13 نوفمبر 2024
لماذا قمم مكة؟
تشهد مكة في اليومين المقبلين انعقاد ثلاث قمم، اثنتان منها دعت إليهما السعودية، خليجية وعربية طارئتان، دعا إليهما ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، وستعقدان على التوالي غداً وبعد غد. أما الثالثة فهي القمة الإسلامية العادية الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي التي ستلتئم تحت رئاسة العاهل السعودي. وتأتي هذه القمم متزامنة في الوقت، وفي شهر رمضان المبارك، وفي المكان نفسه (مكة المكرمة). ولكليهما، الزمان والمكان، رمزيتهما المقدسة عند العرب والمسلمين. وتعقد القمم الثلاث في ظرفية إقليمية ودولية حساسة، تتميز بتصاعد التوتر في المنطقة، وارتفاع دقات طبول الحرب، وانتشار النزاعات والخراب في أكثر من دولة عربية وإسلامية، وحالة من الفوضى والاضطرابات واللا استقرار تعيشها دول أخرى، وفي ظل واقع من التشرذم والتفرقة والصراعات غير المسبوقة في تاريخ المنطقة.
والأكيد أن القمم العربية والإسلامية لم تعد تصنع الحدث، وانعقادها مثل غيابها لم يعد يعني شيئاً، ولا يغيّر أي شيء من واقع الحال، وقد تحوّل أغلبها إلى منصّات خطابة مملة، أهم ما فيها الطرائف والقفشات التي تتصيّدها كاميرات المصورين لرؤساء يغطون في النوم، وآخرين يتهجون خطاباتٍ لم يكتبوها، وأحياناً لا يفقهوها. ومنذ سيطرت السعودية والإمارات على مؤسسة القمة العربية، تحولت اجتماعاتها إلى جلسات تسجيل للمصادقة على قرارات جاهزة مملاة من الفوق.
وما هو معلوم أن الدعوة السعودية إلى القمتين العربيتين تأتي بعد استهداف سفن تجارية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي، وقصف الحوثيين اليمنيين مضخات نفط سعودية، وفي سياق توتر
إقليمي يتميز بقرع طبول الحرب بين إيران والولايات المتحدة، واتساع رقعة الحرب في اليمن، لتطاول السعودية والإمارات، واستمرار الحربين المدمرتين في سورية وليبيا.. ومن الآن، وحتى قبل أن تلتئم القمتان، يمكن استشراف بعض ما ترجوه الدولة المضيفة من الدعوة إليهما. إذ يبدو واضحاً أن ما تهدف إليه السعودية من دعوتها هذه إعادة "حشد" الدول العربية التي تدور في فلكها خلف حروب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومغامراته، وخصوصاً جبهته الجديدة ضد إيران التي نجحت من خلال أذرعها في المنطقة في أن تقصف عمق التراب السعودي، وتستهدف مواقع استراتيجية وقطاعات حسّاسة في السعودية والإمارات.
ولكن قبل أن تطلب السعودية من الدول العربية والإسلامية أن تدعم سياستها الجديدة التي ينهجها ولي عهدها المغامر، والتي جعلت السعودية طرفاً في حروبٍ مدمرة، وشريكاً في مؤامراتٍ تحاك ضد أنظمة وشعوب دول عربية، وممولاً خططاً تهدف إلى تقسيم المنطقة وتمزيقها، بعدما كانت مرجعاً وحضناً وأرضاً للسلام واللقاء والمصالحات، حريّ بالدول العربية المشاركة في القمتين أن تطلب من مضيفها التوقف لحظةً لإعادة التفكير، ومراجعة أخطاء تلك السياسات المدمرة وآثارها السلبية، ليس فقط على السعودية، وإنما على المنطقة، وعلى كل ما ترمز إليه الأرض التي تعقد عليها هذه القمم من قيم مشتركة وأماكن مقدسة.
سعت السعودية، طوال السنوات الماضية، إلى بناء تحالفات عربية وإسلامية، عسكرية وغير عسكرية، وكلها فشلت، وبعضها ولد ميتاً، بسبب السياسات المتهورة لولي العهد وشريكه في
المغامرات نفسها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد. وإذا كانت السعودية جادّة هذه المرة في بناء تحالفاتٍ حقيقية، عليها أولاً أن تعيد النظر في سياستها في المنطقة، وأن تبدأ بالإعلان عن وقف حربها المدمّرة في اليمن، وأن ترفع حصارها على قطر، وتوقف حربها الإعلامية المستفزة ضد إيران، والمحرضة لأميركا من أجل إشعال حربٍ في المنطقة، وأن توقف كل تعاون معلن أو غير معلن مع إسرائيل، وتصدر موقفاً رافضاً وواضحاً مما تسمى صفقة القرن، وتعلن مقاطعة مؤتمر تسويق هذه "الصفقة" في البحرين، وتوقف تدخلها في شؤون دول أخرى، مثل ليبيا والسودان، وتترك شعوب الدول العربية الأخرى تقرّر مصيرها بنفسها، وتسمع مناشدات كل من يدعوها إلى الإفراج عن عشرات معتقلي الرأي في سجونها المهدّدين بقطع رؤوسهم في كل لحظة، عندما تصدر أحكامهم الجاهزة.
