يبدو أن حضور الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعمال القمة العربية المنعقدة في البحر الميت بالأردن، يقوم على ركيزتين أساسيتين، إحداهما تقوم على ما ينشده هو شخصياً من القمة، والأخرى مبنية على ما سيفرضه عليه الإجماع العربي. وحتى أول من أمس، لم يكن حضور السيسي للقمة، أمراً محسوماً، لكنه حسم، بعد تطمينات، بتحقق جانب هام له، يتمثل بالدرجة الأولى، في عقد لقاء مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، من أجل إنهاء حالة التوتر التي تغلف العلاقات بين مصر والمملكة منذ فترة طويلة، وترجع أسبابها إلى موقف مصر المضاد للموقف السعودي بشأن الأزمة السورية، والذي تجلت آثاره في جلسة مجلس الأمن، عندما وقفت القاهرة ضد مشروع قرار يدين مجازر بشار الأسد في سورية، بالإضافة إلى ما يشبه الإيقاف القضائي المصري، لاتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى الرياض. ويأمل السيسي، بناء على هذا اللقاء المتوقع، إعادة العلاقات مع السعودية إلى سابق عهدها، وما يتبعه من عودة تدفق المساعدات إلى مصر، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي المنهار، والأزمات المتتالية التي تهدد بضرب استقرار النظام المصري، وعلى رأسه السيسي.
وأكدت مصادر سياسية في مصر، رفضت الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد"، أن السيسي، لمّح من خلال وساطات متعددة، آخرها وساطة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، إلى رغبته في أن يتم عقد لقاء مع الملك سلمان في الأردن من أجل تسوية الأزمة، في مقابل تصديق مصر على ما يتم التوافق عليه عربياً بما يتعلق بقضايا مثل الأزمة في سورية والقضية الفلسطينية، والتدخلات الإيرانية في المنطقة. وقالت المصادر إن السيسي تلقّى وعداً بأن يتم عقد اللقاء مع الملك سلمان، وتسوية تلك الخلافات. وأشارت إلى أن الوساطة التي قام بها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والمبنية على تدخله الإيجابي لتقريب وجهات النظر بين السعودية ومصر، بالإضافة إلى الجهود التي قام بها ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أخيراً أدت إلى التهدئة واحتواء الخلافات، وهيّأت الأجواء من أجل المصالحة بين الزعيمين.
وأضافت المصادر أن القيادة السعودية أبدت استعداداً لإنهاء تلك الأزمة، وأبلغت طرفي الوساطة بأنها منفتحة على أي حوار مع مصر حول القضايا الإقليمية، على اعتبار أن القاهرة عنصر هام لضمان الأمن القومي العربي والإقليمي. وأشارت المصادر أيضاً إلى أن الوساطة الأميركية كان لها دور رئيسي في التحضير لإنهاء الأزمة بين مصر والسعودية، إذ أثمرت الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، والتقى خلالها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بادرة إعادة شركة "أرامكو" السعودية ضخّ شحنات البترول التي كانت ترسلها إلى مصر بناء على اتفاق وقع بين السيسي وسلمان في القاهرة، والذي كان ينص على مدّ شركة "أرامكو" مصر بمنتجات نفطية مكررة بواقع 700 ألف طن شهرياً لمدة خمس سنوات، بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين "أرامكو" والهيئة المصرية العامة للبترول. وبموجب الاتفاق تشتري مصر شهرياً، منذ مايو/أيار الماضي، من الشركة السعودية 400 ألف طن من زيت الغاز (السولار) و200 ألف طن من البنزين و100 ألف طن من زيت الوقود، وذلك عبر خط ائتمان بفائدة 2 في المائة، على أن يتم السداد على مدار 15 سنة. وقد توقف الاتفاق بعد أن صوّتت مصر على مشروع قرارين لروسيا وفرنسا في مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية، وهو ما ردت عليه السعودية بتوجيه انتقاد علني إلى القاهرة للمرة الأولى، حين وصف المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المُعلمي، التصويت المصري لصالح مشروع القرار الروسي بالمؤلم. وقال "كان مؤلماً أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى الموقف التوافقي العربي من موقف المندوب العربي (المصري)... ولكن أعتقد أن السؤال يُوجه إلى مندوب مصر".
وأشارت المصادر إلى أن زيارة ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، إلى مصر، والتي تمت قبل يومين فقط من انعقاد القمة العربية في الأردن اليوم، جاءت من أجل توحيد المواقف والجهود قبل انعقاد القمة، إلا أن أحد أهم أسبابها هو رأب الصدع بين القاهرة والرياض. وتابعت المصادر أن البحرين أكثر دول الخليج قُرباً من السعودية، ولديها علاقات قوية مع القاهرة، وبالتالي يمكن أن تؤدي دور الوساطة، وهو أمر قد يكون مقبولاً خلال الفترة الحالية، خصوصاً مع عودة إمداد مصر بالبترول السعودي مرة أخرى، والحديث عن مناقشة البرلمان المصري لاتفاقية تيران وصنافير. وأشارت إلى أن دولاً خليجية ترى ضرورة عدم وجود خلافات مع مصر في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية، لناحية الأزمات ومواجهة الإرهاب، والتصدي للدور الإيراني في المنطقة.
