نصحو على صوته الذي يبعث في النفس التفاؤل والانشراح، وهو يعلن عن "احتلاله" شرفة بيتنا، ما دمنا قد سمحنا لأنفسنا بإعدام الشجرة العجوز، حيث كان يبني عشه (المهلهل). وفي كلّ صباح، نعود لأيّام الطفولة ولترجماتنا العفوية لغنائه، فنرده إلى ترانيم الحمد والتسبيح حيناً، وإلى واقع الحال أحياناً أخرى، فنهزج معه "احمدوا ربكم".
"القُمري" من طيور الصحراء النباتية مثله مثل "القطا"، يكثر وجوده في المناطق القروية حيث المزارع والحقول والمستنقعات المائية والغذاء الوفير من حبوب وحشرات. كما يُساكن الناس في أطراف المدن على امتداد موطنه من الهند إلى الشرق الأوسط فأوروبا وأفريقيا الشمالية وصولاً إلى خط الاستواء. ويقال إن للحمه لذة لا توازيها لذة، ويسهل صيده لعدم توخيه الحذر، وبطء حركته على الأرض. حتى أنّ البعض يصفه بـ "الحمامة السلحفائية"، ويطلق عليه علماء الحيوان العرب كنية "أبو زكي" و"أبو طلحة".
كما دخل القُمري حياتنا مغنياً ومثيراً كوامن العشق والأشواق، أوجدناه في غنائنا منذ قافية عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق "أعاتك لا أنساك ما ذر شارق، وما ناح قمري الحمام المطوق"، ورائعة الثنائي السوداني عبد المنعم عبد الحي وسيد خليفة: "ابني عشك يا قماري قشة، قشة وعلمينا كيف على الحب دارنا يُنشأ، رغم العواصف، برضو واقف، ما بيهو رعشة". وأحالت أغنيات عدّة هذا الكائن ضئيل الحجم إلى رمز يصعب تجاوزه، ولكن!
منذ أواسط عام 1970، تغيّر حال القمري وطيور أخرى، وبدأت أعداده تتناقص بشكل ملحوظ بسبب المواطنين، واستخدام المبيدات، والصيد المفرط، والجفاف المتزايد في السهل الأفريقي ومناطق السودان.
اقــرأ أيضاً
في الفترة الأخيرة، تناقل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً صادمة لعدد من السياح العرب يتباهون بصيدهم أعداداً مهولة من القمري، مع أنواع أخرى من الطيور والغزلان. حتّى أنّ أحدهم كتب اسمه على الأرض بعشرات القمري المقتولة، وجلس بجوارها ممتشقاً سلاحه ومبتسماً للكاميرا، ما حرّك ساكن عدد كبير من السودانيين على أكثر من صعيد.
والمعروف أن الحيوانات المفترسة لا تقتل صيدها إلا عندما تكون جائعة. أما هؤلاء، فيقطعون الوديان ويتسلقون الجبال، بل يسافرون عبر الأقطار لممارسة هواية القتل. وهذا هو الإفساد في البر والبحر. من يتحمل مسؤولية تدمير الحياة البرية؟
هل هي الحكومات وإداراتها المعنية بالحماية وضبط الصيد وتراخيصه، أم هو الضمير الإنساني المتعلّق بالتعدي على الجمال، أم هو إعلامنا المتواري خلف حق المواطن في التمتع بالطبيعة وهباتها؟ ولك الله يا قمري.
"القُمري" من طيور الصحراء النباتية مثله مثل "القطا"، يكثر وجوده في المناطق القروية حيث المزارع والحقول والمستنقعات المائية والغذاء الوفير من حبوب وحشرات. كما يُساكن الناس في أطراف المدن على امتداد موطنه من الهند إلى الشرق الأوسط فأوروبا وأفريقيا الشمالية وصولاً إلى خط الاستواء. ويقال إن للحمه لذة لا توازيها لذة، ويسهل صيده لعدم توخيه الحذر، وبطء حركته على الأرض. حتى أنّ البعض يصفه بـ "الحمامة السلحفائية"، ويطلق عليه علماء الحيوان العرب كنية "أبو زكي" و"أبو طلحة".
كما دخل القُمري حياتنا مغنياً ومثيراً كوامن العشق والأشواق، أوجدناه في غنائنا منذ قافية عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق "أعاتك لا أنساك ما ذر شارق، وما ناح قمري الحمام المطوق"، ورائعة الثنائي السوداني عبد المنعم عبد الحي وسيد خليفة: "ابني عشك يا قماري قشة، قشة وعلمينا كيف على الحب دارنا يُنشأ، رغم العواصف، برضو واقف، ما بيهو رعشة". وأحالت أغنيات عدّة هذا الكائن ضئيل الحجم إلى رمز يصعب تجاوزه، ولكن!
منذ أواسط عام 1970، تغيّر حال القمري وطيور أخرى، وبدأت أعداده تتناقص بشكل ملحوظ بسبب المواطنين، واستخدام المبيدات، والصيد المفرط، والجفاف المتزايد في السهل الأفريقي ومناطق السودان.
في الفترة الأخيرة، تناقل ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً صادمة لعدد من السياح العرب يتباهون بصيدهم أعداداً مهولة من القمري، مع أنواع أخرى من الطيور والغزلان. حتّى أنّ أحدهم كتب اسمه على الأرض بعشرات القمري المقتولة، وجلس بجوارها ممتشقاً سلاحه ومبتسماً للكاميرا، ما حرّك ساكن عدد كبير من السودانيين على أكثر من صعيد.
والمعروف أن الحيوانات المفترسة لا تقتل صيدها إلا عندما تكون جائعة. أما هؤلاء، فيقطعون الوديان ويتسلقون الجبال، بل يسافرون عبر الأقطار لممارسة هواية القتل. وهذا هو الإفساد في البر والبحر. من يتحمل مسؤولية تدمير الحياة البرية؟
هل هي الحكومات وإداراتها المعنية بالحماية وضبط الصيد وتراخيصه، أم هو الضمير الإنساني المتعلّق بالتعدي على الجمال، أم هو إعلامنا المتواري خلف حق المواطن في التمتع بالطبيعة وهباتها؟ ولك الله يا قمري.