لندن تحابي اليهود بعد اعتداءات باريس

22 يناير 2015
السلطات الأمنية شددت إجراءات الحماية لليهود (روب ستوثارد/getty)
+ الخط -
وقعت الحكومة البريطانية في فخ محاباة اليهود ومهاجمة المسلمين منذ شروعها في معالجة تداعيات أحداث باريس، وبحث سبل تجنيب البلاد أحداثاً مماثلة. وتجلّت تصرفاتها، التي يرى مراقبون أنها تزيد من حدة التوتر بين مكونات المجتمع البريطاني، في موقفين: الأول تمثل في حضور وزيرة الداخلية في الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، مراسم نظمتها المنظمات اليهودية، يوم الأحد الماضي، في لندن، لتأبين الذين قُتلوا خلال هجمات باريس، وكان من بينهم أربعة يهود، في متجر لبيع المنتجات اليهودية.

وقد ظهرت وزيرة الداخلية في المراسم، وهي تحمل يافطة مكتوب عليها "أنا يهودي". 
وطالب منظمو الحدث الحكومة البريطانية برفع درجة حماية الجالية اليهودية ومؤسساتها من مدارس ومعابد، متذرعين بمزاعم استهداف اليهود، وتنامي "معاداة السامية" في بريطانيا.

أما الموقف الثاني، فتمثل في رسالة وجهها يوم الجمعة الماضي وزير الأقاليم والحكم المحلي، إيريك بكلز، الى أئمة المساجد في بريطانيا، لامهم فيها "على عدم القيام بواجبهم بما فيه الكفاية لوقف انتشار التطرف في صفوف الجالية المسلمة". وحث الوزير أكثر من ألف إمام، على أن يفسروا للمسلمين كيف يمكن أن يكون الإسلام "جزءاً من الهوية البريطانية"، مؤكداً أن مسؤولية اجتثاث كل من ينشر الكراهية تقع على كاهلهم.

وأضافت رسالة الوزير: "أنتم كرجال دين تتبوأون مقاماً رفيعاً في مجتمعاتكم. تملكون فرصة ثمينة، وتتحملون مسؤولية هامة: أن تشرحوا وتفسروا كيف يمكن للإيمان بالإسلام أن يكون جزءاً من الهوية البريطانية".

وأثار موقف حكومة ديفيد كاميرون، ممثلاً في سلوك وزيرة الداخلية، ورسالة الوزير إيريك بكلز، حفيظة "تحالف أوقفوا الحرب"، الذي يضم الآلاف من المناهضين للتدخل الغربي في العراق وأفغانستان وسورية، تماماً كما أثار غضب "مجلس مسلمي بريطانيا" الذي يمثل أكثر من مليوني مسلم بريطاني.

ورأى "تحالف أوقفوا الحرب" في مواقف وزيرة الداخلية البريطانية سقوطاً في براثن اللوبي الصهيوني، الذي انتهز مقتل أربعة من اليهود في باريس ليطلق حملة "دعاية" تزعم بوجود خطر "معادٍ للسامية" يتهدد اليهود في بريطانيا، وكي يضغط على الحكومة لتقديم المزيد من الدعم لحماية المؤسسات اليهودية.

وقال تحالف "أوقفوا الحرب" على موقعه الإلكتروني إن استجابة الوزيرة إلى هذه الادعاءات، وإعلانها عن نشر المزيد من رجال الشرطة والأمن لحماية المؤسسات اليهودية، لا يمكن فهمه، خاصة وأن الحكومة البريطانية لم تظهر مثل هذا الحرص على المؤسسات الإسلامية، مع العلم أن ما يتعرض له مسلمو بريطانيا ومؤسساتهم من حوادث عنصرية يفوق مرات ما تتعرض له المؤسسات اليهودية. وأضاف أن أوروبا، وبريطانيا جزء منها، تشهد أعمالاً عدائية يومية ضد ّالمسلمين، تبدأ من المظاهرات إلى الاعتداءات فالتضييق على الحريات الذي يستهدف بالأساس الجاليات الإسلامية.


واعتبر "تحالف أوقفوا الحرب" إلقاء حكومة ديفيد كاميرون باللوم على الجالية الإسلامية بأكملها، كلما تورط متطرفون مسلمون في أعمال إرهابية، أمراً غير منطقي، لأن الحكومة تساهم بذلك في تعزيز "الإسلاموفويا"، خاصة وأنها لا تتخذ مواقف مشابهة عندما تتورط الجماعات اليمينية بأعمال عنف عنصرية ضد مؤسسات أو أملاك تابعة لليهود أو المسلمين أو غيرهم من المهاجرين.  
وقال "تحالف أوقفوا الحرب" إن "الحكومة البريطانية بإلقائها اللوم على الجالية المسلمة، إنما تجانب عين الحقيقة التي تقف وراء تنامي التطرف الإسلامي، والتي تكمن بالأساس في الأخطاء الجسيمة التي نجمت عن احتلال التحالف الغربي لأفغانستان والعراق، ومن ثم التدخل الغربي في ليبيا وسورية، تحت غطاء الحرب على الإرهاب".

أما "المجلس الإسلامي في بريطانيا"، فقد وجد في الرسالة التي تلقاها أئمة المساجد من الوزير ايريك بكلز، خطاباً فظاً يلقي اللوم على الجالية المسلمة، ويتعامل معها وكأنها منفصلة عن المجتمع البريطاني. واتهم نائب الأمين العام للمجلس الإسلامي في بريطانيا، هارون خان، الحكومة البريطانية باستخدام لغة اليمين المتشدد في مخاطبتهم. وقال إن الحكومة تطالب مسلمي بريطانيا بإدانة أي عمل إرهابي يتورط فيه أشخاص ينتمون إلى الإسلام، في حين أنها لا تطلب من أحزاب أو حركات اليمين العنصري إدانة أعمال عنف عنصرية يتورط فيها أحد أعضائها.

وأضاف المجلس، أن الجالية الإسلامية ومؤسساتها الثقافية والدينية كثيراً ما تتعرض لأعمال تخريب بفعل تنامي "الإسلاموفويبا"، التي تروج لها وترعاها الجماعات اليمينية العنصرية، ومع ذلك لا تحظى بالرعاية أو الحماية الكافية من أجهزة الأمن والشرطة البريطانية.
ما بين ادعاءات "معاداة السامية" و تفشي"الإسلاموفيا"، فشلت الحكومة البريطانيا بإظهار ما يكفي من الحرص على حماية جميع مكونات المجتمع البريطاني، بصرف النظر عن الانتماءات الدينية أو العرقية لأفراده. وبينما تدعو وزيرة الداخلية إلى تخصيص المزيد من أموال دافعي الضرائب لحماية المؤسسات اليهودية، وتحمل يافطة "كلنا يهود"، يتهم زميلها بكلز الجالية الإسلامية "بالتقصير" في مواجهة الإرهاب ويحملها مسؤولية "تفشي" التطرف في أوساط الجالية الإسلامية.

ولا يمكن تفسير موقف الحكومة البريطانية المتناقض أو فهمه إلا بأحد أمرين: إما أن حكومة حزب المحافظين تتعامل مع تداعيات أحداث باريس بانتهازية سياسية تسعى إلى كسب أصوات الجالية اليهودية ودعمها المالي على أبواب الانتخابات العامة في مايو/أيار المقبل، أو أنها ترفض الإقرار بحقيقة الارتباط العضوي بين سياساتها الخارجية، بما فيها التدخل العسكري في الدول الإسلامية والانحياز الكامل لإسرائيل وتنامي التطرف الإسلامي في أوساط الجالية المسلمة.