لمن انتخابات المنطقة الخضراء؟

23 مارس 2018
+ الخط -
لم يجانب الصواب المناضل عوني القلمجي عندما كتب أن المشاركة في الانتخابات المقبلة في العراق جريمة بحق العراق نفسه، لأن كل الانتخابات التي حصلت تحت مظلة الاحتلال أدت إلى طريق مسدود، وربما تكون التي في مايو/ أيار الأسوأ بين كل الانتخابات، فمن شارك في الانتخابات، للمرة الأولى تحت حراب المحتل ودعايته الكاذبة بجلب الديمقراطية، بعد انكشاف كذبة أسلحة الدمار الشامل، ربما يُعذر لأسباب معروفة، حتى لو لم تكن حججه قوية، ومن ثم جاءت الانتخابات الثانية لتكشف زيف الديمقراطية، حينما تم إبعاد من فاز في الانتخابات من الكتلة العراقية، برئاسة إياد علاوي، وعينت السفارة الأميركية نوري المالكي، بحسب شهادة أحمد الجلبي. ومددت السفارة إقامة المالكي في رئاسة الوزراء، لينهي ما بدأ به من حرب على العراقيين تحت غطاء الطائفية. ولم تمدد له ولاية ثالثة، على الرغم من فوزه في الانتخابات، فالولايات المتحدة متمسكة بما فصلته للعراق من بدلة سياسية وفقا لأجندتها، وليس من أجل عيون الديمقراطية للشعب العراقي، لذلك تم طرد المالكي شر طردة، وأهين هو ووفده من سيد البيت الأبيض ونواب الكونغرس، ليعود خائبا من حيث أتى، فتم تعيين حيدر العبادي الذي نال ثلاثة آلاف صوت فقط.
لم تكن خدع المحتل وحدها التي دفعت العراقيين إلى الذهاب إلى الانتخابات، بل لعل خدع العمائم، بكل أشكالها، هي التي حشدت لملء الصناديق، بتلاعبها بعقول البسطاء ومشاعرهم، بذريعة حكم طائفي لا علاقه له بالدين، مرتبط بولاية الفقيه الإيرانية.
الانتخابات المقبلة الأكثر كشفا لزيف كل ما قيل عن العملية السياسية وأحزابها الفاسدة، فبعد 
خمسه عشر عاما من الغزو والاحتلال نزعت الحقائق على الأرض ادعاءات الولايات المتحدة وأحزابها بخصوص إعادة بناء العراق، وجعله جنة من الرفاهية، تجري فيها أنهار اللبن والعسل. الحقائق التي لمسها العراقيون في واقعهم أن الحكومات المتعاقبة لم تنفذ أي مشروع، أبسطها الخدمات العامة، بل كرست، حكومة بعد أخرى، منذ 2003 خطط الاحتلال الأميركي ومشاريعه، من فتنة طائفية وتهجير أبناء الشعب وتدمير مؤسساته التعليمية والطبية، ونشر الإرهاب والترهيب والقتل المجاني والاستيلاء على الممتلكات العامة، إلى فساد يبدأ من أبسط وظيفة إلى قبة البرلمان التي تباع وتشترى فيه المناصب، حتى أصبح العراق مزاد نخاسة، كل شيء فيه يباع ويشترى، بفضل ساسة العملية السياسية وسادتهم المحتلين، إلى جريمة تدمير الموصل، بذريعة "داعش"، من دون السماح بإنقاذ السكان، فدفن كثيرون أحياء تحت الأنقاض عمدا وتنكيلا بسكان المناطق والمدن المقاومة. وخرج رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، وهو الذي يحظى بدعم حلف شمال الأطلسي، ليتكلم عن "معجزة" انتصار كاذبة، حققتها قواته، من دون حياء. وقبلها بشر العراقيين بالإصلاح ونشر العدل وأخذ الحق من الفاسدين، وإبعادهم عن مناصبهم، وإعادة الأموال إلى الخزينة العامة، لكنه لم يقم ولا بعمل واحد باتجاه محاربة الفساد، وطوى الإصلاح، بل أعادت المحكمة الدستورية من أقالهم من نواب رئيس الجمهورية الثلاثة إلى مناصبهم. أما الإنجاز الكبير لحكومته فهو قانون النفط الذي يعيد العراق إلى ما قبل التأميم الذي قام به النظام الوطني عام 1971، ولتسليم ثروة العراق النفطية والغازية إلى شركات النهب، بعد أن كانت هذه الثورة مرتبطة كليا بالدولة العراقية، فهل هناك فعل ضد الشعب العراقي وأمنه وسيادته وشعبه أكثر من هذا القرار؟
تكشف نظرة سريعة على منجزات حكومات الاحتلال، حكومة بعد أخرى، وانتخابات بعد 
انتخابات، أن دور هذه الحكومات ولعبة الانتخابات خدمة خطط الاحتلال الأميركي ووكيله الإيراني حصريا. وسيستمر حيدر العبادي في ولاية ثانية، بدعم من الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي التي يتمسك بوجودها على الأرض، كما صرح وهو يعمل منذ تدمير الموصل على تطبيع وضع المليشيات الطائفية، ودمجها بالجيش كما ترغب طهران. وبهذه العملية، يسير رئيس الوزراء على نهج المالكي الذي اشترى قبل سنوات أصواتا له عبر وظائف ومخصصات لكل الأجهزة الأمنية التي انتخبته في الولاية الثانية.
حملات مقاطعة الانتخابات التي تقودها فئات من العراقيين منذ أشهر تعبير عن الواقع العراقي وحياة أبناء شعبنا اليومية المنتهكة في كل دقيقة من جحر المنطقة الخضراء، وتعبير صادق عن انغلاق طريق الانتخابات التي تصور زورا عملية ديمقراطية. لذا، تحتاج هذه الحملات دعم كل القوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال ووجوده في العراق في الداخل والخارج، فمن شأن هذا الرفض تقويض العملية السياسية غير الشرعية القابعة في المنطقة الخضراء، والمحمية من مرتزقة الدول المحتلة، وإحداث شرخ في أسس خطط الاحتلال، ليكون سابقة لمواجهات شعبية مقبلة، تتصدى لإنهاء العراق بلدا وشعبا. وأبناء الرافدين قادرون على دحر بناء العملية السياسية الفاسد، ليستعيد العراق حريته ويصنع بسواعد أبنائه ديمقراطية حقيقية ومواطنة، تعيد إليه السيادة على أرضه وشعبه وثرواته.
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
ولاء سعيد السامرائي

كاتبة وصحفية عراقية مقيمة في باريس

ولاء سعيد السامرائي