غير أنه، وبالتزامن مع هجوم كبير لقوات النظام السوري، أمس الأحد، لاستعادة أضخم مدفعية في مدينة حلب شمالي البلاد، ومحاولة إعادة حصار المدينة من جديد، بدأت تظهر ملامح تغيّر في الموقف الروسي، حيث قال مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية إنّ "الروس تراجعوا عن بعض القضايا، التي اعتقدنا أننا اتفقنا عليها، ولذلك سنعود إلى عواصمنا للتشاور".
وبالنظر إلى بنود الاتفاق الذي كان ينتظر ولادته، والرضوخ الروسي الواضح فيه، يمكن القول إنّ موسكو التي لا تقف على الحياد في أيّ اتفاق يبرم حول سورية، قد ضغطت على النظام السوري، لا لوقف القصف على مناطق المعارضة كما كان متوقعاً، بل لاستعادته أهم نقاطه في المدينة، لإعادة حصار حلب من جديد، وانتظار اتفاق آخر يحسّن من شروط التفاوض لصالح النظام السوري.
ورغم عدم إخفاء الجانبين وجود خلافات عميقة حول الاتفاق الجديد، إلا أنّ موسكو كانت قد وافقت بادئ الأمر على تنفيذ الشروط الأميركية، عبر وقف هجماتها مع قوات النظام على مناطق المعارضة، والالتزام بالهدنة، وانسحاب النظام السوري من طريق الكاستيلو، وإنهاء القتال حول طريق الراموسة، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب من طريق الراموسة والكاستيلو، وإنهاء الهجمات والعمليات الهجومية في جميع أنحاء البلاد، وهو ما لم يناسب المخططات الروسية مع النظام السوري، وكانا قد خططا مراراً للسيطرة على مدينة حلب.
وفي السياق نفسه، يرى عضو الائتلاف الوطني السوري، سمير نشار، في تصريحات لـ "العربي الجديد" أنّ "إعادة حصار حلب لا شك تقوي من الموقف الروسي وتصلّبه في النقاط، التي كانت موضوع جدل وخلاف مع الموقف الأميركي، وتُضعف موقف المعارضة بالدرجة الأولى حتى مع الأصدقاء والحلفاء"، آسفاً لكون الحصار "سيغير الكثير في المعادلة العسكرية والسياسية في خريطة الصراع في سورية، وسوف تعاد الحسابات من قبل طرفي الصراع محلياً وإقليمياً ودولياً".
وأوضح نشار أنّ "خسارة حلب بإعادة حصارها لا يمكن أن تغطى بإنجازات الشمال كما يتوهم بعض المعارضين، لكن هذا لا يعني أنّ الاتفاق كان سالكاً بين الأميركيين والروس، لأنّ هناك نقاطاً لا تزال موضع خلاف، وأهمها تصنيف المنظمات الإرهابية وطريقة التعامل معها بضرورة فصلها عن الفصائل المعتدلة".
وتابع نشار "هنا يمكن تسجيل موقف نقدي تجاه (جبهة فتح الشام) وحلفائها، لعدم إجراء تحوّلات جوهرية في خطابهم يلبّي متطلبات الخطاب الوطني السوري الجامع، وينزع الذريعة من القوى الكبرى لقصفها"، معتبراً أنّه "لم يكن كافياً فقط قطع العلاقة التنظيمية مع القاعدة وتغيير الاسم، لا سيما مع عدم تقدير دقة الموقف الدولي ومحاولة تقليل أعداء الثورة السورية".
وحول رسالة راتني لفصائل المعارضة، قال المعارض السوري إنّ "خطاب المبعوث الأميركي كان محاولة تمهيدية لوضع الفصائل في صورة المفاوضات، التي تجري بينهم وبين الروس، وتأكيداً منهم على أنّ واشنطن تتفهم مواقف الفصائل وتحاول الدفاع عنها أمام موسكو، وتأمين تهدئة في كافة أنحاء سورية، بحيث تشمل طريق الراموسة ليكون ممراً آمناً للدخول إلى الأحياء المحررة من مدينة حلب، لكن للأسف هذا أصبح من الماضي بعد خسارته ونجاح النظام بإعادة فرض الحصار".
ورأى نشار أنّ "هناك جولة جديدة من الصراع المسلح بشروط وظروف أشد قسوة بعد حصار حلب، عدا عن أنّ شروط الانتقال السياسي ليست ناضجة حتى الآن، لا سيما بعد تناقض رؤية الهيئة العليا للمفاوضات، التي أصرت على رفض أي دور لبشار الأسد، وبين رؤية المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ديمستورا، التي سيقدمها إلى مجلس الأمن في 21 من الشهر الجاري ويشير فيها إلى بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية بصلاحيات بروتوكولية".