لم تشبع نهاية "النهاية" شغفي! (1/2)

28 مايو 2020
+ الخط -
بلمحات سريعة عن تحرير القدس، وإدارة عربية تحكم المدينة، وإشارة إلى انهيار إسرائيل وضعف في الإدارة الأميركية وهروب الصهاينة إليها، بهذه الكلمات بدأ المؤلف "عمرو سمير سيف" مسلسل "النهاية" أحداثه، وأنهاه بمشهد أحزن كل فلسطيني، مشهد الرحيل من المدينة إنقاذا لأرواحهم، لتعاد ذكرى "النكبة الفلسطينية" أمام أعيننا مرة أخرى، مشاهد الـ 48 بلحظة مرت وكأنها الآن ومآساة شعب على امتداد 72 عاما.

أثارت هذه البداية المتفائلة بالحلقة الأولى غضب الإسرائيليين وحكومتهم وتعاطف البعض العربي، حيث وصفته "إسرائيل" بأنه مؤسف وغير مقبول على الإطلاق، في المقابل نرى البعض العربي انقسموا لطرفين: الطرف الأول: "المتحفظ" الذي انتظر نهاية النهاية وماذا ستحمل في طياتها من أحداث ومفاجآت أخرى، أما الطرف الثاني: فكان من "المدافعين عن القضية الفلسطينية" ورأوا في هذا مستقبلا يحلمون به وهو تحرير القدس.

فإذا تحدثت عن موقفي فقد تبنيت فكرة الطرفين ولكن بعين حذرة حيث قمت بمشاهدة العمل الدرامي مع كتابة ملاحظاتي التي ملأت صفحتين، كي أعاود تحليلها معكم ونتعرف معا على ما تضمنه هذا العمل الفني وهل يصح لنا أن نصفه بالعمل الرائع أم المجنون أم ذاك الذي قد يكون تبنى الفكرة التي عمل على معالجتها داخل حلقات المسلسل، ليدعم الفكر "الماسوني" بهذا الشكل الواضح، الذي قد يـتهم فيه العاملون على هذا العمل الدرامي بتبنيهم لهذا الفكر.


تضمن مسلسل "النهاية" عدة نقاط مهمة وأكثرها يتعلق بمضمون الفكرة وبعض الرمزيات التي حاول المؤلف تمريرها من خلال هذا العمل الدرامي. ليس من اختصاصي أن أتحدث أو أنتقد المسلسل من الناحية الفنية بأدواتها الإخراجية والإنتاجية ولكن حاول القائمون على هذا العمل الفني أن يعلوا بالفن المصري مساواة بالغربي وتناولوه بشيء من روايات وأفلام الخيال العلمي الغربية مثل "النهاية وما بعد النهاية apocalyptic-post apocalyptic" واتضح ذلك من خلال التكنولوجيا المستخدمة مع بعض الغرافيكس والميكب أرتست والملابس وكل العوامل المساعدة التي استخدمت بالتصوير.

لم يصل المؤلف إلى درجة الحبكة الدرامية التي نعرفها، حيث امتلأ المسلسل بإسكتشات منفصلة تأخذ المشاهد يمينا ويسارا للماضي والحاضر، فخلال مشاهدة الأحداث كنت أشعر بالارتطام بالحائط من كثرة الرموز والفاصلات المفاجئة التي أحدثها مؤلف ومخرج العمل، أكاد أوصف ذلك بأنه عمل عشوائي وغير مدروس بشكل صحيح ومهرول قليلا، هذا من وجهة نظري البسيطة، ولذوي الاختصاص أن يتحدثوا في هذا أكثر مني.

سأقسم تناولي لمسلسل "النهاية" في هذا المقال التحليلي إلى قسمين، "المضمون" و"الرمزيات"، وسأتحدث عن مضمون هذا العمل الفني الذي أثار حفيظة البعض من المشاهدين وأشبع غريزة البعض الآخر، كما سأوضح بعض الرمزيات التي لامستها في مسلسل "النهاية".

المضمون
تناول مسلسل "النهاية" فكرة "الماسونية" التي تتحدث عن "المسيخ الدجال" ووصفه بأنه "المنقذ" أو "المنتظر" ويعتبر المسلسل أول عمل فني عربي يتطرق لهذه القضية الشائكة وبهذا التناول الكبير خلال أحداثه كلها.

وطرح الفكر "الماسوني" من خلال ما يسمى بـ"جلسات المحبة" التي كان يديرها المهندس "شاكر عبد الحي" والذي قام بتجسيده الفنان "محمد مزربان" في تكتل "الواحة" وتبين ذلك من خلال الجملة التي كانوا يرددونها بجلساتهم "كلنا فاكرين ومش ناسيين، كلنا في الانتظار وعلى العهد هنحافظ".

وبالسؤال عن كيف ومتى بدأت "الماسونية"؟ بدأ تنظيم "الماسونية" منذ الحملات الصليبية على مدينة "القدس" والقيام ببعض الحفريات تحت المدينة، للبحث عن كتب السحر والشعوذة التي دفنها ملوك الجن قبل ظهور البشر تحت هيكل سيدنا سليمان المزعوم وذلك بواسطة "فرسان الهيكل"، كان الهدف الأساسي من ذلك هدم كل الديانات السماوية باستثناء اليهودية والتمهيد لخروج "المسيخ الدجال" ليحكم العالم، وكان يمثل لهم الشيطان الحاكم والإله المنتظر وكانوا يقدمون له القرابين والتضحيات لخروجه على مر العصور، وبعد إتمام كل شيء يخرج ليجد "اليهود" هم المسيطرين على العالم.

