لنا خلف الحدود... أحبّاء

04 ديسمبر 2015
ماذا عن المشاعر التي تلتهب كلما زادت المسافات؟ (Getty)
+ الخط -
يقال، لا أعرف تحديداً من الذي يقول، لكن يقال إنّ البعد عن العين، بعد عن القلب ايضاً. وماذا عن هؤلاء الذين نحبهم قبل أن نراهم؟ أصدقاء، لا نعرفهم، نعرفهم على مواقع التواصل، نتشارك حيواتنا، وأحلامنا.. نتشارك أحزاننا. والد رشا مات قبل سنة، سنتين، لا أذكر.. هي في عكا المحتلة، وأنا في بيروت. نقول معاً، ملعونة هي الحدود. الحضن الذي أردته لحظتها لا يزال عالقاً في مكالمة ما، في رسالة نصية ما.. 

يقال، لا أعرف تحديداً من الذي يقول، لكن يقال إنّ المسافات تقتل المشاعر. وماذا عن المشاعر التي تلتهب كلّما زادت المسافات؟ كلّما بات اللقاء مستحيلاً؟ نضع مشاريع ومواعيد للقاء. نطبطب على روحنا بها.. ونحن نعلم أنها قد تحصل، قد تصدق مرة، مرتين.. وبعدها ينتهي. نسير بخطى واثقة وواعية نحو جدار الكآبة الأخير، بكامل إرادتنا وعلى أقدمنا الثابتة.

يقال، لا أعرف تحديداً من الذي يقول، لكن يقال إنّنا نتعلّم من أخطائنا، وإن التجربة وحدها هي التي تمنحنا القدرة على الحكم على الخطأ والصواب. مجدداً، خطأ، وإلا فكيف نبرّر كل خياراتنا الخاطئة في الحياة. كيف نبرّر السقوط في الخطأ نفسه مرة، مرتين، ثلاث.. نحب الخيارات الخاطئة، مغرية، وفيها الكثير من التحدي، وإرضاء الغرور.

يقال، فيروز تحديداً تقول، "الحب بيقتل الوقت". طيب، لماذا تضطرب صديقتي وهي تنتظر أن يأتي حبيبها إليها، من بلاده الأخرى؟ تصاب بنوبات هستيريا بسبب المماطلة بالأوراق والتأشيرة والتصاريح الأمنية. الدوائر لا تعترف بالحب. تصرخ في وجهه، تنفجر غاضبةً على التليفون.. ماذا يفعل هو؟ أسبوع واحد وسيأتي، لكنّ اللحظات لا تمرّ.. أو أنها تمرّ بثقل يخنق. الحب لا يقتل الوقت، عزيزتي فيروز.

يقال، "الموسيقى دواء الروح"، الأرجح أنه هو من قال لها ذلك. في كل ليلة، كلّ ليلة من دون استثناءات، تأتيها نوبات الهلع نفسها: صوت والديها يتشاجران وهي طفلة. جرعة هيرويين زائدة كادت تودي بحياتها، محاولة انتحار. وقصص حب فاشلة ومؤذية.
حصل ذلك في زمن آخر، لكنها تستعيدها كلها، كل ليلة. كل ليلة من دون استثناء. ووسط هذا الخراب العظيم، يرسل لها: "هذا حضني يا حلوة.. نامي". يأتي الحضن أيضاً من خلف الحدود، في رسالة على "فايبر" أو على "واتساب". وتنام وهي تغنّي الأغنية نفسها: "أنا لا أرض ولا سكن.. انا عيناك هما سكني"... تغفو. في حضنه الافتراضي أمان، تقول. متى بات الأمان يأتينا في رسائل مكتوبة؟ حضنه، صوته عند السابعة صباحاً عبر الهاتف... عيناه المتعبتان خلف شاشة الكومبيوتر. تعرف جيداً أنه منهك.. ماذا لم لو توجد الحدود؟ ماذا لو كانت الأرض مشاعاً واحداً مفتوحاً؟ تلعن الحدود والمسافات مرة أخرى.. وتنتظر.


اقرأ أيضاً: ثلاثون
دلالات
المساهمون