لنحاول التواصل

11 نوفمبر 2015
بين ما أفكّر به وما أظنّ أنني أقوله... (Getty)
+ الخط -

في مؤلّفه "موسوعة المعرفة النسبيّة والمطلقة"، يورد الكاتب الفرنسي برنار فربير على لسان أحد أبطاله إدمون ويلز: "بين ما أفكّر به، وما أريد قوله، وما أظنّ أنني أقوله، وما أقوله، وما ترغب (أنتَ) في سماعه، وما تظنّ أنك سمعته، وما تسمعه، وما ترغب في فهمه، وما تظنّ أنك فهمته، وما تفهمه.. ثمّة عشرة احتمالات لتعسّر التواصل. لكن، فلنحاول على الرغم من كلّ شيء".

لنحاول. بالتأكيد، فلنفعل. نحن نقضي جزءاً لا بأس به من حياتنا في التواصل مع الآخرين، أو في محاولة للتواصل معهم. وعدم المحاولة، لا بدّ من أن يؤدّي إلى تعطيل العلاقات مع الأبعدين كما مع الأقربين. ويكمن هنا المأزق، مع هؤلاء الأخيرين.
لأنّ ما من خبرات حياتيّة متشابهة بين شخصَين اثنَين، وهو الأمر الذي يُترجَم اختلافاً في أنماط التواصل، قد يظهر التعسّر في أيّ وقت. وهو ما قد يؤدّي في أحيانٍ كثيرة إلى طرق مسدودة في العلاقات، مهما اختلفت طبيعتها ومسمياتها.

بالنسبة إلى ويل ميك أحد خبراء مجلّة "سايكولوجي توداي" الأميركيّة، فإن طرق تشفير الرسائل التي نبعثها وفكّ رموزها محكومة بكيفيّة تعلّمنا التواصل في سني حياتنا الأولى. هكذا تأتي كلّ كلمة نتفوّه بها كمجرّد رمز. وتكثر الرموز مع تضاعف الكلمات، كلما ازدادت تجاربنا وأيام حياتنا. وتَحكم بالتالي تشفير رسائلنا وفكّ رموزها، ثقافتنا والأنماط العائليّة وغيرها من الخبرات. عندما ندرك ذلك، لا شكّ في أننا نيسّر على أنفسنا وعلى الطرف الآخر في أيّ علاقة كانت، عمليّة تواصلنا.

في أحيان كثيرة، تكون خواطرنا وهواجسنا ومشاعرنا وأفكارنا معقّدة لدرجة أننا لا ندركها نحن بأنفسنا. وتأتي رسائلنا التي تتأثّر بضعف إدراكنا لبعض أوجه من ذواتنا، أكثر إرباكاً للآخرين. وقد يتعطّل التواصل، إذ يتعسّر أكثر فأكثر.

والحلّ؟ بالتأكيد ليس سحرياً! يكفي أن ننصت إلى الطرف الآخر في أيّ عمليّة تواصل، مع تسليمنا باختلاف تجاربنا وإدراكنا، والإفادة من عثراتنا السابقة. ويكفي أن نتيقّن بأنّ كلّ تعسّر في التواصل هو تعسّر طرفَين اثنَين، ولا استثناء في ذلك. أما عواقبه، فليست طفيفة.

في قول لُحِظ تداوله في الفترة الأخيرة، وراح كثيرون – من حول العالم - يحاولون الانطلاق منه لصياغة أطروحات حول التواصل بين الأقربين، يقول الأديب والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران إنّ "بين منطوق لم يُقصَد ومقصود لم يُنطَق، يضيع كثير من المحبّة". كلما تعسّر التواصل، التبست المشاعر وتشوّش التفاهم إلى حدّ الفقدان.. فقدان الودّ.

اقرأ أيضاً: هويّات زائغة
دلالات
المساهمون