لماذا صنعوا هذا الهجوم على قطر؟

04 يوليو 2017
+ الخط -
في الخامس من يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، قطع علاقاتها مع قطر. وجاء شرح أسبابه قاطعاً بأقصى ما يمكن: قطر بلدٌ يدعم الإرهاب الإسلامي ويموّله. منذ ذلك الحين، أطلقت الأزمة العنان للتهديد بأن تتحول إلى أخطر أزمة وأشدّها إثارة للقلق في منطقة الخليج العربي منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
ومن الضروري تجاوز ما هو واضح، من أجل الوصول إلى فهم الأسباب الحقيقية التي تقف وراء قطع العلاقات. ويجب البحث عن أحدث نقطة، بداية في القمة التي انعقدت بين الولايات المتحدة والدول العربية في المملكة العربية السعودية في أواخر شهر مايو/ أيار الماضي.
في جو من الود الظاهري، كان بعض جيراننا يقومون بتدبير حملةٍ مغرضةٍ ضد دولة قطر. وبعد بضعة أيام، عانت وكالة الأنباء الوطنية القطرية هجوماً على موقعها على الإنترنت، ونشرت وسائل إعلام عديدة تصريحاتٍ كاذبة منسوبة إلى الأمير تميم بن حمد آل ثاني، نفتها حكومتنا بشدة.
وبدا أن الأرض كانت ممهدةً لتبرير قرار قطع العلاقات الذي أدى إلى حصارٍ قاسٍ وشرس وغير قانوني، ينتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي، ويهاجم حرية التعبير، وينتهك معاهدة جنيف، واتفاقية شيكاغو المتعلقة بالطيران المدني.
ويعاني سكان قطر عقاباً جماعياً قاسياً وحصاراً، وصل إلى مستوياتٍ لم تسبق رؤيتها. ويُعاقب الذين يبدون تضامنهم مع بلدنا بغراماتٍ مليونيةٍ وعقوبات بالسجن. ونسوق مثالاً لتوضيح المستوى الذي وصلت إليه العقوبات الخطر الذي ينطوي عليه ارتداء قميص فريق برشلونة، الذي ترعاه قطر، في بعض المناطق في الخليج العربي.
ومن اللافت للانتباه أن هذا الإجراء لم يأتِ مسبوقاً بمناقشاتٍ بين الحكومات، ولا بحوار سابق في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بل يتعلق الأمر بقرار صارم أحاديّ الجانب. وعلى الرغم من ضراوة هذا العمل، يبدو واضحاً أن الاستراتيجية الهادفة إلى تشكيل تحالفٍ ضد قطر قد فشلت على المستوى الدولي، حتى أن واشنطن تشكّك في اتهامات الدول التي طرحتها.
وبعد ثلاثة أسابيع فقط من قطع العلاقات، تلقى بلدنا، عبر الكويت، قائمة من المطالب، لوضع حد لهذه الأزمة شديدة الخطورة، والتي ستمثل نهاية مرحلةٍ وبداية مرحلةٍ جديدة في منطقتنا. وهذه المطالب يمكن قبولها فقط في حال اعتبارها معقولةً وقابلة للتحقيق، وبشرط ألا تعني تدخلاً في استقلاليتنا وسيادتنا.
ما هي الدوافع الحقيقية لهذا الهجوم؟ من المعروف جيداً أن قطر تحوّلت إلى وسيطٍ في قضايا دولية، وتميزت بتطبيق سياسة خارجية مستقلة، تراهن على الحوار والحريات. هذا الموقف حوَّل قطر إلى جارٍ غير مريح. وبناءً على ذلك، تقف وراء هذا القطع للعلاقات الرغبة في ثني سياسة قطر الخارجية، والتدخل في سياستها الداخلية، وإسكات الأصوات الناقدة، والدليل على ذلك قناة تلفزيون الجزيرة المحترمة التي جرى وضعها ظلماً في دائرة الاستهداف، وجَعْل بلدنا يدفع ثمن تأييده ثورات الربيع العربي، وتدمير منصة للحوار وتبادل الأفكار في منطقةٍ اتسمت بالمناجاة الفردية وغياب الديمقراطية في مجالاتٍ عديدة.
قطر دولة عصرية، تخصص 12% من ميزانيتها السنوية للتعليم، وهي مقرٌّ لإحدى عشرة جامعة دولية، وتطلق مشاريع مستقبلية مكرّسة للشباب والنساء، وتراهن على البحث العلمي، وتستثمر في الثقافة والترفيه والرياضة، وهي المقرّ الذي يستضيف أحداثاً دولية مهمة، بما في ذلك بطولة كأس العالم لكرة القدم (المونديال) التي ستنعقد في عام 2022.
وإلى ذلك كله، يجب إضافة قدراتها الاقتصادية. فهل من الممكن أن تكون دولة، مثل دولتنا، إلى جانب الدمار الإرهابي؟ كيف يمكن، في هذه الحال، تفسير وجود القاعدة الأميركية في العديد؟ إن قطر تقف ضد أشكال العنف والإرهاب كافة، وهدفها الرئيسي معالجة جذوره وأسبابه الحقيقية من أجل مواجهته.
إنني مقتنع بأن أوروبا ستعرف كيف تتصرّف بمسؤولية في هذه الأزمة، وستساعدنا على حلها بطريقة حضارية وسلمية. إنهاء الحصار الشرس يعد من الأمور الملحة. فقط بتوحيد قوانا سيمكننا تفادي وقوع شرورٍ أكبر، من شأنها أن تؤثر على الاستقرار والأمن العالميين.
52D265B3-B27C-4198-A6F8-5EA7D9386241
محمد الكواري

سفير دولة قطر في إسبانيا