لماذا لا تتجسّس الجزائر على إسرائيل؟

14 فبراير 2017

جزائريون يتضامنون مع غزة إبان العدوان الإسرائيلي (25/7/2014/فرانس برس)

+ الخط -
لأنّها إسرائيل التي ترى بكل بلاد العرب والمسلمين عدواً لها، بما فيها التي وقعت معها اتفاقيات سلام، فإنّها توّظف إمكاناتها وطاقتها وخبراتها للتجسّس عليهم جميعاً، ولا تكتفِي إسرائيل بجمع المعلومات الأمنية للحفاظ على أمنها، بمقدار ما تهدف إلى خلخلة أمن الآخرين، وزلزلة حصونهم السرية، حتى صار لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) شهرة دولية، وشهوة أمنية يوظفها في إثارة الفتن هنا، أو في شراء النفوس هناك، بل وصل خبث المخابرات الإسرائيلية إلى حدّ التجارة بالمعلومات الأمنية، وبيعها بمقابل مالي أو تأييد سياسي، ولا سيما بعد أن تأكد لقادة إسرائيل أنّ الخبرة الأمنية في بلاد الشرق أكثر جدوى من الخبرة التكنولوجية.
قبل أيام، كشفت وسائل إعلام مختلقة عن نجاح أجهزة الأمن الجزائرية في تفكيك شبكة تجسّس دولية تعمل لصالح إسرائيل، وفي حوزتها معدات حساسة ووسائل اتصال متطوّرة جداً. وقبل ذلك، نسبت وسائل إعلام إسرائيلية إلى الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال شلومو غازيت قوله، إن إسرائيل حصلت على تسجيلات القمة العربية الخاصة التي عقدت في المغرب عام 1965 لبحث جاهزية العرب لمحاربة إسرائيل. وقبل أيام، نجح "الموساد" الإسرائيلي في اختراق أسوار تونس، وقام بتصفية المهندس الطيار محمد الزواري. وقبل سنوات، اخترق الموساد الإسرائيلي إمارة دبي، وقام بتصفية الشهيد محمود المبحوح.
أين الأجهزة الأمنية العربية، بقبضتها الفولاذية، من هذا الاختراق الإسرائيلي خزائن الأسرار؟ ألا يمثل التجسّس على الدول العربية عدواناً يستوجب الرد بالمستوى نفسه من الفعل، إن لم يكن أكثر، أم صار الإعلان عن إحباط شبكة تجسّس إسرائيلية هو الرد، وصارت إدانة نتائج عمل الموساد الإرهابي هو الرد، وكفى الله قادة الأمة العربية جهد التجسّس على إسرائيل، والتسلّط على حياتها الأمنية، وإشغالها بنفسها؟
لا تكلّ إسرائيل التي ترى بالإنسان العربي عدوها الأول عن العمل ضده بكل المستويات، وهي حريصة على تدميره، وتشويه صورته، وإفراغه من مضمونه الحضاري والإنساني. لذلك، تتجسس إسرائيل على الإنسان العربي بشكل يفوق تجسّسها على الحكومات، وتحاول اختراق المجتمعات العربية، بهدف الإيقاع بنخبهم، وإفساد حياتهم، وإغراقهم بالفتن، وإشغالهم بهمومهم اليومية، من منطلقات عدوانية، تفترض أنّ أسهل طريقة للدفاع عن أمن إسرائيل هي الهجوم الأمني على أقصى نقطة وعي، تتحصن فيها الشعوب العربية.
الهجوم الأمني الإسرائيلي المتواصل على الشعوب العربية، والذي يعكس قلق الإسرائيليين على مستقبلهم، يشير، في الوقت نفسه، إلى اطمئنان إسرائيل على أمنها الداخلي، فراحت تتطلع إلى الخارج، مستغلةً انشغال العرب بأنفسهم، مستعينة بوسائل التقنية الحديثة، ولسان حالها يقول: طالما قد أمنت العقوبة، فلماذا لا نسيء الأدب مع الصغير والكبير في بلاد العرب!
هل ترى الأجهزة الأمنية العربية بإسرائيل عدواً لكلّ العرب، تماماً مثلما ترى إسرائيل بكل ما له علاقة بالبلاد العربية خطراً على الوجود الإسرائيلي؟ ألا تستفز محاضرة مدير معهد أبحاث الأمن القومي، عاموس يادلين، الإسرائيليّ كل العرب، وهو يقول: إنّ شعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيلية تمكّنت من نشر شبكات جمع معلومات في تونس وليبيا والجزائر والمغرب والسودان، وإن هذه الشبكات قادرة على التأثير السلبيّ أو الإيجابيّ في جميع المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وإنّ مصر هي الملعب الأكبر والأهم لنشاطات المُخابرات الإسرائيليّة، حيث تمّ إحداث اختراقاتٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ واقتصاديّةٍ وعسكريّة في أكثر من موقع؟".
وإلى أن تفيق الأمة العربية، وتبادر بالهجوم الأمني على إسرائيل، سيظل قادة الصهاينة هم السباقون، حتى وهم يقلبون صفحات الأدب العربي، ويقرأون بيت الشعر: ومنْ لم يذدْ عن حوضهِ بسلاحهِ يُهَدّم/ ومن لا يظلمُ الناسَ يُظلمِ.
ملاحظة: هنالك قبر قديم، يقع في نهاية الطريق الواصل بين مدينتي القدس وأريحا، ذلك القبر المقدس لدى اليهود المتدينين، يطلقون عليه اسم "قبر رحاب الزانية"؛ وهي امرأة كنعانية تجسّست على أهلها لصالح اليهود، فأقاموا لها قبراً من دون بني قومها، في رسالةٍ لها أفق أمني لكل أولئك المتعاونين مع الإسرائيليين في العصر الراهن!
دلالات
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة