05 مارس 2023
لماذا دعمت تركيا تحالف الرياض؟
لماذا تغامر حكومة "العدالة والتنمية" التركية التي تعرف أنها تتحمل مسؤولية قيادة دولة علمانية، غالبية سكانها من المسلمين، لكن مواثيق وعقوداً استراتيجية تاريخية تربطها مع الغرب، على هذا النحو للالتحاق بحلف إقليمي جديد، دوله من المسلمين السنّة؟ هل السبب هو الرد على حلف "شيعي" أراده بعضهم في المنطقة لتأجيج الصراعات والنزاعات، ومحاولة المساومة مع القوى الكبرى، باسم شعوب المنطقة على أنه الورقة الرابحة الممكن التفاهم معها، عند رسم الخرائط الجديدة؟
ربما "سنية" تركيا هي التي تتقدم، هذه المرة، عندما شعرت أن "شيعية" بعضهم تلوح بقدرتها على بناء تفاهم وعقد صفقة تاريخية مع روسيا وواشنطن وتل أبيب في مقابل تربعها على عرش القيادة الإقليمية. التحالف الإسلامي العسكري الجديد الذي شكل في المملكة العربية السعودية ويضم 34 دولة عربية وإسلامية ضد الإرهاب، بمختلف أشكاله، والذي علم أنه لن يتردد في المشاركة بعمليات برية عند اللزوم، في مناطق توجد فيها التنظيمات الإرهابية، مثل سورية والعراق وليبيا، سيكون الدور الأكبر فيها لتركيا والسعودية ومصر والأردن، بالتنسيق مع قوات التحالف الغربي، لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي ستتولى دعم العمليات البرية بدعم جوي واستخباراتي، ساعدنا، ولو متأخرين، في فهم بعض الأسباب الخفية للوجود العسكري التركي في العراق، أولاً، وأسباب الاعتراض والرفض والتصلب العراقي والإيراني والروسي بشأن المواقف والتحركات التركية ثانياً.
بسرعة البرق، تحددت أهداف ومعالم التحرك الجديد لمجموعة الدول الإسلامية هذه، بتنسيق سعودي، كشف النقاب عن وجود استراتيجية وخطة تمّ اعتمادها لأجل مكافحة الأفكار المؤدية إلى الإرهاب، ونجح في جمع الأتراك والمصريين تحت سقف واحد ربما، لكنه سيفرض عليهم التنسيق العسكري واللوجستي في المرحلة المقبلة، في إطار هذه الحرب المشتركة. ألا يعني ذلك فتح صفحة جديدة من العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وسط تكتم سعودي في الحراك بهذا الخصوص، بصبر وروية حتى اليوم؟
لم تتغيب إيران، بل لم تُدعَ، لكن المتغيبين لا بد أن يسارعوا إلى الالتحاق بهذا التكتل، مثل الجزائر وسلطنة عمان، خصوصا بعد الشجاعة المميزة التي أبدتها الحكومة اللبنانية في تحديد موقفها وخيارها وسط كل الصعوبات ولعبة التوازنات الداخلية هناك.
والمشهد، كما نتابعه من أنقرة، هو أنه في طليعة مهام التحالف البحث عن سبل الإسراع في
تشكيل قوات تدخل عسكرية في إطار خطط الحرب على الإرهاب، لكنّ الأهداف الاستراتيجية البعيدة المدى سيكون بينها تبادل الخبرات والتنسيق الأمني واللوجستي وتبادل المعلومات في مكافحة الإرهاب. وهناك غرفة عمليات مشتركة، مقرها الرياض كما هو معلن، لكن القيادة ستكون مشتركة من الدول الأعضاء التي سترسل خيرة ضباطها للمشاركة في العمليات القتالية والتجهيز والتنسيق. وسيتم تقديم الدعم المادي أو العسكري أو الأمني أو الجانب المعلوماتي والاستخباراتي لضمان نجاح التحالف في تحقيق أهدافه.
طهران غاضبة، وموسكو قلقة وتريد معرفة التفاصيل حول هذا التكتل الذي رحبت به واشنطن وعواصم غربية عديدة، وبغداد نسيت تقريباً أزمتها مع أنقرة، بعدما بدأت التفاصيل والمواقف الجديدة تظهر إلى العلن حول هذا التحالف، مخافة أن يكون أيضا حلقة من الرد على الحلف الرباعي الروسي الإيراني العراقي السوري.
