لماذا لم يعد هناك ساكي آخر في الكرة الإيطالية؟

01 نوفمبر 2014
حقبة ساكي كانت الأفضل للكالتشو
+ الخط -


تعيش الكرة الإيطالية فترات صعبة خلال السنوات الأخيرة، وتقدم فرق الكالتشو أداءَ سلبياً للغاية خلال المنافسات الأوروبية وبالأخص دوري الأبطال، ويكفي المستوى السيئ ليوفنتوس في بطولة ذات الأذنين، بالإضافة إلى سباعية روما أمام بايرن ميونخ، وخروج نابولي مبكراً أمام أتلتيك بلباو بمرحلة التصفيات، مع غياب الفارس الإيطالي الأشهر على الإطلاق في المسابقات الأوروبية، ميلان لا يلعب في التشامبيونز، وهذا الأمر في حد ذاته يُحدث مزيداً من الشكوك حول مستقبل اللعبة في بلاد الباستا.

وبعيداً عن النواحي المالية والعوائد التلفزيونية وكل تفاصيل الحالة الاقتصادية، فإن الكرة الإيطالية تعاني كثيراً على المستويين الفني والتكتيكي بالفترة السابقة، ولم يستمر الزخم القديم الذي فقد الكثير من بريقه، لتنتقل السطوة إلى دوريات وبطولات أخرى، ويتم سحب مقعد من البطولة المحلية خلال منافسات الأبطال، ويصبح الدوري الألماني في مرتبة أفضل وفق التصنيفات الأخيرة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم.

لم يعد هناك ساكي
وخلال حديث قريب لأريجو ساكي، المدرب حليق الرأس الذي فاز بكل شيء مع ميلان، وصنع لنفسه ولفريقه اسماً غير قابل للتقليل داخل الأوساط الكروية المحلية والعالمية، تحدث المدير الفني القديم عن نوعيات المدربين، ووضع مجموعة من التصنيفات للمدراء الفنيين بالوقت الحالي، وقسّمهم إلى ثلاثة أقسام.

القسم الأول، يخص النوع الذي يتعلق بالماضي، ولا يملك أي فرص للتجديد أو محاولة إضافة الجديد، وهذه الدائرة يتواجد بداخلها معظم المدربين في الأيام الحالية. بينما القسم الثاني، يخص المدربين الذين يمتازون بالطموح الحقيقي لكن بدون قناعة قوية وثبات يُحّول الأحلام إلى واقع ملموس داخل الملعب، أما القسم الثالث والأخير، فيخص النوعية التي تجمع بين الإقناع والإمتاع، وتضم القناعة إلى التعصب في قالب يقودهم إلى الابتكار.

ويبدو أن تصريحات ساكي الأخيرة لا تشمل أي مدرب إيطالي في الساحة الحالية، خصوصاً على صعيد المستوى والتقسيم الثالث للمدربين، لأن كل التوليفة الموجودة تفتقر إلى الخيال والابتكار، وحتى كونتي المدرب الحالي للمنتخب والسابق ليوفنتوس، والذي صنع اسماً مميزاً مع السيدة العجوز محلياً، ما زال بعيداً عن النقلة الحاسمة إلى الطبقة الأعلى من قائمة الأفضل على الإطلاق.

كرة الخوف
وحينما تم سؤال ساكي عن الواقع الأليم الذي يخص الكرة الإيطالية، أكد المدرب بأن ما يفتقده الطليان يدور حول الشجاعة، وذلك لأن الكرة السلبية هي المسيطرة على كافة الأجواء. "كرة القدم الإيطالية هي كرة الخوف، نهاجم بلاعبين وندافع بعشرة، الشبّان يبقون على مقاعد البدلاء والناس لا تأتي إلى الملاعب"، مدرب ميلان السابق في حوار قديم مع موقع فيفا العالمي، يضع النقاط على الحروف فيما يخص تدهور مستوى الكالتشو.

