لماذا القدس الآن؟

24 سبتمبر 2015
إسرائيل تقتنص فرصة التهاء العرب لفرض الأمر الواقع (أرشيف/Getty)
+ الخط -

في لقائه يوم الإثنين الماضي مع رئيس الوزراء البريطاني، صرح الملك عبدالله الثاني أنه يشجب ممارسات الجيش الإسرائيلي ضد المصلين في المسجد الأقصى، وإنه يترك لنفسه الخيار في ردة الفعل على تلك الأفعال.

وفي اليوم التالي، التقى الملك بوجهاء محافظة إربد في الديوان الملكي، وأثار موضوع القدس بلهجة أشد حزماً، خصوصاً وأن حوادث اعتداء الجيش الإسرائيلي على المرابطين في المسجد الأقصى وقبة الصخرة ازدادت عنفاً واستمرت.

وقال لوجهاء إربد إنه لا يمكن السكوت على ممارسات إسرائيل، وإن الحكومة الإسرائيلية التي التزمت، سابقاً، بالسماح للمصلين الوصول إلى "الأقصى" من دون قيود، وإنها لن تسمح للمتشددين والمتطرفين، من المستوطنين وغيرهم، الدخول إلى ساحات المسجد، أو إلى داخله، لكنها لم تف بوعدها.

واتصل الملك برؤساء عرب وأجانب عديدين، منهم الرئيس محمود عباس، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس البرلمان الأوروبي ونائب رئيس الولايات المتحدة. ومن بعدها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وعقد مجلس الأمن جلسة للنظر في موضوع غزة والقدس، وما تتعرض له المدينتان من حصار وتهديد وضغوط عسكرية واقتصادية ونفسية، ضد المواطنين الفلسطينيين فيهما، واستخدم اصطلاح "الحرم الشريف"، بالإشارة إلى المسجد الأقصى وما حوله من أماكن مقدسة إسلامية.

والجدير بالذكر أن الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بصفته رئيس منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينيتين، وقعا يوم 31 مارس/آذار من عام 2014 اتفاقية وصاية وسيادة. أهم موادها الثانية التي تنص على قيام الملك عبدالله الثاني بالوصاية على المرافق الإسلامية الموجودة على مساحة 144 دونماً تضم المسجد الأقصى، وقبة الصخرة، والمسجد العمري، وغيرها من الإنشاءات والبوابات والساحات، والأشجار. أما السيادة فتبقى لفلسطين على تلك الرقعة.

وجاءت الاتفاقية مكملة لما اتفق عليه في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة في 26/10/1994، والتي تنص المادة التاسعة منها على أن إسرائيل تحترم الدور التاريخي للأردن في الأماكن الإسلامية المقدسة، وسوف تأخذ هذا الأمر بمنتهى الأهمية عند إجراء مفاوضات الوضع النهائي في القدس. وفي البند الثالث من المادة، اتفق على ضمان الطرفين حرية العبادة في الأماكن المقدسة.

وأصدر منتدى الفكر العربي الذي يرأسه الأمير الحسن بن طلال بياناً، يوم 14/9، أكد فيه أن إسرائيل لم تتوقف عن انتهاكاتها لكل الاتفاقات الموقعة معها، والأعراف الدولية والقانونين، الدولي والعرفي في القدس. ولم تقتصر ممارساتها العدائية على إطلاق المستوطنين والعسكر على المصلين الآمنين، بل إنها تنكل يومياً بسكان القدس من هدم للبيوت وشرائها، ومنع للأطفال من الوصول إلى مدارسهم، وتعطيل للحياة الاقتصادية. وهذا كله لطرد السكان المواطنين ومنعهم من بناء بيوت جديدة أو توسيع الحاليّ منها وإصلاحه.

اقرأ أيضاً: حركة تسوّق عادية بالأسواق الفلسطينية قبل يوم من العيد

وقد قامت ببناء الأنفاق، وقدمت مصطلحات جديدة، تمهيداً لبناء مواقف عليها، مثل السيادة فوق الأرض وتحتها، والتقسيم الزماني والمكاني للأقصى.

