27 أكتوبر 2015
لماذا انتصر "العدالة والتنمية" في الانتخابات التركية؟
كانت انتخابات 1 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أول انتخابات في عهد حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2002، لا تُجرى في ظل وقف للنار أو هدنة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، فبعد أن شكلت انتخابات السابع من يونيو/حزيران ضربة للأحلام الرئاسية لرجب طيب أردوغان، وضع الجميع أمام خيار الانتخابات المبكرة، وبدأت الحكاية الأصلية لكل التطورات التي شهدتها تركيا، حتى انتصار حزب العدالة والتنمية في انتخابات الأسبوع الماضي، وكان قد اعتبر نفسه خسر الانتخابات السابقة، بسبب تقدم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وتخطيه حاجز الـ 10%، ما حرمه (العدالة والتنمية) من أكثر من 60 نائباً كان يستولي عليهم مجاناً، طبقاً لدستور عام 1982 المعمول به، ما تعد "العتبة الانتخابية"، بحيث لا يستطيع الحزب الحاصل على أقل من 10 % من الأصوات دخول البرلمان.
ومن أجل ذلك، فُتحت معركة إضعاف الصوت الكردي، بإعلان الحرب على حزب العمال الكردستاني، بهدف تخويف الأكراد وتخلِّيهم عن دعم حزب الشعوب الديمقراطي، بل الرهان على ألا يتخطى الحزب عتبة الـ 10%. ولعل هذا اتهام مدروس من حزب العدالة والتنمية، هدفه التأثير على الرصيد السياسي والانتخابي للحزب، سواء في الأوساط التركية القومية واليسارية، أو في الأوساط الكردية الإسلامية التي صوتت في الانتخابات السابقة للحزب. وكذلك استقطاب تأييد بعض قواعد الحركة القومية التركية، باعتبار أنه المكافح للإرهاب والنزعة الانفصالية لحزب العمال الكردستاني وامتداده السياسي، حزب الشعوب الديمقراطي.
ولم يكتفِ حزب العدالة والتنمية، من جهته، بمراجعة الناخبين القوميين طريقة تصويتهم، بل بادر إلى مراجعة جذرية لحملته الانتخابية، مع التقليل قدر الإمكان من التصويب على الأحزاب المنافسة، والتركيز، في المقابل، على برنامجه الانتخابي، والحديث عما سيفعله، وليس ما فعله، خصوصاً فيما يتعلق بالشباب والمرأة، ودعم أصحاب المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، إضافة طبعاً إلى المضي في المشاريع العملاقة التي بدأها. كما استدرك البرنامج الانتخابي الجديد خطأ الإدارة السيئة للحملة الانتخابية السابقة في يونيو/حزيران التي بالغت في التركيز على تغيير النظام البرلماني، ليحل محله نظام رئاسي، وهو أمر لم يستسغه الناخب التركي، والذي تسبب في دعم قطاع واسع من الليبراليين الأتراك لـحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات السابقة. كما أخذ بالاعتبار تطلعات الناخب التركي للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي إلى جانب العيش بسلام وأمان.
واستفاد الحزب الحاكم من تدفق المسؤولين الأوروبيين على أنقرة، بما فيهم المستشارة الألمانية،
أنجيلا ميركل، لطلب المساعدة في قضية اللاجئين والتطورات في سورية بشكل عام، مع اتفاق مبدئي على مساعدة تركيا في تحمُّل أعباء اللاجئين، كما على تسهيل سفر المواطنين إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهي قضية كانت، وما زالت، جد مهمة ومؤثرة بالنسبة للشعب التركي.
وكان من نتيجة تكتيك حزب العدالة والتنمية أنّ الانتخابات الأخيرة شكلت مفاجأة كبيرة للمعارضة، حيث بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات نحو 85 %، وحصل حزب العدالة والتنمية على أكثر من 49% من الأصوات، و317 مقعداً من مجموع 550 مقعداً. أما الأحزاب الثلاثة الأخرى التي تمكنت من اجتياز عتبة الـ 10% فهي " الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" و"الحركة القومية".
