لماذا يمرض المصريون؟

23 سبتمبر 2017
هل الدولة تراقب أو حتى مهتمة؟.. بالطبع لا(فرانس برس)
+ الخط -
"المعدة بيت الداء"
اعتدنا صغارًا على قراءة هذه الجملة؛ كواحدة من مأثورات عديدة نجدها مطبوعة على الغلاف الخلفي للكتب المدرسية في مصر. وكأنها رسالة ضمنية مُبطّنة للإنسان المصري؛ تحفر في عقله منذ طفولته المستقبل الذي سيعيشه.

فالواقع أن مصر بلد مريض؛ فلن تجد قوائم الأمراض المزمنة حول العالم خالية من مصر، والتي تبرز في المقدمة دومًا؛ حيث تسجل معدلات مرتفعة في أمراض الفشل الكلوي وأمراض الكبد، والسرطان. المستشفيات الحكومية تزدحم بمرضاها، وبعضه على قوائم انتظاره الآلاف ممن يبحثون عن سرير في العناية المركزة، أو عملية جراحية منخفضة التكاليف.

وللمتأمل في الوضع المتردي لصحة المصريين في معظمهم، يجد أن للغذاء دوراً رئيسيا في شيوع حالة المرض هذه، حتى تكاد تصبح صفة ملتصقة بالمجتمع المصري في وقتنا الحالي. فماذا يأكل المصريون؟

الفول: وما أدراك ما الفول!
التلاميذ الذاهبون إلى مدارسهم، والموظفون الذي يتحضرون ليوم عمل طويل، وطلبة الجامعة قبل دخولهم إلى مدرجات الجامعة، والعُمّال في الصباح الباكر قبل أن يبدأ كل واحد منهم سعيه وراء لقمة العيش. يتلاقى الجميع على عربات الفول، التي تملأ ربوع مصر بامتدادها، وإن ظلَّ للعاصمة القاهرة النصيب الأكبر من الفول. ربما لم يدم اجتماع المصريين- باختلاف تنوعاتهم- على شيء، كما هو الحال مع الفول.


شاع تناول الفول في ربوع مصر، خلال العصر الحديث؛ حتى أصبح الأكلة الشعبية صاحبة الصدارة؛ نظرًا لانخفاض سعره دومًا مقارنة بباقي أنواع الأطعمة المتاعة، والسبب الأهم أنه يستغرق وقتًا طويلًا في المعدة كي يُهضم؛ فيدوم إحساس الشبع والامتلاء ساعات أطول، وهذا يعني المزيد من التوفير.

ولفول العربات طعم مميز عما يُقدَّم في المطاعم، ويفضله الكثيرون عما دونه من أصناف فول المطاعم. كل هذا قبل أن يخرج للنور منذ سنوات تحقيق صحافي عن كيفية إعداد الفول الذي يُباع على العربات، وعن دخول مادة "الإدتا" بكميات كبيرة في عملية طهيه وتجهيزه، وهي في الأساس مادة مُصرَّح بها كمادة لحفظ الطعام، وفي بعض العمليات الغذائية، إلا أن استخدامها بكميات كبيرة قد يكون له تأثير سلبي للغاية على صحة الإنسان؛ مما قد يُسهّل عملية إصابته بالسرطان.

خرج تكذيب من بعض الأطباء لهذه المزاعم، وأكّد آخرون أن استخدامها بكميات كبيرة قد يؤثر بالسلب على صحة الآكلين، ولا أي رد فعل رسمي من الدولة! كأن شيئاً لم يُقل، وكأن صحة ملايين يعتمدون على الفول في إفطارهم، وربما في وجبة الغداء أيضًا، ليست بالأمر المهم.

هل توجد رقابة دورية من الدولة على عملية تحضير فول العربات وطهيه في "المستوقدات"، التي تدفع يوميًا لبطون سكان القاهرة والأقاليم آلاف الكيلوغرامات من الفول المدمس؟.. بالطبع لا، للأسف الشديد.

خطورة استخدام "الإدتا" في تحضير الفول المدمس ليست مؤكدة، ولم يتم نفيها من قِبل جهة معتمدة؛ فالأمر كله أحاديث هنا، وردود من هناك، فهل سمعنا صوتًا رسميًا حتى الآن يخص الموضوع؟.. للأسف لا. ولا يبدو أن هناك نيّة لهذا الأمر في القريب العاجل؛ فالدولة المصرية مشغولة بتنظيم عملية تحية "العلم" في ساحات الجامعات ويا للبؤس!

الحواوشي: حيث كيلو اللحم بـ 30 جنيهاً!
رغيف متوسط الحجم محشو باللحم، وعليه خلطة من البهارات يغلب عليها الفلفل الحار في أغلب الأحيان. والسعر؟ 4 جنيهات في المعتاد!

هذا هو الحواوشي، طعام الفقراء عندما يقررون أن يدخل "اللحم" ضمن غذاء اليوم. الرائحة الشهية والمذاق الممتع لن يساعد عقلك على التوقُّف عن طرح أسئلة تبدو شديدة المنطقية، أولها كيف يكون سعر الرغيف 4 جنيهات، وبه على الأقل (50 إلى 100) غرام من اللحم؟

بحسبة بسيطة نحن نتحدث عن نوع من اللحوم متوسط سعره للكيلو 40 جنيهًا، بينما متوسط سعر كيلو اللحم في مصر لا يقل بأي حال عن 130 جنيهًا!

بالتأكيد المصريون لا يأكلون لحمًا "عاديًا" في أرغفة الحواوشي. على الأقل هذه هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة في الأمر، والمشترون أنفسهم في الغالب يدركون هذا جيدًا، وإن لم يبوحوا به بألسنتهم؛ فالفقير الذي يشتهي أبناؤه مذاق اللحم، لن يتوقف أمام أسئلة بديهية بخصوص نوعية اللحم وطبيعته ومصدره؛ فلو امتلك ثمن كيلو اللحم البلدي العادي لما اشترى لحم الحواوشي المريب.

هل الدولة تراقب أو تتابع أو حتى مهتمة؟.. بالطبع لا! لا يزال العقل مصممًا على طرح أسئلة، بالرغم من منطقيتها تبدو عبثية، مثله مثل سؤال يتردد في ذهني كل مرة، وأنا أقضم من رغيف الحواوشي، عن طبيعة ذلك الحيوان المسكين الذي آكله الآن.
المساهمون