قمم مكة ستكون بلا معنى وبلا هدف، إذا التأمت فقط لتزكية السياسات نفسها التي أدّت إلى تمزيق المنطقة وتدمير دولها وتشريد شعوبها، ولكنها يمكن أن تتحوّل بارقة أمل، تمنح السعودية طوق النجاة الذي تحتاجه اليوم لإنقاذها ممن اختطف زمام الأمور داخلها، وحوّلها إلى مصدر حروب وخراب، بعدما كانت أرضاً للسلم والحوار.
على قمم السعودية أن تتوجه إلى المستقبل إذا أرادت فعلاً أن تكون ناجحة، وأن تستجيب إلى ما تريده منها أغلب دول المنطقة وشعوبها في العالمين العربي والإسلامي، وقد اختزله الشعار الذي وضعته منظمة التعاون الإسلامي لقمتها العادية، "يداً بيد نحو المستقبل"، فالسعودية قادرة، بما لها من ثقل مادي ومالي ونفوذ معنوي ومرجعيات دينية ورمزية، أن تقود دول العالمين العربي الإسلامي وشعوبهما إلى واقع أفضل مما هو قائم. ولكنها لا يمكن أن تدعو ضيوفها إلى وضع اليد في اليد، وهي وغيرها من الدول تضع يداً في يد أعداء الأمة، وتطعن باليد الأخرى ظهور دولٍ تشترك معها في القيم والدين واللغة، وتتقاسم معها التاريخ والجغرافيا نفسيهما.
وما هو معلوم أن الدعوة السعودية إلى القمتين العربيتين تأتي بعد استهداف سفن تجارية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي، وقصف الحوثيين اليمنيين مضخات نفط سعودية، وفي سياق توتر
ولكن قبل أن تطلب السعودية من الدول العربية والإسلامية أن تدعم سياستها الجديدة التي ينهجها ولي عهدها المغامر، والتي جعلت السعودية طرفاً في حروبٍ مدمرة، وشريكاً في مؤامراتٍ تحاك ضد أنظمة وشعوب دول عربية، وممولاً خططاً تهدف إلى تقسيم المنطقة وتمزيقها، بعدما كانت مرجعاً وحضناً وأرضاً للسلام واللقاء والمصالحات، حريّ بالدول العربية المشاركة في القمتين أن تطلب من مضيفها التوقف لحظةً لإعادة التفكير، ومراجعة أخطاء تلك السياسات المدمرة وآثارها السلبية، ليس فقط على السعودية، وإنما على المنطقة، وعلى كل ما ترمز إليه الأرض التي تعقد عليها هذه القمم من قيم مشتركة وأماكن مقدسة.
سعت السعودية، طوال السنوات الماضية، إلى بناء تحالفات عربية وإسلامية، عسكرية وغير عسكرية، وكلها فشلت، وبعضها ولد ميتاً، بسبب السياسات المتهورة لولي العهد وشريكه في
قمم مكة ستكون بلا معنى وبلا هدف، إذا التأمت فقط لتزكية السياسات نفسها التي أدّت إلى تمزيق المنطقة وتدمير دولها وتشريد شعوبها، ولكنها يمكن أن تتحوّل بارقة أمل، تمنح السعودية طوق النجاة الذي تحتاجه اليوم لإنقاذها ممن اختطف زمام الأمور داخلها، وحوّلها إلى مصدر حروب وخراب، بعدما كانت أرضاً للسلم والحوار.
على قمم السعودية أن تتوجه إلى المستقبل إذا أرادت فعلاً أن تكون ناجحة، وأن تستجيب إلى ما تريده منها أغلب دول المنطقة وشعوبها في العالمين العربي والإسلامي، وقد اختزله الشعار الذي وضعته منظمة التعاون الإسلامي لقمتها العادية، "يداً بيد نحو المستقبل"، فالسعودية قادرة، بما لها من ثقل مادي ومالي ونفوذ معنوي ومرجعيات دينية ورمزية، أن تقود دول العالمين العربي الإسلامي وشعوبهما إلى واقع أفضل مما هو قائم. ولكنها لا يمكن أن تدعو ضيوفها إلى وضع اليد في اليد، وهي وغيرها من الدول تضع يداً في يد أعداء الأمة، وتطعن باليد الأخرى ظهور دولٍ تشترك معها في القيم والدين واللغة، وتتقاسم معها التاريخ والجغرافيا نفسيهما.