15 مايو 2024
لماذا تحرّك الصدريون الآن؟
لم يعد موضوع الخلاف (الشيعي - الشيعي) داخل المؤسسة السياسية المتنفذة في المشهد العراقي خافيا لدى أبناء الشعب العراقي بشكل عام، وعند المتحزبين مع هذا التيار أو ذاك، وجميعهم طبعا ضمن دوائر السلطة والقرار، سواء السياسي أم الأمني أو الاقتصادي، من دون أن يظهر على سطح التحالفات أو التناقضات دور يذكر لمرجعيات كل فصيل، سواء أكانت هذه داخل العراق أم خارجه (إيران).
العلاقة بين هذه القوى غير مستقرة منذ تولي نوري المالكي رئاسة أول وزارة له عام 2006، والذي أطلق في 2007 خطته "فرض القانون"، وكان من بين أهم أهدافها، ثم أعمالها المنجزة، عملية "صولة الفرسان" ضد مليشيا جيش المهدي التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وخصوصا في البصرة والناصرية وبغداد، وبعض المحافظات التي كانت شبه خاضعة لسيطرة هذه المليشيا المسلحة، وهو ذاته، أي المالكي، كان بوابة ولوج العراق عصر المليشيات المسلحة الكثيرة والمنفلتة، أوجد لها غطاءها المذهبي والتعبوي والنفسي، ثم القانوني لاحقا، عبر ضمها بما أطلق عليه "الحشد الشعبي"، بعد سقوط محافظات نينوى وصلاح الدين وأجزاء كبيرة من الأنبار بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014.
الحلقة التي بقيت مرتبطة بالبيت السياسي الشيعي الحاكم في العراق بشكل قلق ومتوتر هي جماعة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وهذه جل جماهيرها من فقراء العراق، وقد تمكّن الصدر، خلال سنوات الاحتلال الأميركي للعراق وما بعده، من إظهار مواقف (وطنية) لافتة. ولكن يعاب عليه عدم ثباته على هذه المواقف، واختفاء دوره الحقيقي في اللحظات الحرجة والفاصلة عقب عام 2003.
كانت المشكلة بين نوري المالكي زعيماً لحزب الدعوة، وبصفته الشخصية، ومقتدى الصدر
وتياره الذي استحوذ على نسبة كبيرة من تعاطف عامة شيعة الوسط والجنوب العراقي، ثم ولائهم، على حساب حزب الدعوة ذي السجل التنظيمي والتاريخي الطويل، وهو ما شكل تحديا كبيرا طوال الانتخابات الماضية، سواء لمجالس المحافظات أو لمجلس النواب العراقي، كما تشكل نسبة أعضاء التيار الصدري في البرلمان العراقي مصدر قلق وإزعاج عند التصويت على قرارات أو مشاريع مهمة، لتكريس الحضور الإيراني أو غيره على حاضر العراق ومستقبله.
بات الصراع اليوم أوسع دائرة ليشمل جهات عديدة، أهمها منظمة بدر، المؤسسة في إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، وذراع فيلق القدس الإيراني في مؤسسات الحكم العراقية، ثم لاحقا في منظومة "الحشد الشعبي"، كما برزت مليشيات عديدة تناكف الصدر، وتعتبره متخبطا في مواقفه السياسية، بما يمنح بقية طوائف العراق (السنّة والأكراد وغيرهما)، وكذلك الأحزاب والقوى المعارضة للعملية السياسية (البعث، التيار المدني، بعض أجنحة الحزب الشيوعي العراقي، وغيرهم)، يمنحهم فرصا لتأليب الرأي العام العراقي والعربي، وربما العالمي ضد أسلوب الحكم والإدارة في العراق.
ولأن هناك أمورا كثيرة حدثت دوليا وإقليميا تستدعي اتخاذ مواقف حازمة تجاهها، من جمهورية إيران الإسلامية أولا، ثم الحكومة والقوى السياسية العراقية المنضوية تحت التوجهات الإيرانية ثانيا، فقد توجب أن تكون الساحة العراقية ميدانا مفتوحا لأي صدام أميركي إيراني مرتقب، بما يستوجب رص الصفوف المؤيدة لهذا التوجه، وعدم ترك أية ثغرة يمكن أستغلالها أو البناء عليها من أعداء (إيران)، وبالطبع الجماعات المؤيدة لها في العراق.
