05 نوفمبر 2024
لماذا ينقمون على قطر؟
ليس جديدا القول إن دول المنطقة الخليجية كانت تعيش صراعا خفيا لا يخفى على متابعٍ، قبل تفجر أزمة الدول الثلاث مع قطر، وفرضها حصاراً برياً وبحرياً وجوياً وحتى إنسانياً، صراع يعود بالأساس إلى اختلاف الرؤى حيال تعامل تلك الدول مع ملفاتٍ عربية حسّاسة، وهو أمر كان واضحا بشكل لافت حتى قبل اندلاع ثورات الربيع العربي.
في نهاية العام 2008، ومطلع 2009، اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي عرفت باسم الرصاص المصبوب. يومها، نتذكّر كيف سعت قطر من أجل عقد قمة عربية طارئة، القمة التي "كلما اكتمل نصاب دولها نقص من جديد". يومها، أطلق أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة قولته "حسبنا الله ونعم الوكيل"، في تعليقه على مسعى دول خليجية وعربية كانت ترفض عقد تلك القمة، وعلى الرغم من ذلك عقدت قمة غزة بمن حضر.
وما أن جاء الربيع العربي، حتى بات التمايز في طريقة التعامل مع ثوراته سمة بارزة لدول المنطقة الخليجية، فبينما دعمت قطر تلك الثورات التي فاجأت العالم، وجدتها دول خليجية أخرى ثوراتٍ تهدد عروشها وتزلزل كياناتها، فقرّرت دعم الثورات المضادة التي عطلت حركة الربيع العربي، وخرّبت تطلعات شعوبه، وزرعت بذور الفرقة والتشتت والتقسيم، بعد أن كان الجميع يأمل بأن يرى العرب فجر حريتهم من جديد.
كان العام 2014 نقطة مفصلية اخرى في علاقات قطر مع جيرانها الخليجيين الثلاثة، السعودية والإمارات والبحرين، فقد قرّرت هذه الدول سحب سفرائها من قطر، من دون أي سبب منطقي، كما هو الحال اليوم، بغرض ثني قطر عن دعم ثورات الربيع العربي، ولم تكلل تلك الجهود بالنجاح.
دخل اليوم متغير كبير إلى الساحة الخليجية، أسهم كثيرا في دفع الدول الثلاث إلى إعادة الكرة
مع قطر، وهو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تاجر الشنطة الذي يريد ليس دفع قطر خارج حسابات السياسة الإقليمية فيما يتعلق بدعمها حركات التحرّر العربية، وإنما أيضا أن يدفعها خارج ترتيبات المرحلة المقبلة التي يجري الإعداد لها، فهو يدرك، ومعه الدول الخليجية الثلاث، أن قطر لا يمكن لها أن تكون جزءاً من شرق أوسط جديد، يقوم على تصفية القضية الفلسطينية ودعم الأنظمة العربية المستبدة، وفي مقدمتها نظام عبد الفتاح السيسي الذي تلطخت يده بدماء آلاف المصريين، أو نظام خليفة حفتر في ليبيا الذي تهيئه الإمارات، ولا يمكن أن تكون جزءا من صفقة انفصال الجنوب العربي، ومن يدري فربما حتى إعادة تأهيل سفاح سورية بشار الأسد.
قطر التي انتهجت، منذ عقدين وأكثر، سياسات مستقلة، مستمدة من روح الدين الإسلامي وروح القومية العربية، لا يمكن أن تقبل صفقة ترامب، ولا أن تكون جزءا منها. وبالتالي، لا بد من حصار قطر ودفعها إلى التنازل والرضوخ أو عزلها، حتى لا تكون مؤثرة في محيطها العربي، وهذا ما يجري.
يُراد لقطر أن تبقى بعيدة عن ترتيبات المنطقة المقبلة، بما أنها لن تقبل بها، ويُراد لها أن تُسكت قناة الجزيرة، وصحيفة العربي الجديد، وكل إعلام حر دعمته قطر، ليكون نافذةً للوعي لدى الجمهور العربي. يراد من قطر أن تطرد قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تشكل حجر عثرة بوجه صفقة ترامب للمنطقة. والباقي تفاصيل صغيرة، لا تعدو أن تكون حججا واهية.
أما عن تركيا، فالتحالف بين الدولتين بني على توافقٍ في السياسات كبيرٍ جدا، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أنقرة، وعلاقات الدولتين في نمو مضطرد، وصولا إلى عقد اتفاقيات دفاع مشترك بينهما، أثمر عن وصول قوات تركية إلى قطر، عقب اندلاع الأزمة الخليجية، جزءا من اتفاق سابق لإقامة قاعدة تركية في الدوحة.
وهنا، لا بد من التنويه إلى أن تركيا، هي الأخرى، مستهدفة من استهداف قطر، فتركيا لن تقبل بما يجري إعداده بشأن فلسطين، وقد عارضت الثورات المضادة التي قادتها الإمارات، في
مصر وليبيا واليمن، ناهيك عن مواقف الإمارات من تركيا ذاتها، والتي تجلت واضحة في أعقاب المحاولة الانقلابية العام الماضي في تركيا، واتضح أن لأبوظبي دورا كبيرا في دعمها.
كانت تركيا تعلم ذلك، وعلمت أبوظبي أن أنقرة علمت، ما دفع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، إلى زيارة الدوحة، عقب محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، لتتوسط لدى أنقرة للملمة الموضوع، وهو ما قامت به قطر التي يتنكر لها محمد بن زايد، وقد لملمت فضحيته.
