الأذكياء لا يصبحون ضباط شرطة..
بمعنى أدق.. لماذا لا تجذب مؤسسة الداخلية الأمنية المصرية شباباً مثل علاء للانضمام لها؟.. هل أصبح السؤال واضحاً بهذه الصيغة؟.. دعني أخبرك.
هناك ملاحظة واضحة، محايدة وموضوعية. نحن أمام مؤسسة أمنية لا تتمتع بمعدلات "ذكاء" كافية!. الأدلة والبراهين والشواهد كثيرة. لعلك مللت من سماع أخبار التفجيرات المتكررة في أنحاء المحروسة المنحوسة بالقنابل والألغام!.
في المقابل، علاء عبد الفتاح، مثلاً، الناشط المصري المعروف، السجين حالياً (وسابقاً وتالياً) بتهمة التظاهر ضد قانون التظاهر، يبدو وكأنه يتمتع بقدر كاف جداً من الذكاء والمهارة.
علاء، والذين معه، نشطاء ومدونين، تمكنوا خلال السنوات العشر الماضية، من توجيه ضربات قوية جداً للسلطة في مصر بشكل عام. مع مبارك، المجلس العسكري، محمد مرسي، ثم السيسي (عدلي منصور لم يكن حتى يستحق العناء).
عبر الإنترنت، الغرافيتي، توزيع الأوراق في الشوارع، الموسيقى، الصور، الوقفات الرمزية والمسيرات السلمية، أدوات بسيطة جداً، موجعة جداً. قوية جداً. كما أنها ليست عنيفة.
وائل غنيم، مثلاً، من خارج حدود مصر، في غرفة صغيرة بمنزله في دبي، يدشن في 2010 "كلنا خالد سعيد" ويحشد الجماهير للتظاهر ضد الداخلية، مع بقاء هويته مجهولة. هذه مهارة وموهبة وذكاء ومقدرة. ربما هي (كما يبدو) لا تتوافر لدى رجل الشرطة العادي في مصر.
وائل شاب، وكذلك علاء. وغيرهما. وأحلام الطفولة والمراهقة في مصر لا تزال عالقة عند مرحلة "نفسي أطلع ضابط". وهي الفكرة التي يغذيها المجتمع في أطفاله. كونك ضابط شرطة هذا يعني أنك محظوظ. لديك الحق في الثروة والسلطة. حتى وإن كنت غير قادر على حماية الدولة، فالدولة قادرة (وملتزمة) بحمايتك!.
إذن، ما الذي يجعلها مؤسسة غبية إلى هذا الحد؟ وما الذي يجعل الهتاف الأكثر انتشاراً ضدها يعاير ضباطها بمتوسط علاماتهم في دراستهم الثانوية.. 50 ٪ لا أكثر، فيما تحتاج كلية التجارة هذه الأيام إلى ما يزيد عن 75 ٪ ! أن تكون محاسباً في مصر أمر أعقد من أن تصبح ضابط شرطة.. وإن كان الأمر لا يتعلق بالمجموع وحده.
في تسريب أخير لوزير الداخلية قبل الأخير، محمد إبراهيم، الرجل الذي وقف خلف، بل وفي قلب، حفلة 30 يونيو (المعروفة إعلامياً بكونها ثورة)، أفصح عن خطته بشكل واضح حين قال : "الأولوية عندي في التعيين والقبول بكلية الشرطة هي لأقارب الضباط. فإن جاءني شاب حاصل على 80 ٪، وشاب آخر حاصل على 50 لكنه أخ لضابط، فإني أوافق على أخي الضابط وأرفض الشاب صاحب المعدل المرتفع".. منتهى الذكاء..
الأذكياء لا يعملون في وزارة الداخلية إذن. فلا الوزارة ترحب بهم، حيث لم يعد التفوق الدراسي مثلاً (وإن لم يكن يدل على ذكاء) كافياً للانضمام لكلية الشرطة. ولا الشباب الذي تظاهر في ميادين التحرير ضد مبارك ونظامه تتوافر لديهم الرغبة الكافية في أن يصبحوا يوماً رجال شرطة يحفظون الأمن ويسهرون عليه.
علاء ووائل، يحبان مصر. لا شك عندي في هذا على الإطلاق. كل هذا العناء والجهد المبذول دافعه الاهتمام بأمر البلاد ومستقبلها. كلاهما حظي بفرص حقيقية قبل الثورة. علاء في جنوب أفريقيا يعمل في تطوير البرمجيات، ووائل في "غوغل" بوظيفة يحلم بها الشباب حول العالم.
لكن حب البلد، والاهتمام بمستقبلها. ومحاولة عمل شيء مفيد لها. دفعهما إلى الانحياز لما سنعرفه فيما بعد بالثورة.
يبدو لي، حبهما لمصر حب ذكي، حب قادر على تحريكها خطوة للأمام. في مقابل الحب الغبي لرجال الشرطة. حب يحبس مصر، التي قيل عنها يوماً أن لا أحد يملك الحق ولا القدرة على حبسها، لكنهم ما زالوا يحاولون.
الحس الأمني، والدافع الوطني، الذي يحرك رجال الداخلية، فيعتقلون ويضربون ويقمعون، متوافر أيضاً لدى آلاف من شباب الثورة المصرية. بل، أضف إليه قدرة على ابتكار الحلول، والخروج خارج صندوق القمع المعتاد للمؤسسة التي امتازت بالغباء، والفشل.
فقط، فكر معي، لو أن علاء، ووائل، ضابطا شرطة.. تخيل المشهد.. عن نفسي، ستصبح مسألة التحقيق معي مسلية ولطيفة. على الأقل سأعلم وقتها أنني أجلس أمام ضابط ذكي، يحب بلاده بذكاء.