ولعل من أهم ملفات السيطرة وضبط الأمور في العراق موضوع الانتخابات، بدءا من انتخابات مجالس المحافظات، وهي مهمة جدا، وتؤسس لمن سيحكم العراق لاحقا، وقد حدّد لها شهر سبتمبر/ أيلول المقبل موعداً لإجرائها، ثم تليها انتخابات مجلس النواب، والعمليتان تضبطهما وتتحكم بمصداقيتهما وسلامتهما المفوضية العليا للانتخابات، والتي يعتبرها الصدريون المحرّك الرئيس الذي سيقوم بما يلزم لإبعادهم عن دائرة النفوذ وتحقيق الأصوات الأكثر أو التي أدنى من ذلك، لضمان تسيّد التوجه الإيراني المطلق في المرحلة السياسية العراقية الحساسة المقبلة.
نعم، لدى التيار الصدري معلومات أثارت مخاوفهم، ثم حركتهم صوب ميادين بغداد وشوارعها، للمطالبة بحل المفوضية المستقلة للانتخابات التي يسيطر عليها حزب الدعوة العراقي الذي يتزعمه نوري المالكي. وعلى الرغم من سلمية التظاهرات، أو هكذا بدت أمام وسائل الإعلام، إلا أن الأمور سرعان ما اتخذت طابعا دمويا، أفضى إلى سقوط ضحايا ومئات الجرحى، حمّل زعيم التيار مقتدى الصدر، رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مسؤولية هذا التدهور، فيما أشار العبادي إلى استغلال الصدر موضوع انشغال القوات العراقية بحرب داعش لتشتيت الجهود.
يؤمن الصدريون باستهدافهم من القوى الشيعية الأخرى، سواء في العملية السياسية أو في
منظومة الحشد الشعبي، بل ويعتبرون أن نوري المالكي ومنظمة بدر يسعيان إلى تفتيت تيارهم، وتصفية قائدهم، تماشيا مع رغبة إيرانية مرحلية مهمة جدا. ولذلك يستعدون لمرحلة مواجهة جد خطيرة، رفضوا بسببها تسليم ما لديهم من أسلحة ثقيلة لقوات الأمن العراقية، بموجب البيان الذي طالب من خلاله العبادي الجميع بتسليم هذه الأسلحة خلال عشرة أيام التي انقضت من دون أن يسلم أو تسلم أية جهة أسلحتها.
وقد قال رئيس المفوضية العليا للانتخابات، سربست مصطفى رشيد، في أثناء هذه الأزمة، إن سبب كل ما يجري هو "صراع شيعي – شيعي"، ولا أحد يعلم حقيقة ما جدوى أن تكون هناك مفوضية للانتخابات في ظل صراع متحكّم بهذه المفوضية، يمكن من بعده الوثوق بمآلات أية انتخابات مقبلة.
يبدو أن لدى أتباع التيار الصدري ما يؤكد برمجة الأمور في ولاية الفقيه وداخل البيت الشيعي الحاكم، وخصوصاً حزب الدعوة ومنظمة بدر وغيرهما، على إعادة نوري المالكي إلى الحكم في العراق؛ بما يعني تبعية مصيرية مطلقة مع إيران، وعصرا جديدا من الأزمات السياسية والطائفية والفساد، وربما الحروب مع إقليم كردستان العراق، أو حتى مع أي طرف يقاتل إيران أو يعاديها.
العلاقة بين هذه القوى غير مستقرة منذ تولي نوري المالكي رئاسة أول وزارة له عام 2006، والذي أطلق في 2007 خطته "فرض القانون"، وكان من بين أهم أهدافها، ثم أعمالها المنجزة، عملية "صولة الفرسان" ضد مليشيا جيش المهدي التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وخصوصا في البصرة والناصرية وبغداد، وبعض المحافظات التي كانت شبه خاضعة لسيطرة هذه المليشيا المسلحة، وهو ذاته، أي المالكي، كان بوابة ولوج العراق عصر المليشيات المسلحة الكثيرة والمنفلتة، أوجد لها غطاءها المذهبي والتعبوي والنفسي، ثم القانوني لاحقا، عبر ضمها بما أطلق عليه "الحشد الشعبي"، بعد سقوط محافظات نينوى وصلاح الدين وأجزاء كبيرة من الأنبار بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014.
الحلقة التي بقيت مرتبطة بالبيت السياسي الشيعي الحاكم في العراق بشكل قلق ومتوتر هي جماعة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وهذه جل جماهيرها من فقراء العراق، وقد تمكّن الصدر، خلال سنوات الاحتلال الأميركي للعراق وما بعده، من إظهار مواقف (وطنية) لافتة. ولكن يعاب عليه عدم ثباته على هذه المواقف، واختفاء دوره الحقيقي في اللحظات الحرجة والفاصلة عقب عام 2003.
