18 فبراير 2020
لماذا فشل الانقلاب؟
يبدو أن قاعدة أن الجيش يحمي الدستور، والدستور يحمي الجيش، لم تعد قائمةً في تركيا بعد فشل الانقلاب العسكري أخيراً، كما كان الأمر بالنسبة لانقلابات أعوام 1960 و1971 و1980، والانقلاب الأبيض ضد الراحل نجم الدين أربكان عام 1997، إذ أظهرت تركيا، حكومةً ومعارضةً، صلابةً بارزةً في مواجهة الانقلاب الذي قاده بعض القادة العسكريين المغامرين، كما توحي بذلك نتيجته. السؤال الأساسي الذي يطرحه الجميع، هو لماذا فشل الانقلاب؟ ثمة أسباب كثيرة لذلك، لعل أهمها:
أولاً، أن المؤسسة العسكرية التركية اليوم لم تعد كما كانت من لون واحد، إذ لم تعد مهمتها الوحيدة الحفاظ على الأسس العلمانية للجمهورية التركية، بقدر ما أصبحت مؤسسةً وطنيةً فوق أيدولوجية، والأدق أن الانقسام، في هذا المجال، بات من طبيعة المؤسسة، بين من يقف مع الرئيس أردوغان ومن يحاول الاستمرار في النهج السابق.
ثانياً، من قاموا بالانقلاب ضد أردوغان، كانوا ضباطاً من الدرجة الثانية، خلافاً للانقلابات السابقة التي كان يقودها رؤساء أركان الجيش وكبار قادة الجيوش.
ثالثاً، طبيعة المؤسسة العسكرية تغيرت في عهد أردوغان، حيث باتت قوات الأمن والشرطة هي التي تدير أمن المدن، خلافاً للمرحلة السابقة، حين كان الجيش هو سيد الموقف، وله كلمة الفصل، ولعل الذين أفشلوا الانقلاب على الأرض هم من قوات الشرطة والأمن التي واجهت على الأرض القطاعات العسكرية التي قادت الانقلاب، وكانوا من صفوف القوات الجوية والبرية بالدرجة الأولى.
رابعاً، الإصلاحات العسكرية التي قام بها أردوغان، في السنوات الأخيرة، كانت سبباً في إفشال الانقلاب، إذ إنه، ومن خلالها، نجح في إبعاد الجيش من داخل المدن، وتسليم مهمة الأمن فيها إلى قوات الشرطة والأمن، بعد أن أتبع قوات الشرطة والأمن إلى وزارة الداخلية، خلافا للمراحل السابقة، عندما كانت هذه القوات تابعة لرئاسة الأركان أو وزارة الدفاع.
خامساً، لم يكن لقادة الانقلاب برنامج سياسي محدّد وعمق شعبي. وعليه، عندما حصل الانقلاب لم نجد قوى سياسية أو أحزاباً تنزل للشارع وتعلن تأييدها الانقلاب، بل حتى إن الانقلابيين لم يفصحوا عن برنامجهم السياسي، على الرغم من مضي ساعاتٍ على بدء الانقلاب.
سادساً، خلافا للانقلابيين، قادت الحكومة التركية برنامجاً عملياً وسياسياً ناجحاً في مواجهة الانقلاب، تمثلت في دعوة الجماهير للخروج إلى الشارع، لإفشال الانقلاب، وتجريد قادته من أي بعد شعبيٍّ، أو جماهيري، أو سياسي. وهكذا بدا الانقلابيون مجموعة من المغامرين الفاقدين الشرعية الشعبية والسياسية.
سابعاً، إلى جانب تحرّك حكومة حزب العدالة والتنمية ضد الانقلاب، وقفت الأحزاب التركية المعارضة سريعاً ضد الانقلاب، وأعلنت رفضها له، ما ساهم في وحدة الموقف في الداخل، للحفاظ على قواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد.
ثامناً، انطلقت المواقف الإقليمية والدولية الرافضة للانقلاب والمؤيدة للشرعية، من الحرص على الحفاظ على الديمقراطية، وعدم انجرار تركيا إلى حالةٍ من الفوضى والانقسام والدم، خصوصاً وأن تركيا دولة أطلسية ومهمة لجميع القوى العالمية الكبرى، في ميزان المصالح والعلاقات والاستقرار الإقليمي.
السؤال الأهم: ماذا بعد مرحلة فشل الانقلاب؟ وهل ستساهم في تعزيز الديمقراطية، أم ستفتح الباب أمام مرحلة من القمع؟
من دون شك، يتخوّف كثيرون من أن تكون مرحلة ما بعد فشل الانقلاب مرحلةً لقمع الحريات، وتعميق الانقسامات، ودفع الخلافات مع أوساطٍ من المؤسسة العسكرية إلى الصدام، خصوصاً وأن أردوغان تعهد علناً بمحاسبةٍ عسيرة لمن قام بها، بل وجدّد بقوة دعوته إلى تطهير جماعة الداعية فتح الله غولن من الدولة والمجتمع، بعد أن اتهم غولن بالوقوف وراء الانقلاب. ربما من المفهوم حملة الاعتقالات والمحاسبة الجارية عقب الانقلاب، لكن السؤال هنا يتعلق بشكل الملاحقة والمحاسبة، بمعنى هل يحمل الدستور التركي بنية قانونية كاملة لمثل هذه المحاسبة، أم أن الحكومة قد تستغل ما جرى لمحاسبةٍ تدخل في إطار الخصومة السياسية، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات المطالبة بإعادة العمل بقانون الإعدام وتوجيه اتهامات الخيانة لكل من ينتقد الحكومة؟ سيشكل مسار هذا الأمر معياراً لاختبار الديمقراطية التركية، وانتقالها إلى مرحلة جديدة.