(مصر)
بمعنى أدق.. لماذا لا تجذب مؤسسة الداخلية الأمنية المصرية شباباً مثل علاء للانضمام لها؟.. هل أصبح السؤال واضحاً بهذه الصيغة؟.. دعني أخبرك.
هناك ملاحظة واضحة، محايدة وموضوعية. نحن أمام مؤسسة أمنية لا تتمتع بمعدلات "ذكاء" كافية!. الأدلة والبراهين والشواهد كثيرة. لعلك مللت من سماع أخبار التفجيرات المتكررة في أنحاء المحروسة المنحوسة بالقنابل والألغام!.
في المقابل، علاء عبد الفتاح، مثلاً، الناشط المصري المعروف، السجين حالياً (وسابقاً وتالياً) بتهمة التظاهر ضد قانون التظاهر، يبدو وكأنه يتمتع بقدر كاف جداً من الذكاء والمهارة.
علاء، والذين معه، نشطاء ومدونين، تمكنوا خلال السنوات العشر الماضية، من توجيه ضربات قوية جداً للسلطة في مصر بشكل عام. مع مبارك، المجلس العسكري، محمد مرسي، ثم السيسي (عدلي منصور لم يكن حتى يستحق العناء).
عبر الإنترنت، الغرافيتي، توزيع الأوراق في الشوارع، الموسيقى، الصور، الوقفات الرمزية والمسيرات السلمية، أدوات بسيطة جداً، موجعة جداً. قوية جداً. كما أنها ليست عنيفة.
وائل غنيم، مثلاً، من خارج حدود مصر، في غرفة صغيرة بمنزله في دبي، يدشن في 2010 "كلنا خالد سعيد" ويحشد الجماهير للتظاهر ضد الداخلية، مع بقاء هويته مجهولة. هذه مهارة وموهبة وذكاء ومقدرة. ربما هي (كما يبدو) لا تتوافر لدى رجل الشرطة العادي في مصر.
وائل شاب، وكذلك علاء. وغيرهما. وأحلام الطفولة والمراهقة في مصر لا تزال عالقة عند مرحلة "نفسي أطلع ضابط". وهي الفكرة التي يغذيها المجتمع في أطفاله. كونك ضابط شرطة هذا يعني أنك محظوظ. لديك الحق في الثروة والسلطة. حتى وإن كنت غير قادر على حماية الدولة، فالدولة قادرة (وملتزمة) بحمايتك!.
إذن، ما الذي يجعلها مؤسسة غبية إلى هذا الحد؟ وما الذي يجعل الهتاف الأكثر انتشاراً ضدها يعاير ضباطها بمتوسط علاماتهم في دراستهم الثانوية.. 50 ٪ لا أكثر، فيما تحتاج كلية التجارة هذه الأيام إلى ما يزيد عن 75 ٪ ! أن تكون محاسباً في مصر أمر أعقد من أن تصبح ضابط شرطة.. وإن كان الأمر لا يتعلق بالمجموع وحده.
في تسريب أخير لوزير الداخلية قبل الأخير، محمد إبراهيم، الرجل الذي وقف خلف، بل وفي قلب، حفلة 30 يونيو (المعروفة إعلامياً بكونها ثورة)، أفصح عن خطته بشكل واضح حين قال : "الأولوية عندي في التعيين والقبول بكلية الشرطة هي لأقارب الضباط. فإن جاءني شاب حاصل على 80 ٪، وشاب آخر حاصل على 50 لكنه أخ لضابط، فإني أوافق على أخي الضابط وأرفض الشاب صاحب المعدل المرتفع".. منتهى الذكاء..
الأذكياء لا يعملون في وزارة الداخلية إذن. فلا الوزارة ترحب بهم، حيث لم يعد التفوق الدراسي مثلاً (وإن لم يكن يدل على ذكاء) كافياً للانضمام لكلية الشرطة. ولا الشباب الذي تظاهر في ميادين التحرير ضد مبارك ونظامه تتوافر لديهم الرغبة الكافية في أن يصبحوا يوماً رجال شرطة يحفظون الأمن ويسهرون عليه.
علاء ووائل، يحبان مصر. لا شك عندي في هذا على الإطلاق. كل هذا العناء والجهد المبذول دافعه الاهتمام بأمر البلاد ومستقبلها. كلاهما حظي بفرص حقيقية قبل الثورة. علاء في جنوب أفريقيا يعمل في تطوير البرمجيات، ووائل في "غوغل" بوظيفة يحلم بها الشباب حول العالم.
لكن حب البلد، والاهتمام بمستقبلها. ومحاولة عمل شيء مفيد لها. دفعهما إلى الانحياز لما سنعرفه فيما بعد بالثورة.
يبدو لي، حبهما لمصر حب ذكي، حب قادر على تحريكها خطوة للأمام. في مقابل الحب الغبي لرجال الشرطة. حب يحبس مصر، التي قيل عنها يوماً أن لا أحد يملك الحق ولا القدرة على حبسها، لكنهم ما زالوا يحاولون.
الحس الأمني، والدافع الوطني، الذي يحرك رجال الداخلية، فيعتقلون ويضربون ويقمعون، متوافر أيضاً لدى آلاف من شباب الثورة المصرية. بل، أضف إليه قدرة على ابتكار الحلول، والخروج خارج صندوق القمع المعتاد للمؤسسة التي امتازت بالغباء، والفشل.
فقط، فكر معي، لو أن علاء، ووائل، ضابطا شرطة.. تخيل المشهد.. عن نفسي، ستصبح مسألة التحقيق معي مسلية ولطيفة. على الأقل سأعلم وقتها أنني أجلس أمام ضابط ذكي، يحب بلاده بذكاء.
(مصر)