كانت المشكلة بين نوري المالكي زعيماً لحزب الدعوة، وبصفته الشخصية، ومقتدى الصدر
بات الصراع اليوم أوسع دائرة ليشمل جهات عديدة، أهمها منظمة بدر، المؤسسة في إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، وذراع فيلق القدس الإيراني في مؤسسات الحكم العراقية، ثم لاحقا في منظومة "الحشد الشعبي"، كما برزت مليشيات عديدة تناكف الصدر، وتعتبره متخبطا في مواقفه السياسية، بما يمنح بقية طوائف العراق (السنّة والأكراد وغيرهما)، وكذلك الأحزاب والقوى المعارضة للعملية السياسية (البعث، التيار المدني، بعض أجنحة الحزب الشيوعي العراقي، وغيرهم)، يمنحهم فرصا لتأليب الرأي العام العراقي والعربي، وربما العالمي ضد أسلوب الحكم والإدارة في العراق.
ولأن هناك أمورا كثيرة حدثت دوليا وإقليميا تستدعي اتخاذ مواقف حازمة تجاهها، من جمهورية إيران الإسلامية أولا، ثم الحكومة والقوى السياسية العراقية المنضوية تحت التوجهات الإيرانية ثانيا، فقد توجب أن تكون الساحة العراقية ميدانا مفتوحا لأي صدام أميركي إيراني مرتقب، بما يستوجب رص الصفوف المؤيدة لهذا التوجه، وعدم ترك أية ثغرة يمكن أستغلالها أو البناء عليها من أعداء (إيران)، وبالطبع الجماعات المؤيدة لها في العراق.
ولعل من أهم ملفات السيطرة وضبط الأمور في العراق موضوع الانتخابات، بدءا من انتخابات مجالس المحافظات، وهي مهمة جدا، وتؤسس لمن سيحكم العراق لاحقا، وقد حدّد لها شهر سبتمبر/ أيلول المقبل موعداً لإجرائها، ثم تليها انتخابات مجلس النواب، والعمليتان تضبطهما وتتحكم بمصداقيتهما وسلامتهما المفوضية العليا للانتخابات، والتي يعتبرها الصدريون المحرّك الرئيس الذي سيقوم بما يلزم لإبعادهم عن دائرة النفوذ وتحقيق الأصوات الأكثر أو التي أدنى من ذلك، لضمان تسيّد التوجه الإيراني المطلق في المرحلة السياسية العراقية الحساسة المقبلة.
نعم، لدى التيار الصدري معلومات أثارت مخاوفهم، ثم حركتهم صوب ميادين بغداد وشوارعها، للمطالبة بحل المفوضية المستقلة للانتخابات التي يسيطر عليها حزب الدعوة العراقي الذي يتزعمه نوري المالكي. وعلى الرغم من سلمية التظاهرات، أو هكذا بدت أمام وسائل الإعلام، إلا أن الأمور سرعان ما اتخذت طابعا دمويا، أفضى إلى سقوط ضحايا ومئات الجرحى، حمّل زعيم التيار مقتدى الصدر، رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مسؤولية هذا التدهور، فيما أشار العبادي إلى استغلال الصدر موضوع انشغال القوات العراقية بحرب داعش لتشتيت الجهود.
يؤمن الصدريون باستهدافهم من القوى الشيعية الأخرى، سواء في العملية السياسية أو في
وقد قال رئيس المفوضية العليا للانتخابات، سربست مصطفى رشيد، في أثناء هذه الأزمة، إن سبب كل ما يجري هو "صراع شيعي – شيعي"، ولا أحد يعلم حقيقة ما جدوى أن تكون هناك مفوضية للانتخابات في ظل صراع متحكّم بهذه المفوضية، يمكن من بعده الوثوق بمآلات أية انتخابات مقبلة.
يبدو أن لدى أتباع التيار الصدري ما يؤكد برمجة الأمور في ولاية الفقيه وداخل البيت الشيعي الحاكم، وخصوصاً حزب الدعوة ومنظمة بدر وغيرهما، على إعادة نوري المالكي إلى الحكم في العراق؛ بما يعني تبعية مصيرية مطلقة مع إيران، وعصرا جديدا من الأزمات السياسية والطائفية والفساد، وربما الحروب مع إقليم كردستان العراق، أو حتى مع أي طرف يقاتل إيران أو يعاديها.