وإذا وضعنا هذه الكلمات تحت المجهر، سنجد أن معظم الأندية الإيطالية لا تجيد بناء الهجمة من الخلف، وتجد صعوبة بالغة في إخراج الكرة إلى الأمام، بالإضافة إلى افتقادها إلى الجماعية والانسجام أثناء التحولات، لذلك تلعب الغالبية بخمسة مدافعين في الخلف، وثلاثي إلى رباعي بالوسط، مع مهاجم صريح يسانده لاعب آخر، أي مجموعة تدافع بمفردها، ومجموعة أخرى اقل في العدد والعتاد تهاجم بمفردها.

وخلال القمة الأخيرة بين يوفنتوس وروما، كانت الأجواء مشتعلة للغاية، قياساً لأهم فريقين بالكالتشو خلال العام الحالي، ولعب روما بضغط عالٍ بينما عرف اليوفي من أين تؤكل الكتف، لكن تزايدت التساؤلات حول مدى تطور أندية القمة في الدوري الإيطالي، خصوصاً مع فشل ضغط روما العالي أمام كبار القارة العجوز، واستمرار عجز اليوفنتوس أوروبياً بسبب غياب التوازن بين الدفاع والهجوم، والإصرار على أنظمة تكتيكية قديمة وغير مستحدثة، لذلك من كونتي إلى أليجري، بقي الوضع على ما هو عليه.

"الساكية"
ليس كل مدرب لكرة القدم يعتبر ساكي، مصطلح "الساكية" له بعض المتطلبات والشروط، أن تعمل وتفكر وتدرس وتعيش كرة القدم وكأنها حياة خاصة بمفرداتها ومعانيها وكل ما يخصها. أن تحاول إيجاد شيء جديد لم يصل إليه أحد من قبل، أو تصنع فكراً ثورياً ينقل اللعبة إلى مستوى أعلى، ليس بالضرورة أن تحصل على عدد معيّن من البطولات، ربما كبير وربما قليل، لكنك في نهاية المطاف ستوجد أسلوب لعب يضيف إلى التكتيك رونقاً آخر ومعنى جديداً.

كابيلو مدرب كبير، حصل مع ميلان على بطولات عديدة وفاز مع يوفنتوس وريال مدريد وفرق أخرى، لكنه في النهاية لا يوضع في مرتبة واحدة مع أريجو. فابيو مدير فني ناجح ويلعب وفق أدوات الفوز، أما ساكي فهو شخص يصنع تكتيكه الخاص الذي يأتي بعده الفوز، وهنا الفرق بين المدرب أو المدير الفني وبين المبتكر التكتيكي في زيّ المدرب.

ضغط المنطقة Zonal Pressing أسلوب استخدمه أكثر من فريق بعد ميلان ساكي لكن وفق حدود خاصة أي أصبحت فكرة الضغط العالي من فوق الملعب حتى نهايته أمر في غاية الصعوبة وأصبح الضغط أقرب إلى الشكل الفردي أو سياسة التحليق. أي لاعب يضغط على حامل الكرة وتعاونه مجموعة لاعبين متوزعين على مناطق ومراكز الملعب، صحيح هذا النوع من الضغط يعتبر قوياً في إغلاق كافة المنافذ أمام المرمى، لكنه يفتقر إلى التناغم الجماعي.

لاعب واحد يضغط في مكان وآخر في مكان ثان، وإذا قام ثلاثة لاعبون بالضغط في مركز واحد فسيكون هناك مركز آخر فارغ وبالتالي أصبحت الفكرة صعبة للغاية لأنها تفتقر إلى مبادئ لعب ساكي الخاصة بوحدة الفريق وبالتحرك داخل الملعب مثل سرب الطيور الجامح في السماء.

الكرة الإيطالية خرجت من رحم الحروب التي لا تنتهي لأمة تعبت كثيراً من الصراعات، أما الكرة الهولندية فهي إنسانية إلى حد كبير وخاصة بالمتعة والفرجة، بينما كرة ساكي بمثابة وميض الضوء الذي هزم الفردية وانتصر للجماعية وكأنها مرآه تعكس كمية العمل الشاق الذي بذل من أجل الوصول إلى هذا المستوى المبهر من الكرة، لذلك محاولة تكراره أو استنساخه تتطلب عوامل عديدة، لا تخص المال فقط، ولكن تحتاج إلى ثورة بالعقل أولاً.

المساهمون