لمناسبة تقرير "إسكوا": نهضة عربيّة لا تتحقّق

19 مارس 2014

تحديات وعوائق أمام جودة التعليم في البلاد العربية

+ الخط -

اختارت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، العاصمة التونسية للإعلان عن نتيجة تقرير انتهت من إعداده، بعنوان: "التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية"، بمشاركة الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، ورئيس الوزراء اللبناني السابق، نجيب ميقاتي. واستغرق إعداد التقرير قرابة السنتين، استعانت في إنجازه بنخبة من الخبراء والمثقفين العرب، توصلوا، بعد عمل دقيق ومتابعات ميدانية لواقع العالم العربي والمعوّقات التي حالت دون تحقق نهضة عربية مطلوبة، إلى استخلاص جملة توصيات ضرورية لتحقيق مشروع النهضة. ظل العرب طوال نصف قرن يجهدون النفس من أجل تحقيق واقع جديد يقطع مع حالة التخلّف والفقر، ويؤسس لمجتمعات جديدة وإنسان جديد ودول راقية ومتقدمة، على غرار دول العالم الحر وحكومات ديموقراطية تدعم الحكم الديموقراطي ومبادئ حقوق الإنسان.

كان هاجس التقرير هو كيف يمكن للعرب أن يحققوا نهضة؟ وما هي المعوقات والمكبّلات التي حالت دون ولوج العرب عالم الحضارة والرقيّ؟ من أَجل ذلك، تم رصد صعوباتٍ، تم تلخيصها في ضعف الاهتمام بنشر الثقافة والعلم والمعرفة، حيث بلغ نصيب العرب من النشر العلمي أقل من 1%، وغياب السلوك الديموقراطي وضعف التمثيل الشعبي في مؤسسات الدولة، ما أفرز سياسياتٍ لا تعبّر عن إرادة الشعوب وطموحاتها. وتواصَل الاعتماد المفرط على الإعانات الأجنبية، في وقت تتوفر المنطقة العربية على موقع استراتيجي مميّز، وعلى ثروات هائلة هي بمثابة القدرات المطلوبة لأي نهضة. وتعرف المنطقة العربية عدة صعوبات على المدى القريب، حيث يرصد التقرير أنه بحلول سنة 2020، سوف يشهد العرب تحديات متنوعة، اقتصادية واجتماعية وبيئية، وتدهور الأمن القومي بكل صوره، من أمن مائي وأمن غذائي وأمن طاقي وأمن سياسي، حيث لا تزال المنطقة العربية تعيش على وقع النفوذ الأجنبي الذي يجعلها مرتهنة لجهات مموّلة، وعرضة للتدخل في قرارها السياسي، وارتفاع نسب الفقر والجهل والتخلّف، وتزايد التوترات والتهديدات.

كانت هذه بعض ملاحظات رفعها التقرير، والذي خلص، على أثرها، إلى اقتراح الحلول الممكنة، لتكون مشروعاً يصلح لتحقيق نهضة إنسانية في الوطن العربي تقوم على ركيزة مهمة، هي تحقيق التكامل العربي في كل المجالات، ومواجهة واحتواء كل المخاطر ككتلة واحدة. فإحياء فكرة التكامل العربي هي التوصية التي يقدمها التقرير لتحقيق النهضة العربية المنشودة، وفكرة التكامل العربي هي المخرج الضروري من كل الأمراض التي تعاني منها الأمة العربية، بما يعني أن النهوض الفردي وتحقيق الرقيّ لكل دولة على حدة غير ممكن، والتجربة أثبتت أن مشاريع قطرية كثيرة تعثرت وفشلت. فطبيعة المنطقة العربية، والتي تجمع حوالى 350 مليون نسمة، تجمع بين سكانها لغة واحدة ودين واحد ومصير واحد وتاريخ وحضارة واحدة، وتقارب في الموقع الجغرافي الاستراتيجي، إلى جانب توفرها على ثروات مهمة. كل هذه الخصائص تجعل من فكرة التكامل فكرة أساسية لإنجاح مشروع النهضة العربية الذي يطمح إلى تحقيق نهضة شاملة في كل أوجه الحياة، ويوفر للإنسان العربي العدالة الاجتماعية والعيش الكريم والرفاه الاقتصادي والحكم الديموقراطي الصالح وكرامة الإنسان.