الأزمة الخليجية غير قابلة للحل، في ظل الشروط المطروحة. وبالتالي، نحن مقبلون على مزيد من التصعيد، قد يتمثل بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وقد يصل إلى جامعة الدول العربية إذا استطاع "الرز الخليجي" أن يأتي بتأثيره. ولكن، لا بد من التذكير بأن تلك الدول لا تجازف بعلاقتها مع قطر وحسب، وتفتيت ما تبقى من عالم عربي، وإنما تجازف أيضا بوجودها، فالشعوب واعية، وأي محاولة لإسكاتها وإقناعها لا يبدو أنها ستكون مجدية، إذا ما استمرت دول الحصار في سياساتها وارتمائها في حضن عرّاب الشرق الأوسط الجديد، دونالد ترامب.
في نهاية العام 2008، ومطلع 2009، اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي عرفت باسم الرصاص المصبوب. يومها، نتذكّر كيف سعت قطر من أجل عقد قمة عربية طارئة، القمة التي "كلما اكتمل نصاب دولها نقص من جديد". يومها، أطلق أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة قولته "حسبنا الله ونعم الوكيل"، في تعليقه على مسعى دول خليجية وعربية كانت ترفض عقد تلك القمة، وعلى الرغم من ذلك عقدت قمة غزة بمن حضر.
وما أن جاء الربيع العربي، حتى بات التمايز في طريقة التعامل مع ثوراته سمة بارزة لدول المنطقة الخليجية، فبينما دعمت قطر تلك الثورات التي فاجأت العالم، وجدتها دول خليجية أخرى ثوراتٍ تهدد عروشها وتزلزل كياناتها، فقرّرت دعم الثورات المضادة التي عطلت حركة الربيع العربي، وخرّبت تطلعات شعوبه، وزرعت بذور الفرقة والتشتت والتقسيم، بعد أن كان الجميع يأمل بأن يرى العرب فجر حريتهم من جديد.
كان العام 2014 نقطة مفصلية اخرى في علاقات قطر مع جيرانها الخليجيين الثلاثة، السعودية والإمارات والبحرين، فقد قرّرت هذه الدول سحب سفرائها من قطر، من دون أي سبب منطقي، كما هو الحال اليوم، بغرض ثني قطر عن دعم ثورات الربيع العربي، ولم تكلل تلك الجهود بالنجاح.
دخل اليوم متغير كبير إلى الساحة الخليجية، أسهم كثيرا في دفع الدول الثلاث إلى إعادة الكرة
قطر التي انتهجت، منذ عقدين وأكثر، سياسات مستقلة، مستمدة من روح الدين الإسلامي وروح القومية العربية، لا يمكن أن تقبل صفقة ترامب، ولا أن تكون جزءا منها. وبالتالي، لا بد من حصار قطر ودفعها إلى التنازل والرضوخ أو عزلها، حتى لا تكون مؤثرة في محيطها العربي، وهذا ما يجري.
يُراد لقطر أن تبقى بعيدة عن ترتيبات المنطقة المقبلة، بما أنها لن تقبل بها، ويُراد لها أن تُسكت قناة الجزيرة، وصحيفة العربي الجديد، وكل إعلام حر دعمته قطر، ليكون نافذةً للوعي لدى الجمهور العربي. يراد من قطر أن تطرد قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تشكل حجر عثرة بوجه صفقة ترامب للمنطقة. والباقي تفاصيل صغيرة، لا تعدو أن تكون حججا واهية.
أما عن تركيا، فالتحالف بين الدولتين بني على توافقٍ في السياسات كبيرٍ جدا، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أنقرة، وعلاقات الدولتين في نمو مضطرد، وصولا إلى عقد اتفاقيات دفاع مشترك بينهما، أثمر عن وصول قوات تركية إلى قطر، عقب اندلاع الأزمة الخليجية، جزءا من اتفاق سابق لإقامة قاعدة تركية في الدوحة.
وهنا، لا بد من التنويه إلى أن تركيا، هي الأخرى، مستهدفة من استهداف قطر، فتركيا لن تقبل بما يجري إعداده بشأن فلسطين، وقد عارضت الثورات المضادة التي قادتها الإمارات، في
كانت تركيا تعلم ذلك، وعلمت أبوظبي أن أنقرة علمت، ما دفع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، إلى زيارة الدوحة، عقب محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، لتتوسط لدى أنقرة للملمة الموضوع، وهو ما قامت به قطر التي يتنكر لها محمد بن زايد، وقد لملمت فضحيته.
الأزمة الخليجية غير قابلة للحل، في ظل الشروط المطروحة. وبالتالي، نحن مقبلون على مزيد من التصعيد، قد يتمثل بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وقد يصل إلى جامعة الدول العربية إذا استطاع "الرز الخليجي" أن يأتي بتأثيره. ولكن، لا بد من التذكير بأن تلك الدول لا تجازف بعلاقتها مع قطر وحسب، وتفتيت ما تبقى من عالم عربي، وإنما تجازف أيضا بوجودها، فالشعوب واعية، وأي محاولة لإسكاتها وإقناعها لا يبدو أنها ستكون مجدية، إذا ما استمرت دول الحصار في سياساتها وارتمائها في حضن عرّاب الشرق الأوسط الجديد، دونالد ترامب.