المتحدة ــ اتخاذ إجراءات قانونية فورية وتدابير سياسية لكبحها".
ودعا النائب عن "حزب العمال" البريطاني، لويد راسل-مويل، الحكومة البريطانية إلى منع مجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية من المشاركة في المعرض، بحجة أنه لا ينبغي منح هذه الشركات منبراً. وقال: "هناك شركات مثل (إن إس أو) متورطة في تمكين الأنظمة في أنحاء العالم من مطاردة المعارضين والصحافيين والتجسس عليهم".
لمدة عامين على التوالي، مُنع راسل-مويل من حضور المعرض السنوي. في العام الماضي، حظر عليه الدخول، علماً أنه كان عضواً في اللجنة البرلمانية التي تفحص صادرات الأسلحة. وتقدم هذا العام بطلب جديد، لكنه قوبل بالرفض، لأنه لم "يف بمعايير زائر وزارة الداخلية". لا تسمح الحكومة إلا للوفود الأجنبية الرسمية والشركات التجارية بالدخول إلى المعرض.
وقالت رئيسة الذراع البريطانية لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، ريبيكا فينسنت، إنه "يجب على حكومة المملكة المتحدة أن تتخذ موقفاً للمطالبة بمزيد من الشفافية والمساءلة في صناعة تقنيات المراقبة، وعدم استضافة (إن إس أو) في هذا الحدث بينما تغض الطرف عن ممارساتها المشكوك فيها".
وفي ردّها على الانتقادات، قالت وزارة الداخلية في المملكة المتحدة: "ستبذل الحكومة كل ما في وسعها للمساعدة في الحفاظ على سلامة الشعب البريطاني والمصالح البريطانية في المملكة المتحدة والخارج". وأضافت أن الشركات التي دفعت ثمن الأكشاك في المعرض قيل لها إنه لا يمكنها أن تتوقع أن تكون قادرة تلقائياً على تصدير المنتجات التي تروّج لها، وإن المملكة المتحدة لديها بعض من قواعد التصدير الأكثر صرامة في العالم.
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية اتهمت ببيع برمجيتها للتجسس على حقوقيين وصحافيين حول العالم. وثلاثة بريطانيين على الأقل استهدفوا ببرمجية "إن إس أو"، بينهم فنان ساخر يقاضي المملكة العربية السعودية أمام المحاكم البريطانية، بدعوى أن الرياض استهدفته ببرمجية طورتها الشركة الإسرائيلية.
كما تقاضي شركة "واتساب"، المملوكة لـ "فيسبوك"، المجموعة الإسرائيلية، بعدما قالت إن تقنيتها استخدمت في قرصنة حسابات 1400 من مستخدميها، طوال أسبوعين خلال العام الماضي، وقد نفت "إن إس أو" الاتهامات.
التقنية استخدمت أيضاً في استهداف الصحافيين، وآخرها ما كشف عنه مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في العاصمة اللبنانية بيروت. إذ وجه بِن هوبارد اتهامات إلى الرياض بمحاولة قرصنة هاتفه، باستخدام التقنية الإسرائيلية.
وأفادت وكالة "رويترز"، الأسبوع الماضي، بأن مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي يحقق في دور الشركة في عمليات اختراق إلكتروني محتملة استهدفت مواطنين وشركات أميركية، فضلاً عن جمع معلومات استخبارية عن حكومات. والشهر الماضي، قالت شركة "إف تي آي كونسلتينغ" التي تمثل الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون"، جيف بيزوس، إن الشركة الإسرائيلية ربما وفرت البرمجيات التي استخدمت لاختراق هاتف موكلها من نوع "آيفون".
وبدأ الهاتف بإرسال ساعات من البيانات بعد تلقيه مقطع فيديو من حساب "واتساب" يخص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ووصفت السعودية ادعاء "إف تي آي" بأنه "مناف للعقل"، ونفت "إن إس أو" أي تورط لها. وقال خبراء أمنيون آخرون إن البيانات غير حاسمة.