مركز الثقل الفكري والنظري في التحرك كان أن بين الأهداف الرئيسية الانطلاق استناداً إلى تعاليم الشريعة الإسلامية وأحكامها التي تحرّم الإرهاب، بكل صوره وأشكاله، وتعتبره جريمة وحشية، وانتهاكاً خطيراً لكرامة الإنسان. وثانياً في إعلانه الحرب الشاملة عسكرياً وفكرياً وإعلامياً على الإرهاب الذي لا يتوقف عند "داعش"، بل يشمل كل التنظيمات الإرهابية، وسحب البساط من تحت داعش التي تذرعت سنوات أنها تخوض حرباً على أميركا والغرب وأعوانهم. وبسبب هذا الفراغ الدولي والإقليمي، قرّرت هذه المجموعة التحرك ضد من يسمون أنفسهم مسلمين، ومقاتلة جماعات تسمي نفسها دولة إسلامية، ولم يعد ضررها يقتصر على مناطق وجودها فقط.
قال رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إن اتخاذ البلدان الإسلامية موقفاً موحداً ضد الإرهاب يعد "أقوى جواب يوجه إلى الساعين نحو ربط الإرهاب بالإسلام"، وإن تركيا مستعدة للمساهمة بما في وسعها، في حال ترتيب اجتماع لمكافحة الإرهاب، بغض النظر عن الجهة المنظمة، وتعتبر هذه الجهود بين البلدان الإسلامية خطوات صحيحة.
المهم الآن بالنسبة لتركيا ألا يكون التحرك العسكري وقرار الحرب على الإرهاب غطاءً لأي مشروع تفتيتي في المنطقة، باتجاه تغيير الحدود والخرائط، كما تريد طهران والنظام السوري وروسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، وقطع الطريق على مشاريع التقسيم في العراق وسورية، وهي التي تعني أنقرة مباشرة. وأن يكون لقاء المعارضة السورية، أخيراً، في الرياض الرد الأقوى المستكمل بخطوة إقليمية ثانية من هذا النوع، تتصدى لخطط التفتيت والتجزئة في المنطقة. ولا خيار أمام التحالف الجديد بالنسبة لتركيا سوى الرد على مقولة إن ما يجري سيكون تحرك الرد على مشروع تكريس الانقسامات الطائفية في المنطقة التي تعد لرسم الحدود الجغرافية الجديدة لـ "سايكس بيكو" آخر.
القراءة التركية أن القيادة السعودية الجديدة تتحرك، حسب الديناميات والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة. لذلك هي تطلق اليوم مساراً جديداً في التعامل مع ملف الأزمة السورية في مؤتمر تختار بدقة من تدعو إليه، وتقود رؤية مغايرة في الحرب على الإرهاب، عندما شعرت أن هذه المسألة تتحول إلى ورقة مذهبية عرقية بيد بعضهم، تهدد الهوية الدينية لشعوب المنطقة ودولها، وتتحول إلى نواة لتكتل عربي إسلامي شعر أنه لا بد من استرداد ما هو له وانتزعه بعضهم، بسبب الغياب أو الإهمال أو المساومة على مصالح المنطقة وخياراتها، ففعل ما فعل في اليمن ولبنان والعراق.
قناعة أنقرة أن الرياض التي شعرت بتغير الحلفاء والتحالفات تحركت للإسراع في إطلاق هذه المبادرة، وتحديد أهدافها بدقة وعناية، وترك الأبواب مشرعة أمام الراغبين بشرط القبول ببيان الانطلاق والتأسيس بصدق وأمانة.
أرادت أنقرة أن تكون إلى جانب المملكة في لحظة التأسيس والإعلان عن توحد هذا التكتل البشري والجغرافي والاقتصادي، ليس ليكون بديلاً أو ينتزع دوراً من أحد، بل لقطع الطريق على من يصر بالإمساك والتلويح بما هو ليس له، وليس من حقه، فيحاول المساومة على خرائط المنطقة وخيراتها وبنيتها وتركيبتها والاستقواء بحلفاء أرادوا أن يحولوه إلى منصة انطلاق لتطلعاتهم الإقليمية الجديدة.
لن يكنّ التكتل الجديد العداء لأحد، لكنه لن يتهاون ولن يهادن مع من يحاول أن يفتح الأبواب أمام المساس بالجغرافية والحدود والتاريخ، في إطار تحالفات جديدة، يدفع شعوب المنطقة ثمنها. تنفتح إيران على موسكو وواشنطن وتل أبيب، هذا خيارها هي، لكنها لا يمكن أن تساوم على خطط التغيير والتحول الإقليمي متلطية وراء أصدقائها الجدد من شيوعيين قدماء ومحتلين وانتهازيين.