وأمام التهاء العرب كل بشأن يغويه ويلهيه عن أخيه، وعن القدس، ترى إسرائيل في هذا فرصة ذهبية، لإملاء الأمر الواقع هناك، والزحف التدريجي على كل المقدسات الإسلامية.

وتسمع من أحزابها اليمينية المتطرفة من ينادي بأن الأقصى واقع على جبل الهيكل، وأن إعادة بناء ذلك الهيكل يقتضي هدم المسجد الأقصى والمقدسات الأخرى في ذلك الموقع. فهل هذا تكتيك يقصد منه تقسيم الأرض، حتى يعاد بناء الهيكل بجانب الأقصى؟ وهل هنالك اتفاق سري بين إسرائيل والإدارة الأميركية على ذلك؟ أم أن الحكومة الإسرائيلية تنتهز فرصة انشغال إدارة الرئيس باراك أوباما بالاتفاق النووي مع إيران؟ هل هذا هو الدافع الذي يحدد كل تلك الضجة والضجيج اللذيْن أثارهما نتنياهو ضد الاتفاق النووي؟

وقد يستطيع الباحث أن يتفهم الدوافع التي حدت بالمملكة العربية السعودية وحلفائها في الخليج والجوار لكي تقوم بحملتها في اليمن. وقد يتفهم المواطن العربي والمسلم مهاجمة التحالف الدولي الفئات المتطرفة التي تريد إعادة الخلافة بالدم والدموع والقتل والهدم. ولكن، هل تكفي هذه كلها لتكون عذراً مقنعاً للسكوت عما يجري في القدس، وما قد يحدث للأقصى؟

لمّا قام الربيع العربي، قيل إنه اشتعل بسبب ضرب ضابطة شرطية محمد بو عزيزي، ما دفعه إلى حرق نفسه، فأشعل بعود الثقاب حريقاً في الوطن العربي، لم ينج من تبعاته أحد في الوطن العربي، سواء وقف متربصاً مدافعاً، أو انخرط في حرب، أو رأى البلد الذي يعيش فيه ممزقاً محطماً، وأهله مشردين في كل أنحاء العالم.

السكوت على الأقصى معناه أننا قبلنا بما تفعله إسرائيل. وبذلك يظهر عجزنا كلنا في الوطن العربي، خصوصاً عن حمايته، بدليل واضح لا يقبل الشك. ويقول شوقي في روايته الشعرية "ليلى والمجنون" على لسان قيس بن الملوح:
قد يهون العمر إلا ساعة/ وتهون الأرض إلا موضعاً.

فإذا لم يهن على الأمة العربية أن ترى شاباً يسعى في طلب الرزق يصفع على وجهه، ويحرق نفسه، فهل ستقبل إن رأت الأقصى يهدم.

ويجب أن يتذكّر كل العرب أن الفتاوى التي تلكأت أو حرّمت زيارة الأقصى، هو والمقدسات تحت الاحتلال، أن تمزق أوطانهم وشتات حالهم وفقدانهم القدرة على حل أي مشكلة، قد أغرى مسلمين كثيرين في العالم بزيارة الأقصى عبر شركات سياحية إسرائيلية، وطائرات ووسائل نقل أخرى إسرائيلية.

وقبل أن تصدر الفتاوى، ويصدر التحريم، علينا أن نفكر بالنتائج العملية والمنطقية لما نفتي فيه. وكذلك، هل من المعقول أن لا يكون في هذه الأمة صندوق تبرعات الملايين، لمساعدة أهل القدس وإنقاذ ممتلكاتهم.

ونحن نبذّر، ونهدم بلداننا بكلف تفوق تريليونات الدولارات؟ آن الأوان لفعل إيجابي في القدس، فهي ليست لفلسطين أو الأردن أو المغرب وحدهم.


اقرأ أيضاً: حصار غزة يرفع الأسعار في فلسطين

المساهمون