لماذا لا يثور المصريون؟
أما على المستوى السياسي فحدّث ولا حرج. ظلمات بعضها فوق بعض؛ حيث تعدّ هذه المرحلة أسوأ مرحلة قمع سياسي في تاريخ مصر الحديث، وفقًا للمنظمات الحقوقية، فقد تمت مصادرة الحياة السياسية لصالح النظام، وإلغاء كل الحقوق المدنية والسياسية، وتزوير كل الاستحقاقات الانتخابية منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، وتم التعامل مع المعارضين السياسيين بكل الوسائل المتاحة ما عدا الإنسانية منها. من اعتقالات وإخفاء قسري وتعذيب وقتل خارج إطار القانون، دون رقيب ولا حسيب، ومن كل الأطياف السياسية سواء أكانت أحزابًا أو حركات أو ناشطين. "بالعربي مخلّاش"، وحتى من داخل النظام ذاته، معلنًا أنه ليس هناك أي مجال لأية محاولات إصلاحية حتى لو كانت من داخل النظام. فقد أعلن السيسي أن كل من تسوّل له نفسه بمعارضته أو محاولة منح أي بصيص من الأمل فسوف "يشيله من على الأرض شيل"، على حد تعبيره، متوعدًا المصريين بمزيد من التقشف وأنهم "لسه مشفوش حاجة"! والعياذ بالله
فُرضت الهيمنة الكاملة وغير المسبوقة على كل المؤسسات والسلطات الموجودة في الدولة.. من تشريعية وقضائية وتنفيذية وإعلامية ودينية، عائدين بنا إلى الخلف عقودًا إلى الوراء نحو هاوية سحيقة جعلت الناس تترحم على أيام مبارك وسني حكمه العجاف التي ثار عليها المصريون في 2011.
ويبقى سؤال المقال: لماذا لا يثور المصريون؟ إلى الآن رغم كل الكوارث غير المسبوقة بفعل سياسات الترويع والتجويع التي يمارسها النظام، فقد أصبح المصريون مهددين في كل شيء حتى قطرة المياه، مما يعني أن بقاء هذا النظام أصبح قضية حياة أو موت للأمة المصرية. وللإجابة عن هذا السؤال سوف أقوم بإعادة صياغته مرة أخرى ليصبح متى يثور المصريون؟
سيثور المصريون عندما يجدون اصطفافًا ثوريًا لكل قوى المعارضة في الداخل والخارج.
سيثور المصريون عندما تكون هناك خطة واضحة ورؤية استراتيجية لدى قوى المعارضة للخروج والتغلب على هذا النظام.
سيثور المصريون عندما تكون قوى المعارضة قادرة على خلق حالة من الوئام الوطني والديني بين أطياف الشعب المختلفة.
سيثور المصريون عندما يشعرون أن تلك القوى هدفها الأساسي حلّ مشاكلهم، وليس مجرد الوصول للسلطة لتحقيق أجنداتها الذاتية.
خلاصة القول إنه لا ثورة بلا اصطفاف قادر على قيادة الجماهير، والتاريخ شاهد على ذلك فكل الثورات التي كُتب لها النجاح كان الاصطفاف الثوري وتجنّب الخلاف هو منهجها وسلاحها الأساسي في مواجهة النظام الديكتاتوري، فطبيعة المظاهرات ومشاركة شرائح المجتمع المختلفة فيها وإزالة أي صبغة محددة للثوار وذلك بعدم رفع أي مطالب خاصة بحزب أو تيار أو جماعة بعينها عامل مهم جدا لنجاح الثورة وذلك لعدم قدرة الأجهزة الأمنية على قمعها خصوصا إذا حظيت بتأييد ومشاركة من قبل طبقة العمال والفلاحين ورجال الأزهر والشيوخ والعلماء، وهذا يتطلب العمل على خلق وعي جمعي تجاه ضرورة الثورة على النظام الموجود، ثم قيادة الجماهير نحو التغيير وبناء الدولة.
وفي الحقيقة لم تنتكس الثورة إلا بسبب عدم قدرة النخب على إدارة الاختلاف وعجزها عن صناعة التوافق فيما بينها ومن هذا المنطلق استطاع الانقلابيون أن يجدوا سبيلا للوصول إلى الناس وتشوية الثوار والنخب واللعب على آلامهم واحتياجاتهم الآنية، فاستطاع الانقلابيون كسب تعاطف الكثير من فئات المجتمع خصوصًا من الفقراء والبسطاء وغير المتعلمين عبر إطلاق مقولة "ان البلد دي مينفعهاش غير عسكري" لكي ترسخ في العقول ويرددها العامة دون وعي لتصبح جزءا من رؤيتهم للخلاص، عبر الوصول اليهم إعلامياً واجتماعيا وتبني مطالبهم بشكل مؤقت وهو ما خلق بيئة مناسبة للانقلاب العسكري.