أرادت المملكة أن تكون أنقرة جنباً إلى جنب في صورة واحدة مع القاهرة وأبوظبي في هذا اللقاء الإقليمي، ولن تفرّط القيادة التركية بذلك، طالما أنها فرصة قد تتحول إلى خطوة عاجلة نحو الحوار الصريح والصادق باتجاه إزالة الرواسب وأسباب التباعد.
بقدر ما تترك تركيا علمانيتها جانباً، وهي تلتحق بهذا التكتل الفرصة، بقدر ما على الآخرين أيضا أن يتركوا خياراتهم القومية والعرقية جانباً، من أجل تحقيق أهداف وتطلعات هذا التحالف التاريخي الذي لا بد أن يتحول إلى منظومة دائمة، بهيكلية فاعلة وأجهزة تنسيق وآلية عمل ومراقبة لا تفوّت مثل هذه الفرص التي نبحث عنها جميعاً.
ربما "سنية" تركيا هي التي تتقدم، هذه المرة، عندما شعرت أن "شيعية" بعضهم تلوح بقدرتها على بناء تفاهم وعقد صفقة تاريخية مع روسيا وواشنطن وتل أبيب في مقابل تربعها على عرش القيادة الإقليمية. التحالف الإسلامي العسكري الجديد الذي شكل في المملكة العربية السعودية ويضم 34 دولة عربية وإسلامية ضد الإرهاب، بمختلف أشكاله، والذي علم أنه لن يتردد في المشاركة بعمليات برية عند اللزوم، في مناطق توجد فيها التنظيمات الإرهابية، مثل سورية والعراق وليبيا، سيكون الدور الأكبر فيها لتركيا والسعودية ومصر والأردن، بالتنسيق مع قوات التحالف الغربي، لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي ستتولى دعم العمليات البرية بدعم جوي واستخباراتي، ساعدنا، ولو متأخرين، في فهم بعض الأسباب الخفية للوجود العسكري التركي في العراق، أولاً، وأسباب الاعتراض والرفض والتصلب العراقي والإيراني والروسي بشأن المواقف والتحركات التركية ثانياً.
بسرعة البرق، تحددت أهداف ومعالم التحرك الجديد لمجموعة الدول الإسلامية هذه، بتنسيق سعودي، كشف النقاب عن وجود استراتيجية وخطة تمّ اعتمادها لأجل مكافحة الأفكار المؤدية إلى الإرهاب، ونجح في جمع الأتراك والمصريين تحت سقف واحد ربما، لكنه سيفرض عليهم التنسيق العسكري واللوجستي في المرحلة المقبلة، في إطار هذه الحرب المشتركة. ألا يعني ذلك فتح صفحة جديدة من العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وسط تكتم سعودي في الحراك بهذا الخصوص، بصبر وروية حتى اليوم؟
لم تتغيب إيران، بل لم تُدعَ، لكن المتغيبين لا بد أن يسارعوا إلى الالتحاق بهذا التكتل، مثل الجزائر وسلطنة عمان، خصوصا بعد الشجاعة المميزة التي أبدتها الحكومة اللبنانية في تحديد موقفها وخيارها وسط كل الصعوبات ولعبة التوازنات الداخلية هناك.
والمشهد، كما نتابعه من أنقرة، هو أنه في طليعة مهام التحالف البحث عن سبل الإسراع في
طهران غاضبة، وموسكو قلقة وتريد معرفة التفاصيل حول هذا التكتل الذي رحبت به واشنطن وعواصم غربية عديدة، وبغداد نسيت تقريباً أزمتها مع أنقرة، بعدما بدأت التفاصيل والمواقف الجديدة تظهر إلى العلن حول هذا التحالف، مخافة أن يكون أيضا حلقة من الرد على الحلف الرباعي الروسي الإيراني العراقي السوري.
مركز الثقل الفكري والنظري في التحرك كان أن بين الأهداف الرئيسية الانطلاق استناداً إلى تعاليم الشريعة الإسلامية وأحكامها التي تحرّم الإرهاب، بكل صوره وأشكاله، وتعتبره جريمة وحشية، وانتهاكاً خطيراً لكرامة الإنسان. وثانياً في إعلانه الحرب الشاملة عسكرياً وفكرياً وإعلامياً على الإرهاب الذي لا يتوقف عند "داعش"، بل يشمل كل التنظيمات الإرهابية، وسحب البساط من تحت داعش التي تذرعت سنوات أنها تخوض حرباً على أميركا والغرب وأعوانهم. وبسبب هذا الفراغ الدولي والإقليمي، قرّرت هذه المجموعة التحرك ضد من يسمون أنفسهم مسلمين، ومقاتلة جماعات تسمي نفسها دولة إسلامية، ولم يعد ضررها يقتصر على مناطق وجودها فقط.