وهكذا، ظهر من النتائج أنّ البرلمان المقبل تعددي بامتياز، يعكس تنوّع التيارات السياسية في تركيا. ويستجيب لاختلاف المواطنين، وتباين توجهاتهم ومواقفهم. ففي البرلمان الجديد، تمثيل للعلمانيين وللإسلاميين والقوميين واليساريين وغيرهم، وفيه حضور لممثلين عن أعراق وديانات مختلفة، ما أسهم في تشكيل مجلس تشريعي يحظى بحاضنة شعبية واسعة. ويُنتج ذلك حالة من التوازن بين السلطة التنفيذية والمعارضة من ناحية، وحالة من الاستقرار السياسي الذي يرسل رسائل طمأنة إلى عموم المواطنين والمستثمرين والسياح المتجهين إلى تركيا.
وعند النظر في هذه النتائج، يمكن التوصل إلى استنتاجات مهمة: أولها، أنّ حزب العدالة والتنمية استعاد زمام المبادرة، إذ سيتمكن من حكم البلاد منفرداً، لكنه لم يحصل على الأغلبية الكافية التي تسمح له بتغيير الدستور لو أراد ذلك. وثانيها، أن النتائج شكلت ضربة كبيرة للأحزاب السياسية القومية التي فشلت في الحفاظ على الشعبية التي فازت بها في انتخابات الصيف الماضي. وثالثها، منح الناخبون رصيداً لـحزب العدالة والتنمية الذي يتعين عليه، بعد أن نال الدعم السياسي الضروري معالجة التحديات التي تواجه البلاد في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
ولا شك في أنّ هناك رصيد الحزب الحاكم الذي ما زال يجعل ثقة الناس كبيرة فيه، بما أنّ دخل المواطن التركي ارتفع في عهده من ثلاثة آلاف دولار إلى اثني عشر ألف دولار سنوياً، في عشر سنوات، كما أنّ تركيا باتت تُصنَّف في المرتبة السادسة عشرة من بين الدول الأكثر تقدماً في العالم. كما بيّنت الانتخابات نضج التجربة الديمقراطية في تركيا، والإسهام الفعال للمواطنين في بناء دولة جمهورية ذات برلمان تعددي، وبينت قدرة حزب محافظ، ذي مرجعية إسلامية، على الانخراط في مسار التنافس السلمي على السلطة، وفي مسار إدارة تجربة الحكم بنجاح. ويبقى هذا الأنموذج جديراً بالدراسة والاحتذاء من الإسلام السياسي العربي.
ومن أجل ذلك، فُتحت معركة إضعاف الصوت الكردي، بإعلان الحرب على حزب العمال الكردستاني، بهدف تخويف الأكراد وتخلِّيهم عن دعم حزب الشعوب الديمقراطي، بل الرهان على ألا يتخطى الحزب عتبة الـ 10%. ولعل هذا اتهام مدروس من حزب العدالة والتنمية، هدفه التأثير على الرصيد السياسي والانتخابي للحزب، سواء في الأوساط التركية القومية واليسارية، أو في الأوساط الكردية الإسلامية التي صوتت في الانتخابات السابقة للحزب. وكذلك استقطاب تأييد بعض قواعد الحركة القومية التركية، باعتبار أنه المكافح للإرهاب والنزعة الانفصالية لحزب العمال الكردستاني وامتداده السياسي، حزب الشعوب الديمقراطي.