أولاً، أن المؤسسة العسكرية التركية اليوم لم تعد كما كانت من لون واحد، إذ لم تعد مهمتها الوحيدة الحفاظ على الأسس العلمانية للجمهورية التركية، بقدر ما أصبحت مؤسسةً وطنيةً فوق أيدولوجية، والأدق أن الانقسام، في هذا المجال، بات من طبيعة المؤسسة، بين من يقف مع الرئيس أردوغان ومن يحاول الاستمرار في النهج السابق.
ثانياً، من قاموا بالانقلاب ضد أردوغان، كانوا ضباطاً من الدرجة الثانية، خلافاً للانقلابات السابقة التي كان يقودها رؤساء أركان الجيش وكبار قادة الجيوش.
ثالثاً، طبيعة المؤسسة العسكرية تغيرت في عهد أردوغان، حيث باتت قوات الأمن والشرطة هي التي تدير أمن المدن، خلافاً للمرحلة السابقة، حين كان الجيش هو سيد الموقف، وله كلمة الفصل، ولعل الذين أفشلوا الانقلاب على الأرض هم من قوات الشرطة والأمن التي واجهت على الأرض القطاعات العسكرية التي قادت الانقلاب، وكانوا من صفوف القوات الجوية والبرية بالدرجة الأولى.
رابعاً، الإصلاحات العسكرية التي قام بها أردوغان، في السنوات الأخيرة، كانت سبباً في إفشال الانقلاب، إذ إنه، ومن خلالها، نجح في إبعاد الجيش من داخل المدن، وتسليم مهمة الأمن فيها إلى قوات الشرطة والأمن، بعد أن أتبع قوات الشرطة والأمن إلى وزارة الداخلية، خلافا للمراحل السابقة، عندما كانت هذه القوات تابعة لرئاسة الأركان أو وزارة الدفاع.
خامساً، لم يكن لقادة الانقلاب برنامج سياسي محدّد وعمق شعبي. وعليه، عندما حصل الانقلاب لم نجد قوى سياسية أو أحزاباً تنزل للشارع وتعلن تأييدها الانقلاب، بل حتى إن الانقلابيين لم يفصحوا عن برنامجهم السياسي، على الرغم من مضي ساعاتٍ على بدء الانقلاب.
سادساً، خلافا للانقلابيين، قادت الحكومة التركية برنامجاً عملياً وسياسياً ناجحاً في مواجهة الانقلاب، تمثلت في دعوة الجماهير للخروج إلى الشارع، لإفشال الانقلاب، وتجريد قادته من أي بعد شعبيٍّ، أو جماهيري، أو سياسي. وهكذا بدا الانقلابيون مجموعة من المغامرين الفاقدين الشرعية الشعبية والسياسية.
سابعاً، إلى جانب تحرّك حكومة حزب العدالة والتنمية ضد الانقلاب، وقفت الأحزاب التركية المعارضة سريعاً ضد الانقلاب، وأعلنت رفضها له، ما ساهم في وحدة الموقف في الداخل، للحفاظ على قواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد.
ثامناً، انطلقت المواقف الإقليمية والدولية الرافضة للانقلاب والمؤيدة للشرعية، من الحرص على الحفاظ على الديمقراطية، وعدم انجرار تركيا إلى حالةٍ من الفوضى والانقسام والدم، خصوصاً وأن تركيا دولة أطلسية ومهمة لجميع القوى العالمية الكبرى، في ميزان المصالح والعلاقات والاستقرار الإقليمي.
السؤال الأهم: ماذا بعد مرحلة فشل الانقلاب؟ وهل ستساهم في تعزيز الديمقراطية، أم ستفتح الباب أمام مرحلة من القمع؟
من دون شك، يتخوّف كثيرون من أن تكون مرحلة ما بعد فشل الانقلاب مرحلةً لقمع الحريات، وتعميق الانقسامات، ودفع الخلافات مع أوساطٍ من المؤسسة العسكرية إلى الصدام، خصوصاً وأن أردوغان تعهد علناً بمحاسبةٍ عسيرة لمن قام بها، بل وجدّد بقوة دعوته إلى تطهير جماعة الداعية فتح الله غولن من الدولة والمجتمع، بعد أن اتهم غولن بالوقوف وراء الانقلاب. ربما من المفهوم حملة الاعتقالات والمحاسبة الجارية عقب الانقلاب، لكن السؤال هنا يتعلق بشكل الملاحقة والمحاسبة، بمعنى هل يحمل الدستور التركي بنية قانونية كاملة لمثل هذه المحاسبة، أم أن الحكومة قد تستغل ما جرى لمحاسبةٍ تدخل في إطار الخصومة السياسية، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات المطالبة بإعادة العمل بقانون الإعدام وتوجيه اتهامات الخيانة لكل من ينتقد الحكومة؟ سيشكل مسار هذا الأمر معياراً لاختبار الديمقراطية التركية، وانتقالها إلى مرحلة جديدة.