قال رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إن اتخاذ البلدان الإسلامية موقفاً موحداً ضد الإرهاب يعد "أقوى جواب يوجه إلى الساعين نحو ربط الإرهاب بالإسلام"، وإن تركيا مستعدة للمساهمة بما في وسعها، في حال ترتيب اجتماع لمكافحة الإرهاب، بغض النظر عن الجهة المنظمة، وتعتبر هذه الجهود بين البلدان الإسلامية خطوات صحيحة.
المهم الآن بالنسبة لتركيا ألا يكون التحرك العسكري وقرار الحرب على الإرهاب غطاءً لأي مشروع تفتيتي في المنطقة، باتجاه تغيير الحدود والخرائط، كما تريد طهران والنظام السوري وروسيا وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، وقطع الطريق على مشاريع التقسيم في العراق وسورية، وهي التي تعني أنقرة مباشرة. وأن يكون لقاء المعارضة السورية، أخيراً، في الرياض الرد الأقوى المستكمل بخطوة إقليمية ثانية من هذا النوع، تتصدى لخطط التفتيت والتجزئة في المنطقة. ولا خيار أمام التحالف الجديد بالنسبة لتركيا سوى الرد على مقولة إن ما يجري سيكون تحرك الرد على مشروع تكريس الانقسامات الطائفية في المنطقة التي تعد لرسم الحدود الجغرافية الجديدة لـ "سايكس بيكو" آخر.
القراءة التركية أن القيادة السعودية الجديدة تتحرك، حسب الديناميات والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة. لذلك هي تطلق اليوم مساراً جديداً في التعامل مع ملف الأزمة السورية في مؤتمر تختار بدقة من تدعو إليه، وتقود رؤية مغايرة في الحرب على الإرهاب، عندما شعرت أن هذه المسألة تتحول إلى ورقة مذهبية عرقية بيد بعضهم، تهدد الهوية الدينية لشعوب المنطقة ودولها، وتتحول إلى نواة لتكتل عربي إسلامي شعر أنه لا بد من استرداد ما هو له وانتزعه بعضهم، بسبب الغياب أو الإهمال أو المساومة على مصالح المنطقة وخياراتها، ففعل ما فعل في اليمن ولبنان والعراق.
قناعة أنقرة أن الرياض التي شعرت بتغير الحلفاء والتحالفات تحركت للإسراع في إطلاق هذه المبادرة، وتحديد أهدافها بدقة وعناية، وترك الأبواب مشرعة أمام الراغبين بشرط القبول ببيان الانطلاق والتأسيس بصدق وأمانة.
أرادت أنقرة أن تكون إلى جانب المملكة في لحظة التأسيس والإعلان عن توحد هذا التكتل البشري والجغرافي والاقتصادي، ليس ليكون بديلاً أو ينتزع دوراً من أحد، بل لقطع الطريق على من يصر بالإمساك والتلويح بما هو ليس له، وليس من حقه، فيحاول المساومة على خرائط المنطقة وخيراتها وبنيتها وتركيبتها والاستقواء بحلفاء أرادوا أن يحولوه إلى منصة انطلاق لتطلعاتهم الإقليمية الجديدة.
لن يكنّ التكتل الجديد العداء لأحد، لكنه لن يتهاون ولن يهادن مع من يحاول أن يفتح الأبواب أمام المساس بالجغرافية والحدود والتاريخ، في إطار تحالفات جديدة، يدفع شعوب المنطقة ثمنها. تنفتح إيران على موسكو وواشنطن وتل أبيب، هذا خيارها هي، لكنها لا يمكن أن تساوم على خطط التغيير والتحول الإقليمي متلطية وراء أصدقائها الجدد من شيوعيين قدماء ومحتلين وانتهازيين.
أرادت المملكة أن تكون أنقرة جنباً إلى جنب في صورة واحدة مع القاهرة وأبوظبي في هذا اللقاء الإقليمي، ولن تفرّط القيادة التركية بذلك، طالما أنها فرصة قد تتحول إلى خطوة عاجلة نحو الحوار الصريح والصادق باتجاه إزالة الرواسب وأسباب التباعد.
بقدر ما تترك تركيا علمانيتها جانباً، وهي تلتحق بهذا التكتل الفرصة، بقدر ما على الآخرين أيضا أن يتركوا خياراتهم القومية والعرقية جانباً، من أجل تحقيق أهداف وتطلعات هذا التحالف التاريخي الذي لا بد أن يتحول إلى منظومة دائمة، بهيكلية فاعلة وأجهزة تنسيق وآلية عمل ومراقبة لا تفوّت مثل هذه الفرص التي نبحث عنها جميعاً.