استمرت اللقاءات في الجارة الشمالية للولايات المتحدة، حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وشهدت دفعاً مهماً عبر دخول بابا الكاثوليك، فرنسيس، على خط العلاقات. وذكرت وسائل الإعلام الأميركية، بأن "انتماء البابا إلى أميركا اللاتينية (أرجنتيني)، ساعد على قيامه بدور إنساني مشجّع، إذ كان مهتماً على نحو كبير بحلّ المشكلة الإنسانية للسجناء، تحديداً، مشكلة الأميركي اليهودي آلن غروس، بسبب تاريخه في العمل الخيري".
وأشارت وسائل الإعلام إلى أن "حديث البابا مع أوباما، أثناء لقائهما، في وقتٍ سابق من هذا العام، تمحور حول إعادة ترميم العلاقات الأميركية الكوبية، بما يضمن حلّ المحنة الإنسانية التي يعاني منها السجناء". ووصلت المعلومات عن اللقاءات إلى البابا عن طريق الكرادلة في أميركا، وفقاً للوسائل الإعلامية. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استضاف الفاتيكان بعض الاجتماعات الأخيرة بين الأميركيين والكوبيين، وتمّ وضع اللمسات الأخيرة على صفقة تبادل الجواسيس.
غير أنه لم يُعلن عن الاتفاق، إلا يوم الأربعاء، بعد إجراء أول حديث هاتفي بين رئيس أميركي ورئيس كوبي منذ الثورة الكوبية عام 1959. وبعد الحديث مباشرة تحدث أوباما إلى الشعب الأميركي ليزف النبأ. وقال أوباما في حديثه إنه "شخصيّاً جاء إلى هذه الدنيا بعد عامين من بدء حكم الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو بلاده"، في إشارة لافتة إلى أنه "لا يجب تحميل الأجيال المتلاحقة العبء المتوارث من خصومات أجيال سابقة".
ويبدو أن أوباما أراد تطوير صفقة التبادل عندما وصلت إلى مراحلها الأخيرة، إلى صفقة شاملة لإعادة العلاقات وترميم جروح الماضي. وتضمنت المفاوضات السرية، أربعة اتصالات على مستوى وزيري الخارجية الأميركي، جون كيري، والكوبي، برونو رودريغيز باريلا، شدد خلالها كيري لنظيره الكوبي على أن "مصير مشروع إعادة العلاقات بين البلدين، يتوقف بالدرجة الأولى على مصير المعتقل الأميركي لدى كوبا آلن غروس"، وفقاً لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست".
وقبل أن يعلن أوباما قرار إعادة العلاقات الأميركية الكوبية، منتصف يوم الأربعاء، كانت هناك ثلاث طائرات تحلق في الوقت عينه. فقد أقلعت الطائرة الأولى من مدينة ميامي في ولاية فلوريدا الأميركية إلى العاصمة الكوبية هافانا، حاملة على متنها ثلاثة كوبيين محكوم عليهم بالسجن في الولايات المتحدة منذ عام 2001، بتهمة "التجسس لصالح الاستخبارات الكوبية".
وبالتزامن أقلعت طائرة من الاتجاه المعاكس، حاملة على متنها مواطناً كوبيّاً، لم يُفصح عن هويته، قضى في أحد معتقلات بلاده، ما يقارب العشرين عاماً في قضية تجسس لصالح الاستخبارات الأميركية. أما الطائرة الثالثة فقد غادرت قاعدة أندروز الجوية، في اتجاه أحد المطارات العسكرية الكوبية، وعلى متنها السيناتور الجمهوري الأميركي، جيف فليك، لإحضار غروس، الذي مضى عليه في سجن كوبي حوالي خمس سنوات.
وعندما أصبح غروس حرّاً طليقاً في الأجواء الأميركية، واكتملت عملية تبادل الجواسيس المصاحبة لإطلاقه، تنفست جزيرة كوبا الصعداء، وأصبحت حرة من العزلة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة طوال العقود الماضية.
مع العلم أنه سبق أن أعلن مجلس الدولة في كوبا في ديسمبر/كانون الأول 2011، عن بادرة حسن نية، تُرضي المطالب الأميركية بشأن الحريات، عبر إطلاق سراح 2900 سجين. وعلّق متحدث باسم الخارجية الأميركية، في وقتها، على ذلك بالقول "إذا صحت هذه الأنباء، فإننا نشعر بخيبة أمل عميقة، لأن السجين الأميركي، ألن غروس، لم يكن بينهم. كما نستهجن حقيقة أن الحكومة الكوبية قرّرت ألا تغتنم هذه الفرصة وتوجّه هذه اللفتة الإنسانية بالإفراج عن السيد غروس في موسم الأعياد، ولا سيما في ضوء صحته المتردية، وتضع نهاية للمحنة الطويلة لعائلة غروس".
وفُهم وقتها من البيان الأميركي، أن "أي إجراء يستفيد منه المئات لا يستحق أدنى ثناء إن لم يكن بينهم أميركي"، كما يفهم من احتفاظ الكوبيين بالسجين الأميركي حتى أعياد هذا العام، بأنهم أرادوا عدم التفريط بورقة ثمينة ضاغطة لإعادة العلاقات.
واعتبر بعض المراقبين أن "نجاح إدارة أوباما في إبقاء المفاوضات بشأن صفقة تبادل الجواسيس سرية طيلة 18 شهراً غير مسبوق، لأن واشنطن مدينة لا أسرار فيها". وعزا البعض هذا النجاح إلى أن "البيت الأبيض هو الذي تولى المفاوضات مباشرة وليس وزارة الخارجية".
قبل إعلان أوباما قرار إعادة العلاقات مع كوبا كان هناك ترقب في واشنطن لحدث مهم سوف يعلن عنه البيت الأبيض، توقع البعض أن يكون تاريخيّاً، لكن التكهنات ذهبت بعيداً عن كوبا إلى إيران أو كوريا الشمالية. وهناك من تنبأ بإنجاز يشمل الأزمتين معاً، غير أنه لم يكن أحد مكترثاً بالأزمة مع كوبا، لأن أمدها قد طال وبات الأميركيون يائسين معها من إمكانية إيفاء البيت الأبيض بوعود الرئيس.