ولم يكتفِ حزب العدالة والتنمية، من جهته، بمراجعة الناخبين القوميين طريقة تصويتهم، بل بادر إلى مراجعة جذرية لحملته الانتخابية، مع التقليل قدر الإمكان من التصويب على الأحزاب المنافسة، والتركيز، في المقابل، على برنامجه الانتخابي، والحديث عما سيفعله، وليس ما فعله، خصوصاً فيما يتعلق بالشباب والمرأة، ودعم أصحاب المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، إضافة طبعاً إلى المضي في المشاريع العملاقة التي بدأها. كما استدرك البرنامج الانتخابي الجديد خطأ الإدارة السيئة للحملة الانتخابية السابقة في يونيو/حزيران التي بالغت في التركيز على تغيير النظام البرلماني، ليحل محله نظام رئاسي، وهو أمر لم يستسغه الناخب التركي، والذي تسبب في دعم قطاع واسع من الليبراليين الأتراك لـحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات السابقة. كما أخذ بالاعتبار تطلعات الناخب التركي للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي إلى جانب العيش بسلام وأمان.
واستفاد الحزب الحاكم من تدفق المسؤولين الأوروبيين على أنقرة، بما فيهم المستشارة الألمانية،
وكان من نتيجة تكتيك حزب العدالة والتنمية أنّ الانتخابات الأخيرة شكلت مفاجأة كبيرة للمعارضة، حيث بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات نحو 85 %، وحصل حزب العدالة والتنمية على أكثر من 49% من الأصوات، و317 مقعداً من مجموع 550 مقعداً. أما الأحزاب الثلاثة الأخرى التي تمكنت من اجتياز عتبة الـ 10% فهي " الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" و"الحركة القومية".
وهكذا، ظهر من النتائج أنّ البرلمان المقبل تعددي بامتياز، يعكس تنوّع التيارات السياسية في تركيا. ويستجيب لاختلاف المواطنين، وتباين توجهاتهم ومواقفهم. ففي البرلمان الجديد، تمثيل للعلمانيين وللإسلاميين والقوميين واليساريين وغيرهم، وفيه حضور لممثلين عن أعراق وديانات مختلفة، ما أسهم في تشكيل مجلس تشريعي يحظى بحاضنة شعبية واسعة. ويُنتج ذلك حالة من التوازن بين السلطة التنفيذية والمعارضة من ناحية، وحالة من الاستقرار السياسي الذي يرسل رسائل طمأنة إلى عموم المواطنين والمستثمرين والسياح المتجهين إلى تركيا.
وعند النظر في هذه النتائج، يمكن التوصل إلى استنتاجات مهمة: أولها، أنّ حزب العدالة والتنمية استعاد زمام المبادرة، إذ سيتمكن من حكم البلاد منفرداً، لكنه لم يحصل على الأغلبية الكافية التي تسمح له بتغيير الدستور لو أراد ذلك. وثانيها، أن النتائج شكلت ضربة كبيرة للأحزاب السياسية القومية التي فشلت في الحفاظ على الشعبية التي فازت بها في انتخابات الصيف الماضي. وثالثها، منح الناخبون رصيداً لـحزب العدالة والتنمية الذي يتعين عليه، بعد أن نال الدعم السياسي الضروري معالجة التحديات التي تواجه البلاد في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
ولا شك في أنّ هناك رصيد الحزب الحاكم الذي ما زال يجعل ثقة الناس كبيرة فيه، بما أنّ دخل المواطن التركي ارتفع في عهده من ثلاثة آلاف دولار إلى اثني عشر ألف دولار سنوياً، في عشر سنوات، كما أنّ تركيا باتت تُصنَّف في المرتبة السادسة عشرة من بين الدول الأكثر تقدماً في العالم. كما بيّنت الانتخابات نضج التجربة الديمقراطية في تركيا، والإسهام الفعال للمواطنين في بناء دولة جمهورية ذات برلمان تعددي، وبينت قدرة حزب محافظ، ذي مرجعية إسلامية، على الانخراط في مسار التنافس السلمي على السلطة، وفي مسار إدارة تجربة الحكم بنجاح. ويبقى هذا الأنموذج جديراً بالدراسة والاحتذاء من الإسلام السياسي العربي.