يذهب التقرير، الذي أعدته "إسكوا"، إلى أن السبيل الوحيد لتحقيق نهضة عربية مفقودة يكمن في التكامل العربي، من خلال امتلاك كل مقومات النهضة، من إرادة حرة وقدرة حقيقية لا وهمية، وعلم مبدع، وحياة دائمة التجديد لا وجود حراً ومستقلا للإنسان من دونها، وتحقيق ذلك يحتاجه إلى تكامل عربي فعال يدخل الأمة العربية في مسار التاريخ والحضارة.

كان هذا جانباً من مضمون التقرير المهم الذي أعلنت عنه "إسكوا"، قبل أيام، والمتعلق بشروط النهضة العربية المنشودة، والسبل الكفيلة بتجاوز التحديات التي أعاقت، في الماضي، تحقق النهضة العربية، والتي تم حصرها في فكرة التكامل بين الدول العربية في جميع المجالات، غير أن المشكل في التقرير، على أهميته، يبقى، مثل غيره من التقارير، غير قابل للتحقيق، وتعترضه هنات كثيرة، منها غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتنفيذ كل ما جاء فيه من توصياتٍ تخص الجانب السياسي والإيمان بأهمية تدعيم الممارسة الديموقراطية والحكم الصالح. المشكلة في واقعنا العربي أَننا نعيش اليوم في ظل حكومات غير متجانسة، وسياسات مختلفة، فهناك اليوم حكومات لا تعترف بالديموقراطية، وغير مؤمنة بالفكر الديموقراطي، القائم على مبدأ التداول السلمي للسلطة، واحترام مبادئ حقوق الإنسان، والاختلاف في الرأي. اليوم، لدينا حكومات غير مبالية بتحقيق حياة كريمة للإنسان العربي، وغير حريصة على تحقيق العدالة الاجتماعية، القائمة على توزيع خيرات الأمة بالتساوي بين كل المواطنين، واستفادة المواطن العربي من ثروات بلاده. فكيف يمكن تحقيق نهضة، وفق مبدأ التعاون العربي، في ظل حكومات غير مستعدة أن ترسي نظاماً عادلاً وحكماً صالحاً، في ظل حكوماتٍ همها الوحيد المحافظة على كرسي الحكم، وتحصين امتيازاتها الخاصة.

المشكلة اليوم، والتي وقفنا عليها بعد ثورات الربيع العربي، أَننا نتوفر على حكوماتٍ، وعلى قياداتٍ، ليست لها إرادة صادقة في الإصلاح، وغير راغبة في النهوض وتجاوز كل المكبّلات والإكراهات التي كانت تحول دون التخلص من واقع الفقر والبطالة والتخلف. فالإصرار على الدخول في الدورة الحضارية الحالية هو اليوم إصرار مفقود. اليوم حال الأمة، في ظل هذه القيادات، مؤسفة للغاية: أميّةٌ مستفحلة، فقرٌ دائم، بطالةٌ متواصلة، تخلّفٌ علمي رهيب، هدرٌ للثروات غير مفهوم، غيابٌ للديموقراطية وللحكم الصالح، وفسادٌ مستشرٍ في كل القطاعات. وهذه كلها حقائق، هي اليوم معوقات تمنع كل تعاون عربي مشترك، وتجعل من النهضة العربية نهضةً لا ترغب في أن تتحقق، أو قل نهضة لا يرغب أصحابها في تحقيقها.

دلالات
E79EE8FE-BAD9-4826-AEC4-E66598554A12
نوفل سلامة

كاتب تونسي