وأكدت مصادر دبلوماسية مصرية سابقة، رفضت الكشف عن أسمائها وصفاتها، أنه في مقابل رغبة السيسي بإنهاء ملف المصالحة مع السعودية، يوجد أيضاً إشارات من دول، وعلى رأسها السعودية، أرسلتها إلى الرئيس المصري، أولها هو تبني موقف عربي موحد بالنسبة إلى الأزمة السورية والقضية الفلسطينية والتدخلات الإيرانية، بالإضافة إلى التوافق على ما يمكن طرحه بشأن القضية الفلسطينية على ترامب خلال زيارة السيسي المتوقعة إلى واشنطن مطلع إبريل/نيسان المقبل. وكان نسب إلى الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، تصريحات عن "مبادرة جديدة" سيطرحها الجانب الفلسطيني خلال قمة البحر الميت. وقالت المصادر إن قرارات القمة ستشدد على تجديد التمسك بمبادرة السلام العربية، وحل الدولتين سبيلاً وحيداً لإنهاء الصراع، لكن الأمين العام المساعد للجامعة العربية، حسام زكي، قال، في تصريحات للصحافيين أمس الثلاثاء، إن الأمين العام لجامعة الدول العربية، لم يتحدث عن موقف فلسطيني جديد، أو مشروع جديد، ضمن مشروعات التسوية، وأنه أكد على أن مشاريع القرارات الخاصة بفلسطين تشكل عادة نحو 30 صفحة، تحتوي على مجمل القرارات والمشاريع الخاصة بالقضية الفلسطينية، موضحاً أن الجانب الفلسطيني أعاد صياغتها بحيث تؤدي نفس المعنى، ولا تتجاوز الـ20 صفحة. وأوضح زكي أن الجانب الفلسطيني عرض الصياغة الجديدة على الدول العربية التي لها علاقة بالملف لتنسيق المواقف، وأن أبو الغيط، عندما تحدث عن الملف الفلسطيني، أراد أن يتحدث عن الصياغة الجديدة التي تتجاوب مع تغيرات الأمور والأوضاع، لكن لم يشر إلى تغير في مضمون القرارات، خصوصاً أن الأمين العام للجامعة العربية ينسق مع الجانب الفلسطيني بشكل غير مسبوق.
وقالت مصادر سياسية مصرية إنه من المتوقع أن تشهد القمة موقفاً واضحاً في سبيل تسوية الأزمة السورية، على أن يكون السيسي مشاركاً فاعلاً فيه، لكن من دون التطرُّق إلى مصير النظام السوري ورأسه. وأوضحت أن التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية (اليمن، العراق، سورية، ولبنان)، ستكون حاضرة بقوة في قمة البحر الميت، خصوصاً أنه يسود اقتناع بأن طهران لم تبدِ بعد استعداداً جدياً لإحياء أي فرصة حوار مع دول الخليج، والسعودية خصوصاً. وأكدت أن السيسي سيبدي ليونة بما يتعلق بموقفه السابق من الأزمة السورية، لا سيما أن حليفه الروسي، بدأ يتخلى تدريجياً عن تمسكه ودفاعه المستميت عن بشار الأسد.
وكان السيسي قال، في حوار صحافي أجراه مع رؤساء تحرير الصحف الحكومية المصرية، "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية"، الأحد 21 أغسطس/آب الماضي، إن "الموقف المصري تجاه الأزمة السورية يتأسس على 5 محددات رئيسة، هي احترام إرادة الشعب السوري، وإيجاد حلّ سلمي للأزمة، والحفاظ على وحدة الأرض السورية، ونزع أسلحة المليشيات والجماعات المتطرفة، وإعادة إعمار سورية وتفعيل مؤسسات الدولة". وأثنى على مسار العلاقات مع الأشقاء في دول الخليج، معتبراً أن اختزال العلاقات في قيام تلك الدول بتقديم منح للدولة المصرية أمر "غير صحيح". وحول الموقف المصري من النزاعات في دول الجوار، قال السيسي إن سياسة مصر تقوم على مبادئ أساسية، هي عدم التدخل في شؤون الآخرين، ودعم إرادة الشعوب، والحلول السلمية. وكانت السعودية أوضحت في مناسبات عدة رفضها بقاء الأسد في السلطة، مؤكدة أن الشعب السوري لا يستطيع قبول بشار الأسد على رأس السلطة بعد القتل والتهجير والتدمير، الذي ألحقه بالبلاد، وأن الشعب السوري هو الذي يقرر بدء فترة انتقال سياسي التي يجب أن تكون من دونه، مشددة على ضرورة التمسك بإعلان "جنيف 1" الذي يدعو إلى انتقال السلطة من بشار الأسد ومغادرته الأراضي السورية. ومن المتوقع، بحسب مصادر، أن يصدر بيان عن القمة يتضمن إدانة واضحة للأنشطة الإسرائيلية، ورفضا قاطعا لضم القدس ونقل السفارات الأجنبية إليها. كما سيتضمن إدانات للتدخلات الإيرانية في الدول العربية. وسيؤكد البيان على التمسك بمبادرة السلام العربية كما تم طرحها عام 2002 من دون أي تعديل، وإدانة التدخلات الإيرانية في اليمن، مع الإشارة إلى الدور السعودي في دعم إعمار اليمن وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.