حاولت "الماسونية" نشر أفكارها في العالم، وبعض الدول كانت تحارب وجودهم وطقوسهم الشيطانية والسحر الأسود الذي يتعاملون معه، والبعض الآخر كان يسمح لهم بإنشاء معابدهم الماسونية وممارسة طقوسهم كما غيرهم من الديانات، وتناولت بعض الكتب الحديث عن هذا الأمر بشكل كبير، وأوضحوا خطورة هذا الفكر الماسوني على البشرية جمعاء، مثل: "أحجار على رقعة الشطرنج، أنتيخريستوس، بروتوكولات حكماء صهيون،.. وغيرها من المؤلفات ذات الصلة".

وظهر ذلك جليا من خلال أحداث المسلسل؛ ففي الحلقة "16" حين طلب المهندس "شاكر عبدالحي" من المهندس "زين" "يوسف الشريف" أن ينضم إليه هو وبعض الموظفين في جلسة روحانية بها طقوس غريبة تسمى "جلسات المحبة"، وهو ما أثار حيرة "زين"، لعدم فهمه ماذا يفعل "شاكر" والموظفون، ووسط دهشة كبيرة مما يحدث حاول فهم ما يتحدثون عنه وما هو ذلك العهد وإلى ماذا يشير؟!

وما يؤكد استمرار الفكر "الماسوني" على مر العصور وخلال المئة عام الذي يتحدث عنها هذا العمل الفني "النهاية" اتضح في الحلقة الـ"22" عند قراءة مذكرات كتبت في عام 2020 التي تركها الفنان "أحمد مجدي" الذي قام بدور "سميح أرسلان" لـ"زين"، كانت تلك المذكرات للصحافي المصري "مصطفى خليل" الذي جسده الفنان "محمود عبدالغني" الذي كتب فيها معلومات خطيرة كادت أن تودي بحياته، عن رجل منتظر يعيش منذ دهور ولا يهرم وهو "صديق" زعيم "الواحة" والذي جسده الفنان "إياد نصار" تلك الشخصية الجدلية وظهوره بعين واحدة ما هو إلا إشارة إلى اليهود أو الصهيونية الماسونية التي تحارب لأجل حياتهم فقط، وتبين خلال الأحداث أن لدى هذا الرجل السلطة على أهم رجال أعمال العالم ويحركهم كما الشطرنج، وأنه يُحضر ويُخطط بشكل منظم وبطيء وحريص على إنهاء هذا العالم كله وإعادة بناء المدينة الفاضلة ليعيش فيها صفوة العالم وتمثل ذلك بالـ"الواحة" التي كان يتواجد بها المهندس "زين" واتضح ذلك خلال تسلسل الأحداث إلى أن وصلنا إلى الحلقة الأخيرة "نقطة الصفر"..

ووصول "صديق" لتحقيق حلمه في تدمير العالم عندما قام بإطلاق صاروخ تم صنعه على يد "فارس" الذي جسده الفنان "محمد الكيلاني" و"زين" حيث دمر تكتل "القدس" و"الواحة" والكرة الأرضية كلها، فكان هدفه من البداية هو القضاء على كل شيء حتى لا يتقاسم معه أحد السلطة، ويكمن في هذه اللحظة الفكر "الماسوني" الذي قدمه القائمون على هذا العمل وخطورته على البشرية جمعاء دون المنتظر، وجاء ذلك بوضوح تام خلال الحديث الذي دار بين "مؤنس" "أحمد وفيق" مسؤول الأمن في شركة "إينيرجي كو" و"صديق" في الدورن الطائر:

مؤنس: أنا سمعت أن في صاروخ هيقضي على كل أجهزة الاتصال والتكنولوجيا بالعالم، والواحة معتمدة على الأجهزة ديه، وهتحصل خسائر بالأرواح.
مؤنس: فين الناس اللي بؤمنون بك؟
صديق: في الواحة.
مؤنس: ليه مش معاك؟
صديق: لما تكون عايز تمتلك القوة والنفوذ ، ينفع تشاركها مع حد؟
مؤنس: لا.
صديق: تمام، الواحة أنا جمعت فيها كل الناس اللي ممكن تنافسني هما وأولادهم وأي حد ممكن يورث أي حاجة بأي وقت.
مؤنس: زي الأرض ما هتتحرق بالتكنولوجيا والعلم هترجع أنت وهتقدمهلهم في الوقت المناسب وبالطريق الصح.
صديق: محدش هيقدر يقدملهم أي حاجة تؤثر غيري، استرح يا صديقي وسيب الدون يتحرك في المسار اللي مماشيين فيه واتفرج على أهم لحظة في تاريخ البشرية وهي بتتحقق بعد انتظار مئات السنين.

من هذا نأتي بنتيجة واحدة حتمية على ألوهية هذا الشخص الذي كان يحاول منذ البداية وعلى مر القرون أن يسيطر على العالم ليكون الوحيد المتبقي ليعود من جديد وينقذ العالم ويمنحهم كل شيء وليصل لمركز "الإله" الذي يقدسه البشر فيما بعد.

فإذا عدنا للخلف قليلا عند بداية المسلسل عندما ذكر تحرير القدس سنرى أنه أمر مخطط له من قبل هذا الشخص الأعور "صديق" وسعيه المستمر في تدمير العالم وإعادة بنائه من جديد، وبالفعل ظهر ذلك بالحلقة قبل الأخيرة "29" عندما ردد العاملون في شركة "إينيرجي كو" و"غرين كو" التي كانت تتحكم بالقدس الشعار الذي يعلمه لأتباعه "كلنا فاكرين ومش ناسيين وكلنا على العهد هنحافظ".

دلالات