لماذا الغضب من تقرير "إسكوا"؟

29 مارس 2017
+ الخط -
لماذا غضبت أميركا وإسرائيل، وكثير من العرب من تقرير منظمة "إسكوا" هذا الغضب الكبير، حين اتهمت "إسكوا" إسرائيل بأنّها أسست لنظام فصل عنصري، يهدف إلى تسلّط جماعة عرقية على أخرى، معتبرة إياها كيانا أسّس لنظام فصل عنصري يمارس على الفلسطينيين، على الرغم من أنّ إسرائيل عادة ما تضرب عرض الحائط تلك القرارات الدولية التي تدينها وتدين كيانها وجرائمه تجاه الشعب العربي الفلسطيني وباقي الأمة العربية؟
أظهر تقرير "إسكوا" ثلاثة مغالطات وعرّاها أمام العالم أجمع، بينما عملت إسرائيل، ومن خلفها أميركا وباقي المجتمع الدولي، طويلا على جعل تلك المغالطات أساسا للتعامل مع الصراع العربي الصهيوني، وهي:
أولاً، القرارات الأممية عادة ما تعتبر أنّ إسرائيل ارتكبت جريمة عندما احتلت باقي فلسطين عام 1967، بينما إسرائيل مجرمة منذ أن احتل قطعان اليهود فلسطين عام 1948 وأعلنوا قيام دولة كيانهم، وهذا ما يتم التعامل على أساسه حين يتعاطى المجتمع الدولي مع الصراع العربي الصهيوني.
ثانياً، تلك القرارات الأممية تتعامل مع إسرائيل على أنّها دولة قائمة ولها كيانها، لكنها ترتكب جرائم في حق الفلسطينيين، بينما الحقيقة هي أنّ إسرائيل كيان فصل عنصري، لا يحق له الوجود أصلاً، حسب ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
ثالثاً، الحل لا يمكن أن يكون من خلال حل الدولتين، كما يروّج دائما، طالما أنّ إسرائيل كيان فصل عنصري، والحل فقط هو من خلال إنهاء هذا الكيان العنصري، حسب المواثيق والقوانين الدولية، لأنّه لا يمكن التعاطي مع كيانٍ كهذا، لا على المستوى السياسي، ولا الدبلوماسي أو التجاري أو الاقتصادي، ولا بأي شكل كان، لقد ساهم المجتمع الدولي بإنهاء حقبة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا من خلال عزله عن أيّة علاقات دولية. لكن، على الرغم من تجاهل المجتمع الدولي لمحنة الشعب الفلسطيني، يبدو أنّه اليوم أكثر تنبّها للكيان الصهيوني ودولته العنصرية وخطورة التعامل معها، والدليل على نجاح حركة مقاطعة إسرائيل على المستوى الدولي، وخصوصا أوروبا.
تقرير منظمة إسكوا ونجاح حركة المقاطعة دولياً وتنبّه شعوب أوروبا لحقيقة الكيان الصهيوني، وصعود جماعات الضغط المضادة داخل البرلمانات والحكومات الأوروبية والآسيوية، والتي تدفع باتجاه رفض هذا الكيان، هو ما أثار جنون إسرائيل وأميركا في النهاية، إذ صوّر لهم أنّ هذه قد تكون إرهاصات بداية نهاية إسرائيل.
من الملاحظ أنّه لم يتم مثلا اﻹعتراض على نقطة أو فقرة من فقرات تقرير إسكوا من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بل تمّ سحبه نهائياً بعد يومين فقط على عرضه على الأمم المتحدة، وهذا دليل قاطع على الخطورة الذي شكله هذا التقرير على كيان الصهاينة، الأمر الذي دفع رئيسة منظمة إسكوا، ريما خلف، على تقديم استقالتها، واضعة أميركا وأمين عام الأمم المتحدة والكيان الصهيوني في حرج شديد أمام الرأي العام العالمي، وتعريتهم أكثر فأكثر، حين تمّ تحميل التقرير عن صفحة المنظمة على "فيسبوك" 12 ألف مرّة خلال ساعتين فقط من إعلاف خلف استقالتها.
لكن، لماذا ارتعبت دول عربية كثيرة من تقرير "إسكوا" هذا؟ ولماذا تنفست الصعداء، حين تمّ سحبه نهائياً من الأمم المتحدة، خصوصا الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل، وتطبّع معها على أعلى مستوى؟
تدرك تلك الدول تماماً الآن، أكثر من أيّ مضى، أنّها تقيم علاقات مع دولة الكيان الصهيوني على مستوى رسمي فقط لا يمثّل شعوبها وتطلعاتها، ولا تقيم وزناً، لا لمشاعر شعوبها ولا لتاريخها، فعلى الرغم من أنّ تلك الأنظمة العربية عملت طويلاً على نشر الجهل بين الشباب وتهميشهم، وتقزيم دورهم وتحويلهم عن القضية الأساس، إلا أنّها صدمت كأنظمة حين شاهدت تفاعل الشباب العربي من المحيط إلى الخليج مع قضية ريما خلف ونتائج تقرير اﻹسكوا، لقد أدركت تلك الأنظمة أنّ جهودها التي بذلت عليها الغالي والنفيس، لتهميش القضية الفلسطينية، وتحويل اهتمامات الشباب والشعوب العربية لغير قضايا تافهة، ذهبت هباءاً منثوراً، وكأنّها لم تكن أو تبذل يوماً.
شعرت تلك الأنظمة العربية للحظة بأنّها مهدّدة ووحيدة في قلب هذه الأزمة، وهي تدرك اﻵن بأنّها أنظمة مدانة ومتّهمة، ستقف يوماً أمام المحاكم الدولية، ﻷنّها أنظمة تواطأت وتنازلت وتعاطفت وتعاونت وساعدت ودعمت كياناً عنصرياً مرفوضاً حسب القوانين والمواثيق الدولية.
سوف يدركون ذلك حين لن يجد المجتمع الدولي بداًّ من تقديم القرابين على مذبح العدالة، وعندها لن يفيد الندم.
BB0E1626-EC3F-46CE-91BA-116FA9609C27
BB0E1626-EC3F-46CE-91BA-116FA9609C27
بشار طافش (الأردن)
بشار طافش (الأردن)