جنازة أم ثورة شعبية نحو التحرير يا شيرين؟
جنازة مهيبة، اجتمعت فيها كل فئات الشعب الفلسطيني، من جنين ونابلس ورام الله والقدس. جنازة شعبية لم ير لها مثيل من بعد جنازة القائد الراحل أبو عمار، وعبد القادر الحسيني، وغسان كنفاني.
جنازة أشبه ببيان سياسي موقّع من الشعب الفلسطيني، كاتبين فيه عهدا باسترجاع حق شيرين وحق جميع شهداء الوطن، بدمائهم وبأرواحهم وحريتهم. بهذه الجنازة المهيبة، انتهى الانقسام، وحررت القدس كما كانت تحلم، الحلم الذي طالما حلمت أن تراه في حياتها، ولكنها رأته في لحظات تشييعهها إلى مأواها الأخير.
قام المسلمون من الفلسطينيين بأداء صلاة الجنازة، داعين لها، ومن بعد قام الفلسطينيون المسيحيون بالصلاة عليها في كنيسة الروم الكاثوليك، وسط تهاليل وزغاريد للشهيدة. وبعد الانتهاء، قرعت أجراس الكنائس جميعها في وقت واحد، بأصوات تعلو وتعلو، لم نسمع بمثلها منذ احتلال فلسطين، ظلت تقرع أجراسها إلى أن تم دفنها.
أيقنت حينها بأن هذا الشعب بمقدوره أن يمحو الاحتلال في لحظة؛ فقط لو اجتمعوا بكلمة واحدة
لم يتحمل الاحتلال الصهيوني مشهد الفلسطينيين خلال تشييعها في جنين ورام الله، فأخذوا احتياطاتهم الأمنية ليمنعوا المشيّعين من الوصول إلى المستشفى الفرنسي في القدس. أبوا أن يروا حشودا أخرى تحمل شيرين على أكتافهم، مهللين وواعدين الشهيدة باستمرار النضال والأخذ بالثأر.
فعندما آن أوان رحيلها إلى بيتها الجديد، اقتحمت شرطة الاحتلال المستشفى الفرنسي في القدس، مانعين خروجها محملة على اكتاف أصدقائها وزملائها وأقاربها وأبناء شعبها، ومحذرين من رفع العلم الفلسطيني ومن الهتافات.
مناورات عديدة لمنع حمل الشهيدة على الأكتاف، وعندما صمم المشيعون أنها ستُحمل على الأكتاف، قامت شرطة الاحتلال بالاعتداء على جموع الفلسطينيين. ولم يسلم حاملو تابوت الشهيدة شيرين من الاعتداءات بالعصي على كل جزء من أجسامهم لكي يلقوا بالتابوت أرضا، ولكن جسارة وقوة شبابنا الفلسطيني أبت أن تستسلم للعدو وظلت ممسكة بالتابوت، إلى أن فقد الأمل من الاحتلال باستسلامهم لأوامرهم. وهنا تم وضعها في سيارة لنقلها بعيدا عن أعمال الشغب التي أثارها الاحتلال. ولكنهم لم يكتفوا بل قاموا بنزع العلم الفلسطيني عنها وعن السيارة التي تقلّها، وخرجت بطريقها. ولم تصدق شيرين ما رأيناه على شاشات التلفزة من توافد الفلسطينيين رافعين العلم الفلسطيني، مهللين بالله أكبر وبهتافات للشهيدة شيرين، وحُملت شيرين على أكتاف إخوتها من الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين.
وهنا شاهدنا سيلا من الفلسطينيين يتدافعون ويحتشدون من كل مكان ليمشوا في جنازتها ويحملوا نعشها فوق أكتافهم. إن ما حدث أشبه بثورة شعبية لتحرير القدس، بل فلسطين بكاملها، لم أشاهد مثل هذه التدافعات في أوقات الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى.
أيقنت حينها بأن هذا الشعب بمقدوره أن يمحو الاحتلال في لحظة؛ فقط لو اجتمعوا بكلمة واحدة، ولكننا لم نرهم مجتمعين طوال السنوات الماضية.
ولكن الشهيدة ناجتهم وأخرجتهم ليثبتوا أننا أكبر من حكم محتل، نحن أصحاب الأرض، ساروا بالشهيدة بجانب أسوار مدينة القدس وأبوابها المغلقة، ساروا بها إلى مأواها الأخير ليودعوها ويعاهدوها على استمرار المسيرة، "ومازالت التغطية مستمرة".